متاهة السياسة تنسي المصريين «بعبع» الثانوية العامة

الطلاب يذاكرون في التحرير والمتظاهرون يدعونهم لترك الميدان استعدادا للامتحانات

TT

وسط هموم اجتماعية ضاغطة، ومشهد سياسي متقلب ومضطرب ينطلق غدا (السبت) ماراثون امتحانات الثانوية العامة في مصر، والذي يضع مستقبل الآلاف من الطلاب على المحك.

اللافت أن معضلة الثانوية العامة تراجعت هذا العام، وأصبحت أمرا عاديا على أجندة المصريين بعد أن كانت تحرق دمهم وتحبس أنفاسهم انتظارا لما تسفر عنه من نتائج. وتناست أغلب الأسر المصرية «بعبع» الثانوية العامة (شهادة إتمام الدراسة الأساسية المؤهلة لدخول الجامعات) الذي كان يطرق الأبواب في مثل هذه الأيام، رافعا حالة الطوارئ في البيوت إلى الدرجة القصوى، حيث يبدأ الطلاب معسكرا مغلقا للمذاكرة استعدادا لأداء الامتحانات التي تعتبر عنق الزجاجة في حياتهم، وتقوم أسرهم بتسخير كل إمكانياتها وجهودها من أجل أن يتفوق أبناؤهم في تلك الامتحانات ليتمكنوا من الالتحاق بكليات مرموقة يطلق عليها المصريون «كليات القمة».

هذا الهم المؤرق انزلق إلى مؤخرة اهتمامات الأسر المصرية بسبب المشهد السياسي الراهن والساخن والجدل الذي تسببت فيه الانتخابات الرئاسية التي تتزامن جولة الإعادة فيها مع الامتحانات. وتخشى كثير من الأسر أن تنعكس أجواء هذه الجولة الحاسمة، والصراع المحموم على كرسي الرئاسة بين مرشحين لدودين على سير امتحانات الثانوية العامة، فضلا عن إمكانية إلغاء الامتحانات إذا عمت المظاهرات وأعمال العنف والشغب البلاد، عقب إعلان نتيجة صراع الرئاسة.

في غبار هذا المشهد لم يدرك كثير من المصريين أن الثانوية العامة على الأبواب إلا عندما عقد الدكتور جمال العربي، وزير التربية والتعليم المصري، مؤتمرا صحافيا قبل يومين أكد فيه إجراء الامتحانات في موعدها، حيث ستبدأ بعد غد (السبت) المرحلة الأولى و(الأحد) المرحلة الثانية، وأشار إلى أن الامتحانات ستتوقف طوال أسبوع جولة الإعادة من الانتخابات المقرر لها يوما 16 و17 يونيو (حزيران) الحالي حتى إعلان النتيجة الرسمية لجولة الإعادة يوم 21 يونيو من نفس الشهر، محذرا من أن أي أعمال شغب قد تتسبب في وقف الامتحانات.

هذا المشهد انعكس بقوة على ميرام عمرو الطالبة بالثانوية العامة، قائلة: «فقدت الرغبة في المذاكرة بسبب ما يحدث في البلد، نفسي انسدت عن المذاكرة والامتحانات»، مضيفة: «كيف نذاكر في هذا الكم من التوتر والترقب لما سيحدث في ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة، وغيرها من المحافظات؟».

وقالت ميرام: «أخشى أن تحدث أعمال شغب من أي نوع فتلغى الانتخابات وتضيع سنة من عمري هباء».

أما شريف سيد، وهو طالب في الصف الثالث الثانوي، فيقول: «ظللت في الميدان حتى الأسبوع الماضي، وأسرتي منعتني من النزول هذا الأسبوع لاقتراب موعد الامتحانات».

ويضيف شريف: «أذاكر في بيتي؛ ولكن قلبي مع زملائي في الميدان، ولو كان الأمر بيدي ما تركتهم».

ودشن مجموعة طلاب في الثانوية العامة مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) تحت شعار (المذاكرة لا تقل أهمية عن الميدان) دعوا فيها الطلاب إلى ترك الميدان والتوجه إلى منازلهم للمذاكرة والاستعداد للامتحان، لأن دورهم في تحديد مستقبلهم لا يقل أهمية عن دور المتظاهرين في الميدان.

وأصبح مألوفا في ميدان التحرير مشاهدة عدد من الطلاب يجلسون في حلقات بأحد أركان الميدان يمسكون كتبهم لاستذكار دروسهم استعدادا لامتحانات الثانوية العامة. ويقول مروان خالد، أحد هؤلاء من ميدان التحرير: «لا تعارض بين التظاهر والمذاكرة.. فنحن نذاكر لنرسم مستقبلا أفضل ونتظاهر من أجل الهدف ذاته».

ويضيف: «نقسم أوقاتنا بين المذاكرة والتظاهر، وكل من حولنا في الميدان يساعدوننا فنجد من يجلب لنا الطعام والشراب، وآخرون يأتون لنا بمظلات تقينا حر الشمس، بينما يدعو لنا بالتوفيق كل من يمر بجانبنا».