بغداد: انتحاري يقتل ويصيب العشرات في هجوم يستهدف الوقف الشيعي

شخصيات سنية تستنكر «العمل الجبان».. ودعوات إلى «وأد الفتنة»

إطفائيون وعمال إنقاذ وسط أنقاض خلّفها هجوم انتحاري استهدف مكاتب للوقف الشيعي في بغداد أمس (أ.ب)
TT

قتل 22 شخصا على الأقل وأصيب العشرات بجروح في هجوم انتحاري استهدف مقر الوقف الشيعي في بغداد أمس، ما أثار مخاوف وتحذيرات من إمكانية انزلاق البلاد مجددا نحو العنف الطائفي. ودعا الوقف الشيعي عقب الهجوم أبناء الطائفة إلى «وأد الفتنة» لتجنب اندلاع «حرب أهلية» في العراق، رافضا اتهام جهة محددة، بينما سارع ديوان الوقف السني إلى إدانة العملية «الجبانة والمتطرفة».

وقال مصدر في وزارة الداخلية لوكالة الصحافة الفرنسية إن «انتحاريا يقود سيارة مفخخة فجّر نفسه أمام مقر الوقف الشيعي في منطقة باب المعظم» عند نحو الساعة 11,00. وذكر مصدر طبي رسمي أن «22 شخصا قتلوا في الهجوم وأصيب أكثر من 65 بجروح». وتحدث مصدر طبي آخر عن مقتل أكثر من 22 شخصا في الانفجار الذي دمر بالكامل مبنى الوقف في منطقة باب المعظم وسط بغداد.

وأغلقت القوى الأمنية مكان الهجوم ومواقع قريبة منه، بينما عملت فرق الدفاع المدني على انتشال جثث الضحايا ونقل عشرات الجرحى إلى سيارات الإسعاف.

وتدفق إلى المكان أقرباء الضحايا وهم يبكون ويصرخون. وتقدم من بينهم شخص ونزع نظارته الطبية ورماها على الأرض وهو ينتحب ويقول بصوت عالٍ: «كلهم ماتوا، كلهم ماتوا». وقال صاحب مطعم يقع مقابل المقر ويدعى محمد لوكالة الصحافة الفرنسية: «كانت سيارة من نوع (جي إم سي) بيضاء يقودها شخص بسرعة قبل أن يصطدم ببوابة المقر ويفجّر نفسه لأجد بعدها أن اثنين من عمالي قتلا على الفور».

وأضاف محمد الذي كانت الدماء والجروح والضمادات تغطي الجزء العلوي المكشوف من جسده: «تعالوا وانظروا إلى البيوت التي تهدمت على رؤوس الأطفال. أخرجت أطفالا بيدي من تحت الأنقاض». وقال وهو يبكي ويصرخ إن «المالكي وعلاوي يتصارعان على الحكومة، ونحن الضحايا»، في إشارة إلى رئيس الوزراء نوري المالكي وخصمه السياسي الأبرز إياد علاوي والأزمة السياسية التي تشل البلاد منذ ستة أشهر.

وجاء هجوم أمس بعدما أثار قرار الوقف الشيعي بتملك أوقاف مدينة سامراء (110 كلم شمال بغداد)، لا سيما مرقد الإمامين العسكريين الذي تعرض للتفجير عام 2006، ما دفع البلاد نحو حرب طائفية دامية، استياء قيادات سنية. وقال نائب رئيس الوقف الشيعي الشيخ سامي المسعودي لوكالة الصحافة الفرنسية: «تلقينا تهديدات بعدما سجلنا مرقد الإمامين العسكريين باسم الوقف الشيعي، علما بأن هذه القضية التي أتممناها قبل خمسة أيام قانونية ودستورية كون مرقد الإمامين مرقدا شيعيا». وأضاف: «نحن لا نتهم أحدا، وندعو الشارع العراقي، وخصوصا أبناء الطائفة، إلى وأد الفتنة لأن هناك مخططا لإشعال حرب أهلية بين أبناء الشعب، وهناك قوى تريد أن تفرق بين المذاهب في العراق».

