غسان تويني إلى مثواه الأخير.. بعد سبعة عقود من العمل في السياسة والدبلوماسية و«مهنة المتاعب»

الصحافة اللبنانية تنعى «فتاها الأغر».. والسياسيون تسابقوا إلى مدح خصاله

تويني ممسكا بصورة ولده الراحل جبران في ذكراه الأولى عام 2006 ببيروت (إ.ب.أ)
TT

يشيع اليوم إلى مثواه الأخير، الوزير والنائب السابق غسان التويني الذي توفي أمس في مستشفى الجامعة الأميركية التي نقل إليها قبل 38 يوما. وستقام مراسم التشييع ظهرا في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة بوسط بيروت، القريبة من مقر الصحيفة التي أسسها وأحبها.

وتوافدت الشخصيات والوفود إلى كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس في الأشرفية لتقديم التعازي، بينما تبارى الزعماء اللبنانيون والسياسيون والإعلاميون في نعي الفقيد.

وقد نعى رئيس مجلس النواب نبيه بري وأعضاء مجلس النواب النائب والوزير السابق غسان تويني، متقدمين بالتعازي إلى عائلته وذويه وإلى الصحافة اللبنانية وعموم اللبنانيين بأحر التعازي. وأجرى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اتصالا هاتفيا بالنائبة نايلة تويني قدم خلاله التعازي بوفاة تويني، معتبرا أنه «بغيابه خسر لبنان رجلا كبيرا أعطى من قلبه الكثير للصحافة والسياسة»..

ورأى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن لبنان خسر بغياب غسان تويني علما من أعلامه ورمزا وطنيا أصيلا. وقال: «لقد كان الراحل مثالا في الوطنية الصادقة، دافع عن لبنان في كل المحافل العالمية بدبلوماسية لا تهادن على الثوابت الوطنية، فباتت مقولته الشهيرة (اتركوا شعبي يعيش) لازمة يرددها الجميع، ولتصبح مع الأيام مطلبا جامعا للأقربين والأبعدين. لم يوفر الراحل مناسبة إلا وصدح فيها صوته بحب لبنان والذود عن أرضه وشعبه، وحتى عندما ضرب الحقد الأعمى فلذة كبده الشهيد جبران تويني، وقف وقفة إباء وشموخ رافضا الحقد وداعيا إلى التسامح، في موقف يجسد كل قيم الإيمان والوطنية الصادقة».

ووصف رئيس حزب الكتائب اللبنانية، الرئيس أمين الجميل، رحيل عميد الصحافة غسان تويني بالمؤلم. وقال: «غسان تويني عاش تراجيديا إغريقية دائمة من معاناة وصراعات دائمة، فهو فقد ابنته وزوجته وابنه مكرم ومن ثم جبران في ظروف معروفة، وهو رجل سجن مرارا وتكرارا من أجل عقيدته ومواقفه وشجاعته، وكل ذلك صقل شخصية فريدة من نوعها في لبنان والعالم العربي لا بل في العالم كله، كذلك امتاز كسفير، وكلنا نعرف أن القرار 425، الذي هو أساسي في تكريس السيادة اللبنانية والعمل من أجل تحرير لبنان، وكل ما تحقق من تحرير كان مسندا لهذا القرار، انتزعه غسان من الأمم المتحدة عندما كان سفيرا للبنان لدى الأمم المتحدة، ومواقفه في مجلس الأمن حققت هذا الإنجاز الكبير للبنان. إضافة إلى ذلك، فإن غسان تويني رجل أدب وفن وتراث، ولديه إنجازات لا تحصى، يشهد عليها متحف بيروت، من مهرجانات ثقافية وفنية ومعارض، وكان دائما القدوة وسفير لبنان الدائم على صعيد الفن والتراث والأدب، ولديه إنجازات يشهد لها رجال الفن والتراث».

ورأى الرئيس سعد الحريري أنه «نادرا ما تزاحمت الألقاب على وصف العظماء بمثل ما تزاحمت على اسم الراحل الكبير غسان تويني، الذي احتل في ضمير لبنان مرتبة خاصة، لن تنساها الأجيال التي تعاقبت على الاقتداء به والتعلم منه، رجلا سياسيا مميزا ودبلوماسيا متقد الذكاء وكاتبا وصحافيا ومفكرا، اعتلى منصة الحرية ليكون أحد أبرز حراسها، لأكثر من نصف قرن».

وقال الحريري في رسالة بعث بها إلى عائلة الفقيد: «هذا النهار حزين بغياب أسطورة الصحافة اللبنانية والعربية غسان تويني، ولبنان من دون غسان تويني يخسر إشعاعا فكريا وثقافيا مميزا، لطالما تباهى به اللبنانيون، حتى أصبح مثالا يُحتذى في حرية التعبير والانفتاح، والدفاع عن الديمقراطية والاستقلال والسيادة في المحاولات التي تعرض لها لبنان من المتربصين به، الذين يريدون أرضه ساحة لحروب الآخرين.

غسان تويني لم ينحنِ، ولم يتراجع ولم يبدل في قناعاته وتوجهاته الوطنية، ولم ترهبه السجون والتهديدات والاغتيالات التي طالت أعز ما عنده، نجله الوحيد الشهيد جبران تويني، الذي دفع حياته ثمنا لإيمانه بمبادئ والده الراحل الكبير».

