جلسة ساخنة في الأمم المتحدة حول اللجوء للفصل السابع ووضع إطار زمني لخطة أنان

المبعوث الدولي يعترف بأن خطته لم تنفذ.. ويطالب بدراسة الخيارات المتاحة لتفادي الأسوأ

نبيل العربي أثناء حديثه أمس في الأمم المتحدة (أ.ب)
TT

شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس جلسة ساخنة حذر فيها المشاركون من تداعيات الوضع في الأزمة السورية واقتراب شبح الحرب الأهلية، وانتشارها إلى الدول المجاورة إذا لم يقم المجتمع الدولي بالبحث عن حلول لإجبار النظام السوري على تنفيذ تعهداته في إطار خطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان ذات النقاط الست. وشددت خطابات مندوبي الدول المختلفة على دعوة مجلس الأمن لاتخاذ التدبير اللازمة لحماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن المجازر والجرائم الإنسانية، ومناقشة اللجوء إلى استخدام الفصل السابع في مجلس الأمن، مع رفض عسكرة الأزمة والتدخل العسكري الخارجي.

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى استمرار تدهور الأزمة في سوريا مع استمرار الاعتداءات ضد المدنيين وأعمال القتل والإعدام الجماعي، وقال: «على مدى الأشهر الماضية هناك دلائل على أن الأسد فقط كل الشرعية، ومجزرة الحولة أثبتت أن أي نظام يقوم بقتل النساء والرجال والأطفال هو نظام فقد إنسانيته»، مشيرا إلى مجزرة القبير في ريف حماه مطالبا بمحاسبة المسؤولين.

وشدد مون على أن الحكومة السورية لم تلتزم بالوفاء بالتزاماتها، وطالب الأسرة الدولية بتوحيد صوتها، وقال: «أولويتنا هي حماية الشعب السوري ووقف العنف وتقديم المساعدات الإنسانية، وتقديم حلول سياسية تلبي مطالب الشعب السوري وخطة كوفي أنان هي حجر الأساس هنا». وأضاف «سوريا تعيش الآن في مفترق طرق، ونستطيع أن نتفادى سقوط سوريا والمنطقة في حرب أهلية، وأحث الحكومة السورية على تنفيذ خطة أنان والسماح للمراقبين بالقيام بعملهم دون ترهيب». وحذر مون من تداعيات تفاقم الأزمة السورية، وقال «يجب أن نستعد لكل الاحتمالات لأنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ كيف ستؤول الأوضاع في سوريا». وأثنى على الجهود التي يقوم بها المراقبون في سوريا، وقال إنهم «يعملون في أشد الظروف خطورة وصعوبة، وهم شهود عيان على المذابح التي ترتكب». واعترف المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان بأن خطته لم يتم تنفيذها، وقال: «اليوم على الرغم من قبول خطة من ست نقاط، ونشر المراقبين فإنني يجب أن أكون صريحا وأؤكد أن الخطة لم يتم تنفيذها». وأدان أنان المذبحة التي تمت في قرية القبير، وقال «لا يمكننا السماح للقتل الجماعي ليصبح جزءا من واقع الحياة اليومية في سوريا».

وأضاف أنان: «التقيت الأسد في دمشق وقلت له إن الخطة لا يتم تنفيذها كما يجب، وشجعته على اتخاذ خطوات جريئة لإحداث تغيير جذري في وضعه العسكري، وتنفيذ خطة من ست نقاط، وألححت عليه لاتخاذ قرار استراتيجي لتغيير مساره، وأن تعمل حكومته مع جهود الوساطة التي أقوم بها نيابة عن المنظمات التي أمثلها». وأوضح أنان أن الأسد يعتقد أن العقبة الرئيسية «هي أعمال الميليشيات»، وقال: «يجب على جميع الأطراف وقف العنف، لكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة»، وأوضح أن الحكومة السورية قامت بالإفراج عن بعض المعتقلين وسمحت ببعض المساعدات، لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير.

وأضاف أنان «إن جماعات المعارضة المسلحة لا ترى سببا لاحترام وقف إطلاق النار وكثفت هجماتها، والوضع أصبح أكثر تعقيدا بعد سلسلة من التفجيرات وبعضها يدل على وجود طرف ثالث، وإذا لم تتغير الأمور فمن المرجح استمرار القمع الوحشي والمجازر والعنف الطائفي واندلاع حرب أهلية، وسوف يخسر جميع السوريين».

