«الانتقالي الليبي» يواجه اختبارا صعبا بعد اقتحام ثوار غاضبين مطار طرابلس

عبد الله ناكر لـ «الشرق الأوسط»: وقوع انقلاب عسكري أمر وارد

عناصر من الجيش الليبي تصل إلى مطار طرابلس للتفاوض مع مجموعة مسلحة سيطرت عليه أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط تحذيرات من إمكانية وقوع انقلاب عسكري جديد في ليبيا يؤدي إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة في التاسع عشر من الشهر الحالي، عاش المجلس الانتقالي وحكومته المؤقتة ساعات عصيبة، أمس، بعدما سيطر ثوار مسلحون غاضبون على اعتقال رئيسهم على مطار طرابلس الدولي، وأوقفوا حركة الرحلات الجوية جزئيا.

وسارع المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، إلى عقد لقاء عاجل مع عضو المجلس الانتقالي عن مدينة ترهونة، التي ينتمي إليها أبو عجيلة الحبشي، قائد كتيبة الأوفياء، حيث اتفقا على سحب المسلحين الذين اقتحموا مطار طرابلس الدولي لعدة ساعات، أمس، وفتح تحقيق في اختطاف الحبشي.

وانتشر عشرات المسلحين والمعززين بدبابات وآليات عسكرية في مختلف أرجاء المطار، حيث قاموا بعملية تفتيش واسعة النطاق بحثا عن قائدهم المختطف.

وقالت مصادر في المطار لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إن الحركة بالمطار كانت متوقفة تماما حتى مساء أمس، وسط حالة من الارتباك والازدحام داخل قاعات وصالات المطار، بينما أعلن عبد الرزاق الغويل مدير مطار معيتيقة الدولي أن المطار استقبل الرحلات الداخلية والدولية التي كانت متوجهة إلى مطار طرابلس، بسبب ما يجري هناك.

ويطالب المسلحون من كتيبة الأوفياء من بلدة ترهونة، الواقعة على بعد 80 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس، الذين اقتحموا المطار بمعرفة مصير قائدهم العقيد الحبشي والجهة التي تقف وراء اختطافه أو اختفائه، حيث أعلنوا أن انسحابهم من المطار مرتبط بمعرفة مكان وجوده وإطلاق سراحه.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية، عن بعض عناصر هذه الكتيبة، أن اقتحامهم لمطار طرابلس جاء فقط لمعرفة الجهة التي تقف وراء اختفاء قائدهم، وأنهم مستعدون للانسحاب الفوري إذا تبين لهم أن الجهة التي تقف وراء اختفائه هي جهة رسمية.

وقال مسؤول أمنى إن «الوضع عند المطار متوتر للغاية، والدبابات تحاصر المباني، لا يسمح لأحد بدخول المبنى».

ونفت اللجنة الأمنية العليا في العاصمة طرابلس علاقتها بقضية اختفاء واختطاف الحبشي، وقالت في بيان لها إنها تتبرأ من هذا الفعل غير الحضاري، الذي لا ينسجم مع مسؤولياتها، مشيرة إلى أنها تواصل التحريات مع كل الجهات ذات العلاقة لضمان سلامة الحبشي ولمعرفة وتعقب المسؤولين عن خطفه وتقديمهم للمساءلة والعدالة.

كما نفى مسعود أرحومة، المدعي العام للمحكمة العسكرية، إصدار مذكرة اعتقال أو جلب بحق الحبشي، لافتا إلى أن الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام حول وجود الحبشي لدى الجهات الأمنية هي أخبار غير صحيحة.

في سياق موازٍ، كشف العقيد علي الشيخي، الناطق الرسمي باسم رئاسة أركان الجيش الليبي، النقاب عن مفاوضات تجري حاليا بين لجنة تضم عددا من الضباط التابعين لرئاسة الأركان ووجهاء وأعيان مدينة ترهونة والمسلحين الذين قاموا باقتحام مطار طرابلس، مشيرا إلى أن هذه المفاوضات تتركز على انسحاب المجموعات المقتحمة للمطار بالطرق السلمية لتفادي اللجوء إلى استعمال القوة لإخراجهم من المطار.

واستنكر الشيخي اختطاف العقيد الحبشي، وعملية اقتحام مطار طرابلس، واصفا هذا العمل بأنه اعتداء على هيبة الدولة ومؤسساتها السيادية.

وبعدما اعتبر أن هذا أمر خطير يستلزم الوقوف في وجهه والتصدي له بقوة، اتهم الشيخي عناصر تابعة للنظام السابق بالوقوف وراء هذا العمل، بغرض إثارة الفتن وعدم الاستقرار قبل الانتخابات البرلمانية.

من جهته، قال عبد الله ناكر، رئيس المجلس العسكري لثوار العاصمة طرابلس لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك إمكانية كبيرة لوقوع انقلاب عسكري في ليبيا، إذا استمرت حالة الانفلات الأمني وعجز المجلس الانتقالي وحكومته المؤقتة عن السيطرة على الأوضاع في الداخل.