في موازاة ذلك، قال المتحدث باسم الوقف السني فارس المهداوي إن «هذه العمليات الجبانة والمتطرفة تحاول أن تبث الفرقة، وهناك جهات تحاول أن تقوم بأعمال مماثلة لخلق الفتنة، لكننا لن نسمح لهم بتحقيق أحلامهم». وتحدث عن «أيادٍ قذرة تحاول أن تعيد البلاد إلى الوراء»، في إشارة إلى أعمال العنف الطائفي بين السنّة والشيعة التي بلغت ذروتها في عامي 2006 و2007 وقتل فيها الآلاف. وذكر المتحدث أن «هناك جهات تحاول أن تدق إسفينا بين الوقفين، علما بأن الخلافات بينهما ليست سوى خلافات إدارية».

وردا على سؤال حول إمكانية أن يكون هجوم اليوم على علاقة بقضية مرقد الإمامين العسكريين، قال: «هذا موضوع مختلف»، مضيفا: «رحمة الله على الشهداء الذين سقطوا اليوم». وأعلن المهداوي أن مقر الوقف السني في شمال بغداد استهدف «بقذيفة أو قذيفتين» عقب الهجوم على مقر الوقف الشيعي. وأكد مصدر أمني أن «عبوة انفجرت بالقرب من مقر الوقف السني».

وحذر قادة سياسيون وأحزاب من إمكانية الانزلاق نحو مواجهات طائفية بعد الهجوم الذي لم تتبنَّهُ أي جهة. واعتبر حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء في بيان أن الهجوم يستهدف «جر العراق إلى صراعات طائفية».

من جهته أكد رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في البرلمان العراقي والقيادي في حزب الدعوة علي العلاق في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم القاعدة استغل بنجاح هذه المرة الأزمة السياسية الحالية التي لم يحاول البعض أن يبقيها في سياقها السياسي الطبيعي.

وإنما لجأ إلى شتى أشكال التصعيد الإعلامي دون حساب للنتائج المتوقعة، التي يدفع ثمنها دائما الشارع العراقي». وأوضح العلاق الذي يترأس أيضا كتلة حزب الدعوة في البرلمان العراقي: «إننا كنا دائما نحذر من مغبة الانجرار خلف المهاترات والتصعيد الإعلامي، لا سيما أن الملفات السياسية لا يمكن أن تعالج بطريقة التصعيد». وردا على سؤال بشأن النتائج المحتملة لذلك قال العلاق: «إننا أكبر من مثل هذه الأمور، ولن ننجر إلى الفتنة لأن عدونا يريدنا أن ننجر إلى مثل هذه الفتنة، ولكننا في الوقت نفسه ندعو السياسيين والكتل السياسية إلى عدم منح العدو مثل هذه الفرص السانحة للصيد في المياه العكرة».

إلى ذلك، رأى رئيس مجلس النواب والقيادي في القائمة العراقية أسامة النجيفي أن «هذه الأفعال الإجرامية البشعة وغير الأخلاقية (...) تهدف إلى خلق الفتنة». بدوره أكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية والقيادي في القائمة العراقية حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مثل هذه الأفعال والأعمال الإجرامية هي جزء مما يتحمله السياسيون بسبب ألاعيبهم وممارساتهم الخاطئة». وأضاف المطلك أن «الخروقات الأمنية ستظل مستمرة مهما عملنا ما دام رجالات السياسة عندنا لا هَمّ لهم سوى مصالحهم وليس الكيفية التي يمكن من خلالها بناء دولة حقيقية».

من ناحيتها اتهمت جماعة علماء العراق التي تضم مئات الشخصيات الدينية السنية «عصابة القاعدة» بالوقوف خلف الهجوم بعدما رأت أنها «استغلت الظروف السياسية الحالية (...) ودخلت على خط الخلاف الحاصل بين الوقفين».