وشدد على أن الوقت حان لتحديد ما يمكن القيام به لتنفيذ الخطة ومناقشة الخيارات الأخرى لمعالجة الأزمة والتحرك بسرعة، وقال: «لا يمكن للعملية أن تكون مفتوحة.. كلما طال انتظارنا أصبح من الصعب التوصل إلى تسوية سياسية، وعلى المجتمع الدولي أن يتحد وأن يكون واضحا لأن هناك عواقب إذا لم يتم الامتثال لتنفيذ الخطة، ويحب أن نتحد وراء عملية واحدة والتحدث بصوت واحد، وأعتقد أنه ما زال من الممكن تجنب الأسوأ وتمكين سوريا من الخروج من هذه الأزمة».

وأوضح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الإجراءات التي قامت بها الجامعة خلال الفترة الماضية لوقف العنف والخروج من الأزمة وتوفير حل سياسي سلمي يلبي تطلعات الشعب السوري للحرية والديمقراطية. وأشار العربي إلى العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا من مقاطعة دبلوماسية واقتصادية، وإيفاد فريق من المراقبين، مضيفا أن كل الجهود لم تفلح في وقف أعمال العنف.

واستنكر العربي رفض دمشق لاستقبال ناصر القدوة مندوب أنان. كما دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن لاتخاذ تدابير لضمان تنفيذ خطة أنان في إطار زمني محدد عبر اللجوء إلى أحكام الفصل السابع، ووقف المواصلات البحرية والجوية والسلكية وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية، والقيام بتدابير لحماية المدنيين وفرض الوقف الكامل والشامل لأعمال العنف ومنح المراقبين كافة الصلاحيات لتمكينهم من حماية المدنيين.

وشدد العربي على أن الجامعة العربية لا تدعو مجلس الأمن لاستخدام القوة أو اللجوء للخيار العسكري، لكنها تطالب باستخدام كافة وسائل الضغط السياسية والتجارية وفق المادتين 40 و41. وقال: «المسؤولية السياسية والإنسانية على الدول الأعضاء تفرض اتخاذ موقف حاسم لفرض تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها بوقف العنف الذي لا يمكن السكوت عنه، والذي سيكون له تداعيات على المنطقة تنذر باتساع دائرة الصراع بما يهدد الأمن والسلم للمنطقة والمجتمع الدولي».

وأشار العربي إلى جهود الجامعة العربية لتوحيد المعارضة السورية والتجاوب لعقد اجتماع في القاهرة خلال الأسابيع المقبلة. واختتم خطابة قائلا «غير مقبول سياسيا وإنسانيا أن يخذل المجتمع الدولي الشعب السوري في محنته وأن مصداقية الأمم المتحدة على المحك».

من جانبه، حث رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ناصر عبد العزيز النصر جميع الدول الأعضاء على التعاون مع أنان وإقناع الحكومة السورية وكافة الأطراف بوقف العنف بجميع أشكاله، محذرا من التأخر ومن فقد منظمة الأمم المتحدة لمصداقيتها. وقال: «يتعين علينا أن نجد وسيلة لإنهاء العنف والأزمة الإنسانية وتسهيل عملية التوصل لحل سياسي سلمي شامل بقيادة سوريا، نحن بحاجة إلى إجراء نقاش صريح معني بتحقيق منجزات فعلية بشأن سوريا، ويجب أن نتحرك على وجه السرعة فحياة عشرات الآلاف من السوريين واستقرار المنطقة أصبح على المحك، وأيضا مصداقية هذه المنظمة».

وأشار النصر إلى مقتل وجرح المئات في منطقة الحولة وتعرض المدنيين للقتل المتعمد ولانتهاكات شديدة من عناصر موالية للنظام وقيام المدفعية والدبابات التابعة للحكومة بقصف أحياء سكنية، مؤكدا أن العنف في سوريا لا يزال مستمرا وأن المجتمع الدولي لا يمكن أن ينكر أن ضحايا أبرياء يموتون يوميا. وقال إن «هذه الجرائم تستلزم تحقيقا دوليا يتسم بالشفافية والاستقلالية والحيادية وضرورة محاسبة المسؤولين عن ارتكابها». وأبدى تطلعه إلى الوقوف على نتائج التحقيق الذي أعلنت الحكومة السورية عن إجرائه.