وأضاف ناكر، عبر الهاتف، من مقره بطرابلس، أن عملية اقتحام مطار طرابلس تؤكد على خطأ محاولة استبعاد أو تهميش الثوار من حكم البلاد، مشيرا إلى أن ثوار الزنتان عندما كانوا يتولون مهمة تأمين المطار لم تقع هذه الأحداث.

وتابع: «هاجمونا في السابق عندما قلنا إن البلاد محتاجة للثوار، وإن مسألة الديمقراطية ليست سهلة من دون أمن وأمان، الدولة لا تمتلك القدرة على حماية المطار والمستشفيات والوزارات، لكنهم قالوا في السابق إن الثوار ميلشيات مسلحة ومرتزقة فقلنا لهم تسلموا المسؤولية وتخلينا عن المطار».

وأكمل: «تلقيت على مدى الساعات الماضية اتصالات كثيرة تطالبني بالتدخل لكن هناك شرعية ممثلة في المجلس الانتقالي ووزارة الداخلية عليهم الآن أن يتفضلوا بتحرير المطار، وإلا فليتنحوا ويعطونا الضوء الأخضر ونحن نعلم كيف نتفاهم مع أشقائنا الثوار من ترهونة».

ولفت إلى أنه لا توجد أي جهة رسمية في ليبيا أعلنت مسؤوليتها عن مصير الحبشي، موضحا أن وزارة الداخلية ما زالت تلتزم الصمت، وثمة معلومات متضاربة حول ما إذا كان الحبشي قد اعتقل من داخل المطار أو بداخله.

وأوضح أنه ضد استخدام التدخل العسكري على هذا النحو لتهديد هيبة الدولة الليبية، مشيرا إلى أن أعيان ترهونة أبلغوه أنه لا يستهدفون المطار لذاته، ولكنهم دخلوه فقط بحثا عن الحبشي المخطوف.

وتابع: «المجلس الانتقالي والحكومة يحلمون بالديمقراطية ويجرون وراء الكراسي، وأنا شخصيا يشنون ضدي حملة لتشويه سمعتي ويزعمون كذبا تورطي في تهريب أموال لنظام القذافي خارج ليبيا».

وقال: «قبل أن يكون هناك حكومة، كنت مسؤولا عن تأمين سبعة مصارف، ولو كنت أريد الأموال لحولتها للخارج. إنهم يتهموننا كذبا بالسرقة والهروب».

وتابع: «أنا تليفوناتي معروفة للجميع، وعلى أي جهة تريد التحقيق معي أن تتفضل بالاتصال، وأنا مستعد لمعاودة حمل السلاح مجددا. نحن بالسياسة موجودون وبالقوة موجودون».

وأضاف: «نحن كثوار نريد اهتماما أكثر من الانتقالي والحكومة، هذا الضعف الأمني يرجع إلى تهميش الثوار، نريدهم أن يسلموا الراية للثوار، هم لا يستطيعون إدارة شؤون البلاد، الوضع الآن لا يحتاج إلى تكنوقراط وأشخاص خلال الحرب ضد القذافي كانوا جالسين في فنادق خمس نجوم، ليبيا تحتاج الآن إلى الثوار، وعلى الأقل المفروض 60 من الثوار يحصلون على عضوية المؤتمر الوطني من دون انتخابات، لأنهم ساهموا في إسقاط النظام، نتحدى وزارة الداخلية التي تتشدق بالشرعية وتقول إن الثوار ضعفاء وميلشيات أن تتدخل الآن لتحرير المطار».

ومضى قائلا: «الثوار هم من انقلبوا على القذافي، والمفروض نحن من يحكم ليبيا، إذا يريدون الديمقراطية فليتفضلوا، لو استمر هذا التخبط والضعف وتهميش لثوار سيقع انقلاب عسكري، لا يغرهم ما هم فيه، على الأقل عليهم تسليم الثوار مسؤولية الشؤون الأمنية».

ورأى أنه لا يصح أن «تأتي في يوم وليلة لتتكلم على الديمقراطية في بلد عانى من الاستعباد على مدى السنوات الـ42 الماضية»، مضيفا: «الثوار لا بد أن يكونوا ممسكين بزمام الأمور ويشاركوا في العملية السياسية ويشاركوا في العملية الأمنية، لأن لهم الفضل الأول والأخير في تحرير البلاد حفاظا عليها، وليس طمعا فيها».

وتابع: «للأسف، الدولة مشغولة بلعبة الكراسي والسلطة ومتجاهلة الموقف الأمني، وكل يوم لدينا إما شخص مقتول أو مخطوف، وهذا وضع غير مقبول، ولا يجب أن يستمر».

إلى ذلك، نزع المجلس الانتقالي الطابع الرسمي عن المفاوضات السرية التي أجراها الدكتور علي الصلابي، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين الليبية مع مسؤولين من نظام العقيد الراحل معمر القذافي في القاهرة، خلال الأسبوع الماضي.

