الهدوء يعم مليونية «الإصرار» في ميدان التحرير

بعد تسريبات الدستورية باحتمال استبعاد شفيق.. وحل أزمة «تأسيسية» الدستور

جانب من المظاهرات التي شهدها ميدان التحرير أمس في «جمعة الإصرار» (رويترز)
TT

تراجع الزخم الشعبي في مصر نسبيا أمس، ولم تفلح دعوة جمعة الإصرار في حشد مظاهرة مليونية للضغط من أجل استبعاد المرشح أحمد شفيق الذي يخوض جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها منتصف الشهر الحالي. وفضلت جماعة الإخوان المسلمين التي تملك قدرات تنظيمية عالية الاكتفاء بتمثيل محدود، ولم تدفع بأنصارها بكثافة إلى ميدان التحرير.

وقال مراقبون إن عوامل عديدة ساهمت في تراجع نسبة المشاركة في الدعوة المليونية، منها تأثير الطقس الحار، بالإضافة إلى نجاح القوى السياسية في التوافق حول تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والتسريبات التي خرجت من المحكمة الدستورية العليا بشأن إمكانية تطبيق تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية المعروف إعلاميا بـ«قانون العزل» ضد الفريق شفيق، وهو ما يترتب عليه استبعاده من سباق الرئاسة.

وتظاهر في ميدان التحرير أمس عشرات الألوف مطالبين بتطبيق قانون العزل وإعادة محاكمة رموز النظام السابق، وجابت شوارع القاهرة مسيرات انطلقت من عدة مساجد، واتجهت إلى ميدان التحرير، وشهد الميدان تزايدا في أعداد المتظاهرين مع غروب الشمس.

ونظمت أمس لجنة من نقابة المحامين برئاسة المستشار محمد الدماطي محكمة شعبية رمزية للرئيس السابق حسني مبارك. وهتف المتظاهرون عقب صعود أعضاء اللجنة إلى المنصة بـ«تطهير القضاء»، وطالبوا بإعدام مبارك في ميدان التحرير على مرأى ومسمع من الجميع ووجهت المحكمة الشعبية عدة اتهامات ضد مبارك ورموز نظامه، منها قتل المتظاهرين، وإهدار المال العام.

وبدا لافتا حدوث اشتباكات طفيفة خلال مسيرة نظمتها حركة شباب 6 أبريل انطلقت من حي شبرا (غرب القاهرة) إلى ميدان التحرير أمس، بسبب هتافات معادية لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، واعترض المتظاهرون على ترديد مثل هذه الشعارات، قائلين إنها تشق الصف قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها مرشح الإخوان، الفريق شفيق المحسوب على النظام السابق.

وفي خطبته التي ألقاها أمس بميدان التحرير وجه الشيخ مظهر شاهين الملقب بخطيب الثورة انتقاداته إلى الجميع، معترفا بخطأ التصويت بنعم على التعديلات الدستورية التي وافق عليها المصريون في استفتاء العام الماضي، وقال شاهين إن «التصويت بنعم على التعديلات الدستورية والموافقة على المادة 28 (وهي مادة تحصن قرارات اللجنة المشرفة على الانتخابات من الطعن عليها)، كان خطأ».

وطالب شاهين بتفعيل العزل وإعادة محاكمات مبارك ووزير داخليته وكبار مساعديه، وتقديم أدلة جديدة في القضية التي صدر حكم فيها قبل نحو أسبوع، بإدانة مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي، وبراءة مساعدي الوزير.

وفي الإسكندرية انطلقت مسيرات احتجاجية استجابة لدعوة مليونية الإصرار لإعلان رفض الأحكام التي وصفوها بـ«المخففة» في حق رموز النظام السابق. واتخذ المحتجون مسجد القائد إبراهيم (أكبر مساجد المدينة والذي يقع بوسط البلد بمنطقة محطة الرمل) وكذا من كنيسة القديسين شرق المدينة بمنطقة سيدي بشر، (وهي الكنيسة التي كانت قد شهدت تفجيرا إرهابيا مطلع عام 2011 وقبل ثورة 25 يناير بأيام)، نقطتي انطلاق للمسيرات، حيث قامت الحركات الثورية والشبابية والقوى المدنية بالتوجه إلى مقر نادي قضاة الإسكندرية مرورا بشوارع شرق الإسكندرية الرئيسية رافعين لافتات تطالب بالقصاص العادل من رموز النظام السابق، كما رفعوا لافتات كبيرة علقوا عليها صور الشهداء.