ووجه النصر تحية لشجاعة وتفاني مراقبي البعثة الأممية في سوريا، مشددا على ضرورة أن يكون ضمان سلامة المراقبين وأمنهم أولوية قصوى. كما حذر من أن «الاستجابة للأزمة في سوريا لا ينبغي أن تخضع للتسييس، بل هي أزمة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وهو من صميم مسؤولية هذه المنظمة».

وأنكر مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري مسؤولية الحكومة السورية عن المجزرة، مشيرا إلى أن ما نشر من صور في قنوات «الجزيرة» و«العربية» و«بي بي سي» ليست صورا للضحايا، وأن أهالي القرية استغاثوا بقوات حفظ النظام لنجدتهم من مسلحين قدموا من قرية تدعي جريجيتش. وقال الجعفري إن «ما يجري من مجزرة بشعة غير قابلة للتبرير والتشخيص لهذه المجازر غير سليم لأنه يستند لغرف عمليات إعلامية لا علاقة لها بما يجري»، وشدد الجعفري على أن دماء السوريين من مدنيين وعسكريين بمن في ذلك من يحمل السلاح والمعارضة الداخلية والخارجية هي دماء غالية.

وأعلن الجعفري أن الحكومة السورية لم تدخر جهدا لوقف إهدار الدماء وتنفيذ الجزء الخاص بها في خطة أنان، وقدمت كل المساعدة له ولفريقه، وقال: «أعلن اليوم مجددا أن سوريا مستعدة لتقديم أقصى ما تستطيع لإنجاح مهمة أنان وأبواب سوريا مفتوحة لكل من يريد حوارا وطنيا جادا ولكل من يحرص على استقلالية وأمن ووحدة أراضي سوريا». وأشار إلى أن مشكلة سوريا ليست مع المعارضة الداخلية، وإنما مع من يتاجر بوطنية المعارضة والدم السوري، مشيرا إلى تهريب الأسلحة من ليبيا إلى الجماعات المسلحة في سوريا عبر لبنان، والي تشكيل جبهة ثوار سوريا تحت شعار المعركة لتحرير سوريا عبر السلاح.

وهاجم الجعفري القول إن أعمال العنف هي رد فعل ودفاع عن النفس، واعتبرها تبريرا للقيام بأعمال إرهابية وتبرير تقديم الدول الأسلحة للجماعات التي تستهدف المباني الحكومية والمصافي والقطارات والمستشفيات والمدارس. كما هاجم الجعفري قيام نبيل العربي بتحميل الحكومة السورية مسؤولية مجزرة الحولة قبل انتهاء التحقيقات، وأعلن استعداد حكومته لاستقبال لجنة تحقيق من دولة معروف بحيادتها ورفضها للتدخل في الشؤون السورية. واستنكر عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا رغم إعلان فاليري أموس أن المساهمات وصلت إلى 118 مليون دولار للمساعدات الإنسانية لسوريا.

وشدد المتحدث باسم المجموعة العربية على أهمية الحل العربي للأزمة في سوريا ورفض استخدام العنف ضد المدنيين ورفض التدخل الأجنبي وضرورة التنفيذ الكامل لخطة أنان باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتحقيق تطلعات الشعب السوري. وقال إن الاستخدام المفرط للقوة هو انتهاك للقانون الدولي، وطالب بتحديد إطار زمني لتنفيذ الخطة وإلزام الحكومة السورية بوقف كافة أشكال العنف والضغط على المعارضة لتوحيد صفوفها، مؤكدا أن الوضع لا يحتمل الصمت أو الانتظار. وكان ناصر بن عبد العزيز النصر قد دعا إلى هذا عقد اجتماعا للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الوضع في سوريا، وعقد اجتماعا مغلقا مع كل من بان كي مون ونبيل العربي وكوفي أنان، والأمين العام المساعد لحقوق الإنسان إيفان سيمونوفيتش قبل بداية الجلسة المفتوحة لتقديم إحاطة والاتفاق على الخطوات المقبلة.