وأعلن الدكتور محمد الحريزي، الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي، أن تكليف المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس للدكتور الصلابي، اقتصر على نقل رسالة إلى العائلات الليبية الموجودة في مصر للعودة إلى ليبيا، وأن المطلوبين منهم للعدالة ستوفر لهم محاكمات عادلة.

وجدد الحريزي رفض المجلس القاطع التفاوض مع من وصفهم بأزلام النظام السابق الذين ارتكبوا الجرائم ضد أبناء الشعب الليبي وهم مطلوبون للمثول أمام القضاء الليبي.

وقال في مؤتمر صحافي عقده أمس في طرابلس: «ليس هناك أي تفاوض مع عناصر النظام السابق، والمجلس كان قد رفض التفاوض مع أي من هذه العناصر حتى عندما كانت في السلطة».

وبعدما لفت إلى أن ليبيا طلبت رسميا وفي أكثر من مرة من السلطات المصرية تسليمها هؤلاء المطلوبين إلى ليبيا، أكد الحريزي أن المجلس لن يتسامح مع أي شخص أسهم في سفك دماء الليبيين أو نهب أموالهم وانتهك أعراضهم.

ونفى الحريزي، من جهة أخرى، علمه بتقديم بعض أعضاء المجلس استقالاتهم من المجلس احتجاجا على مفاوضات القاهرة، مضيفا: «لا علم لي باستقالة البعض، ربما توجد احتجاجات».

وقال الحريزي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس: «إن الصلابي لم يكن مكلفا بشكل رسمي من المجلس الانتقالي. إنه تكليف شخصي وليس رسميا، والمجلس ليس مسؤولا عنه».

وأثار الكشف عن فحوى هذه اللقاءات غضبا شعبيا عكسته تدوينات الناشطين والسياسيين الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، بينما دعا البعض إلى تنظيم مظاهرة حاشدة في العاصمة الليبية طرابلس للتنديد بهذه المفاوضات التي جرت وفقا لتأكيدات مصادر ليبية حكومية لـ«الشرق الأوسط» من دون علم عبد الرحيم الكيب، رئيس الوزراء الليبي المؤقت، ولا أعضاء حكومته.

ورد الوسيط الليبي علي الصلابي على هذه الانتقادات بتسريب المذكرة التي سيناقشها اليوم أعضاء المجلس الانتقالي، التي تتضمن 16 بندا تتعلق بالمصالحة الوطنية وتجريم حمل السلاح ضد الدولة الليبية.

وتعليقا على الجدل المثار حاليا في الشارع الليبي بشأن إمكانية توجيه مذكرة استدعاء للمستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، لسماع أقواله فيما هو موجه ضده على خلفية قضية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي.

في غضون ذلك، نفى المدعي العام العسكري العميد مسعود رحومة إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس المجلس الانتقالي، المستشار عبد الجليل، على خلفية التحقيقات الجارية في قضية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس الرئيس السابق لأركان الجيش الليبي.

واعتبر العميد رحومة أن ما تناقلته تلك الوسائل لا يعدو كونه أخبارا ملفقة وغير صحيحة، مؤكدا أن الادعاء العسكري لم يصدر مثل تلك المذكرة نهائيا.

كما قال الحريزي، الناطق باسم المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الكلام بعيد جدا ومن حق المحكمة أن تستدعيه (عبد الجليل) لأخذ أقواله، لكن لديه حصانة، ومع ذلك إذا تم استدعاؤه، سيمثل أمامها ولن يخالف بالتأكيد».

وزعم شهود ومصادر أن قاتل يونس تلقى أوامره من مسؤول في المجلس الانتقالي، بعدما تأكد المجلس من أن الفقيد كان على اتصالات بالعقيد الراحل القذافي، لكن هذه الاتهامات لم تثبت صحتها حتى الآن، بينما ما زالت المحاكمة مستمرة في القضية التي شغلت الرأي العام الليبي منذ مقتل يونس في شهر يوليو (تموز) الماضي.

من جهة أخرى، أكد عمر الخدراوي، وكيل وزارة الداخلية الليبية ورئيس لجنة تأمين الانتخابات، أن خطة تأمين انتخابات المؤتمر الوطني العام والإجراءات الأمنية اللازمة بشأنها تسير على أكمل وجه، معتبرا أن المجتمع الليبي الذي يستعد لخوض أول تجربة انتخابات لم تشهدها البلاد منذ خمسة عقود من الزمن أظهر أنه أكثر وعيا بأهمية هذه الانتخابات الديمقراطية من خلال النسب العالية التي سجلت بمراكز التسجيل في كامل البلاد.

وطبقا لمصادر ليبية، فقد استعرض الخدراوي لدى لقائه أمس مع مديري الإدارات العامة ورؤساء الأجهزة المختصة بوزارة الداخلية في طرابلس، إجراءات تطبيق الخطة الشاملة التي وضعت بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا في تأمين الدوائر الانتخابية وحماية الناخبين والمرشحين والمراقبين ومراكز الاقتراع.

وتعهد المجلس الانتقالي، أمس، مجددا بإجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام في موعدها في التاسع عشر من الشهر الحالي، دون أي تأخير أو تأجيل.