وقال مصطفى العطار المتحدث باسم حركة شباب 6 أبريل بالإسكندرية إن القوى المدنية أرادت إحياء روح ثورة25 يناير بالانطلاق من ذات المكان الذي انطلقت منه مسيرات الثورة قبل عام ونصف العام، مضيفا أن المسيرة توجهت إلى نادي القضاة بهدف توصيل رسالة للجميع أن الثوار مصممون على مطلب تطهير القضاء وإقالة النائب العام.

ومن أمام مسجد القائد إبراهيم انطلقت مسيرات إخوانية سلفية حاشدة رددت هتافات «إسلامية إسلامية» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله»، و«الشعب يريد تطهير القضاء»، حيث توجهت المسيرات إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية وقامت جماعة الإخوان بتثبيت منصة بمنطقة سيدي جابر وعلى بعد أمتار قليلة من مقر المنطقة الشمالية العسكرية.

واشتبك المتظاهرون أمام المنطقة الشمالية العسكرية مع مجهولين حاولوا الاعتداء عليهم أثناء تظاهرهم وقاموا بتحطيم مكبرات الصوت التي استخدمها المتظاهرون، بينما أصيب العشرات جراء تبادل إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة.

يأتي ذلك عقب يوم واحد من توافق القوى السياسية على تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد. وتوافقت القوى السياسية أول من أمس في اجتماعها بالمشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري حول معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، التي تضم مائة عضو.

وأعلن الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد، في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس المعايير التي تم التوافق بشأنها، بالإضافة إلى آلية التصويت، حيث تقرر أن يجري التصويت على مواد الدستور بالإجماع أولا، وإذا لم يحدث فبالتصويت بموافقة 67 عضوا، وفي حالة الخلاف يتم إرجاء التصويت لمدة 48 ساعة ويقر بعدها نص المادة مثار الخلاف بنسبة 57 عضوا.

وكانت البلاد قد دخلت في أزمة عميقة بعد أن هيمنت القوى الإسلامية صاحبة الأكثرية في البرلمان على الجمعية التأسيسية التي تشكلت قبل نحو شهرين. ونجحت القوى المدنية في الحصول على حكم قضائي ببطلان تشكيلها، وإن استمرت الأزمة مع إصرار الفرقاء على عدم تقديم تنازلات في هذا الشأن.

ولوح المجلس العسكري الذي أصدر الإعلان الدستوري المعمول به حاليا، بإصدار إعلان مكمل لتحديد صلاحيات الرئيس المقرر انتخابه منتصف الشهر الحالي، أو إحياء دستور 1971 الذي حكم مبارك بموجبه البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية.

وتتشكل الجمعية التأسيسية بحسب الاتفاق الذي أنجز مساء أول من أمس، من 6 قضاة، و9 خبراء دستوريين وقانونيين، و5 أزهريين، و4 من ممثلي الكنيسة، و7 من النقابات المهنية، و6 من الاتحادات النوعية، و39 من الأحزاب، و21 من الشخصيات العامة على أن يراعى في ذلك جميعا تمثيل المرأة والشباب والأقباط.

وشمل الاتفاق الذي تم بحضور قيادات من المجلس العسكري أن تتوزع المقاعد الحزبية الـ39 بحيث يحصل حزب الأكثرية الإخواني على 16 مقعدا، وحزب النور السلفي الذي يملك أكبر ثاني كتلة برلمانية على 8 مقاعد، بينما يحصل حزب الوفد الليبرالي على 5 مقاعد، فيما حصلت أحزاب المصريين الأحرار والمصري الاجتماعي الديمقراطي (الليبراليين) والوسط الإسلامي المعتدل على مقعدين لكل منهم، وتوزعت الأربعة مقاعد المتبقية بين أحزاب الكرامة (الناصري)، والتحالف الشعبي الاشتراكي (يساري)، والإصلاح والتنمية (ليبرالي)، والبناء والتنمية (حزب الجماعة الإسلامية).

إلى ذلك، دعا الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) نواب المجلس إلى عقد جلسة عامة يوم الاثنين المقبل بدلا من الثلاثاء الذي سيشهد الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين من مجلسي الشعب والشورى لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور.

كان الكتاتني قد رفع جلسات الأسبوع الماضي إلى يوم الثلاثاء المقبل ونظرا للمستجدات الحالية دعا إلى الاجتماع يوم الاثنين ولم يحدد جدول أعمال الجلسة حتى الآن، لكن مراقبين رجحوا أن تكون الدعوة لمناقشة تصريحات المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر والتي شن خلالها هجوما عنيفا على البرلمان.

ومن المنتظر أن يعقد الكتاتني مؤتمرا صحافيا اليوم (السبت) لإيضاح أبعاد الاتفاق على تشكيل الجمعية التأسيسية وكيفية سير عمل الاجتماع المشترك.