ثورة يناير.. أصل وصورة

مظاهرات بميدان التحرير تدعو لاستنساخها

TT

«الشعب المصري في الميدان.. إيد واحدة زي زمان»، شعار يردده الشاب الثلاثيني أحمد يسري، مع زملاء له في «ميدان التحرير» منذ السبت الماضي، بعد أن عادوا إليه مرة أخرى لاستكمال ثورتهم، بعد شعورهم بضياعها في أعقاب ما آلت إليه «محاكمة القرن» بتبرئة نجلي الرئيس السابق مبارك وستة من قيادات الشرطة.

وفي الوقت الذي يكافح فيه المتظاهرون لاستعادة ماضيهم الثوري، وتقليل الفجوة مع الشارع الذي أتى بنتيجة غير متوقعة في الانتخابات الرئاسية عندما قدم مرشحين بعيدين عن الثورة؛ يشكل الشعور بضرورة «استنساخ الثورة» جزءا كبيرا من المشاعر التي تغمر المتظاهرين بالميدان أو المحافظات المصرية. لكن على العكس هناك من يرى أن حالة الاستنساخ هذه صعبة، كون اللحظات الفارقة في تاريخ الشعوب لا تستنسخ.

فمقابل ما يطالب به المتظاهرون بإعادة محاكمة الرئيس السابق ونجليه أمام محاكم ثورية، وتطبيق قانون العزل السياسي، وإلغاء الانتخابات الرئاسية، وتشكيل فريق رئاسي مدني، وتطهير القضاء وإقالة النائب العام؛ يظهر تيار آخر يؤمن بصعوبة استنساخ الثورة، لأن التاريخ لا يعيد نفسه في ظل التصارع على السلطة، والأنانية السياسية، والحياة المضطربة بالبلاد منذ يناير (كانون الثاني) العام الماضي.

يقول أحمد: «الثورة يخططها العقلاء، وينفذها الشجعان، ويستفيد منها الانتهازيون، لهذا جئت إلى الميدان منذ السبت الماضي لاستعادة أصل ثورتي، وروح التظاهر، التي غابت عنا طيلة الأشهر الماضية، ما جعلنا نصل إلى هذه الحالة، فجمال مبارك الذي خرجنا لأجل عدم توريثه الحكم خرج دون أحكام، ورئيس وزراء مبارك أحمد شفيق على بعد خطوات من التتويج بالمنصب، فعلينا الآن أن نستنسخ صورة جديدة من الثورة».

لكن الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، يرى أن استنساخ الثورة فكرة غير ممكنة، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الثورة ليست عملا مخططا، فلا يجتمع أشخاص ويقولون إننا سنقوم بثورة إلا لو كان ذلك انقلابا عسكريا، فالثورة عملية لها مخاض طويل يتفاعل في المجتمع لفترة من الزمن في ضوء ما يعانيه هذا المجتمع، فيكون هناك حراك سياسي ضد الظلم، وبالتالي لا يمكن أن نستنسخ الثورة».

ويدعم رؤيته بسبب آخر قائلا: «من الصعب جدا أن تستعيد الثورة المصرية زخمها مرة أخرى، فأي مليونية حاليا لا تشبه فترة زخم الثورة الأولى، فالظلم انقشع وتخلص المجتمع من خوفه وتردده، وبالتالي لا يستطيع أحد إعادة حشد الزخم مرة أخرى أو استنساخه».

وارتبطت فكرة «استنساخ» الثورة المصرية منذ قيامها وحتى الوقت الراهن داخليا وخارجيا، فالثورة وقت قيامها وصفها محللون بأنها استنساخ للثورة التونسية، وكيف استنسخ بعض المصريين فكرة إشعال النار في أنفسهم قبيل الثورة مثل ما قام به الشاب التونسي محمد بوعزيزي.

ومع توهج الثورة، لم يتوقف حد الإشادة والإعجاب بها من قادة وشعوب العالم، بل امتد تأثيرها عندما استنسخت روحها وشعاراتها دول بالمنطقة العربية وكذلك العالم، وهو ما عكسته موجة التظاهر في إنجلترا واليونان وإسرائيل، والأخيرة كانت دعوة المتظاهرين فيها صريحة باستنساخ الثورة المصرية. وقبل أشهر قليلة، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما الإيرانيين إلى تنظيم احتجاجات سلمية مماثلة لتلك التي أسقطت نظام الرئيس المصري حسني مبارك، قائلا: «الشيء الصحيح الذي تم في مصر يجب أن يحدث أيضا في إيران».

في الداخل، وعلى الساحة السياسية المصرية ومع قرب جولة حسم الانتخابات الرئاسية، تظهر أيضا فكرة الاستنساخ، فوصول المرشح أحمد شفيق لجولة الإعادة يراه الشارع ومراقبون استنساخا لنظام حسني مبارك. وهو ما يراه الكاتب روبرت فيسك، عندما كتب في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية: «حكم شفيق سيكون نسخة أكثر شراسة من دولة بوليسية مما كانت عليه في عهد مبارك».

في الميدان، تلخص الطالبة الجامعية ندى محمود، شعور كثير من المصريين بقولها: «وصول أحمد شفيق لسدة الحكم هو استنساخ لفرعون جديد، لقد صرح على الشاشات بأن مثله الأعلى حسني مبارك»، لافتة إلى أنها لبت الدعوة لمليونية «العدالة» أمس بميدان التحرير لتطبيق قانون العزل لمنع شفيق من الوصول للحكم. وهي المليونية التي كان أبرز المشاركين فيها المرشح الرئاسي الخاسر حمدين صباحي، الذي يعتبره أنصاره استنساخا للرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.