وأثنى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني على الصفات التي كان يتحلى بها الوزير السابق غسان تويني، وقال: «لقد خسر لبنان شخصية فذة في سياسته وحكمته ودوره، ووجها وطنيا ورمزا كبيرا في الصحافة اللبنانية، وكان مثالا للسياسي الحكيم، كبيرا في مواقفه وإعلاميا يتمتع بالصبر والشجاعة». وأضاف: «إن الجسم الإعلامي في لبنان فقد ركنا مهما من أركان الإعلام اللبناني، رجل الكلمة الحرة، والقلم النظيف، والرأي الناصح من خلال كتاباته التي تميزت بالحرص على الوحدة الوطنية والعيش المشترك السليم بين اللبنانيين، وإذ نشاطر أسرة الفقيد وجريدة (النهار) وأصدقاءه أحزانهم على الراحل الكبير، ونتقدم منهم بالتعازي».

ونعى وزير الإعلام وليد الداعوق «عميد الصحافة اللبنانية غسان تويني الذي كان مدرسة في السياسة والصحافة»، وقال: «رحل غسان تويني بعد صراع مرير مع المرض، وهو الذي لم يفارقه الألم طوال حياته، فكان أقوى منه وغلب إرادة الحياة على قدر الفراق المتتالي لأعز الناس على قلبه. غسان تويني الرجل غاب وفي قلبه غصة على وطن ممزق، وهو الذي لم ينفك يوما يحلم برؤيته موحدا بأرضه وشعبه ومؤسساته. وكانت مواقفه، نائبا ووزيرا وسفيرا وصحافيا، ترجمة عملية لهذا الحلم. لقد خسر لبنان برحيل آخر عمالقة لبنان الاستقلال والميثاق، رجل المواقف الجريئة، رجل الكلمة الحرة، فارسا لم يترجل عن صهوة فرسه يوما، ولم يترك لليأس أن يتسلل إلى جروحات قلبه، فكان الأمل عنده بالغد المشرق والواعد أقوى من الخيبات المتراكمة».

واعتبر رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، في كلمة لمناسبة غياب غسان تويني، «إن فقيدنا الكبير كان بالدرجة الأولى، نموذجا من الصبر وقوة الاحتمال والكبر، فكان موقفه وقوله المترفع عن الخضوع لضغوط مصيبة استشهاد بكْره جبران في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وهي الكاتدرائية التي أشرف على إعادة إعمارها وترميمها، في قوله: (لا أريد الانتقام ولا الثأر)». وأضاف: «كاد غسان تويني في تلك اللحظة أن يكون شخصية إغريقية أسطورية مثلت الحكمة والصبر والقدرة على احتمال ما لا يحتمله إنسان. وعلى النقيض من ذلك، فقد زادت المآسي الإنسانية التي مر بها وعاناها من علو قامته وتألقه رغم عمق الألم ومقدار التضحية». وتابع: «حين تحدث عن أزمة لبنان باعتبارها (حروب الآخرين على أرض لبنان)، لخص بكلماته حقبة بكاملها رغم ما أثاره هذا التوصيف من جدال، حيث فرض هذا التوصيف نفسه وما زال يلقي بثقله وحضوره على تفسير وتأويل ما يتعرض له لبنان - هذا البلد العربي المعذب. وحين صرخ بكلمته الشهيرة (اتركوا شعبي يعيش) كانت صرخة باسم جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين. وما زال اللبنانيون منذ ما قبل تلك الصرخة وحتى الآن يبحثون في ما بينهم عن طريقة للعيش بأمان وسلام كباقي شعوب الأرض».

ورأى رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أن «غسان تويني الذي اعتقلته زنزانة الحزن أياما طويلة وكان أقساها لحظة شهيدنا جبران الذي تقدم بصدر عار في وجه الطغاة ليقول نعم للحياة، ونعم لحرية لبنان، لكن غسان تويني يعرف، ونعرف أنه يعرف أن الحب قد يكون قويا كالموت، لكن سجن الزنزانات أقوى من الموت، ومن يقوى على السجن.. يقوى على الموت!».

ونعت نقابة الصحافة «الزميل الكبير الأستاذ غسان تويني الذي نقل إلى رحمته تعالى صباح الجمعة، وتركت وفاته جوا عاما من الحزن شمل كل اللبنانيين من غير تمييز ولا استثناء». وقال نقيب الصحافة، محمد بعلبكي، في نعيه «إن الصحافة اللبنانية خصوصا والعربية عموما، تفقد بغياب الزميل العزيز ركنا من أركانها، هو رفيق العمر ورفيق الحياة ورفيق القضية، يرمز إلى جيل بأكمله تجاذبته مختلف الأحلام وتباينت فيه العقائد، ولكنه لم يضن يوما على بلاده بحشاشة القلب ونور العين وذوب العقل الصادق في البحث عن الحقيقة والدعوة إلى الحق مهما تعاظم طغيان الجهل أو استعلت حواجز التعصب، انطلاقا من تشبث مستمر بالقيمة الإنسانية العظمى، التي هي الحرية والتسليم الراقي بحق الاختلاف ضمن إطار الولاء للوطن الواحد».

وبدورها، نعت نقابة المحررين تويني، معتبرة أن الصحافة اللبنانية ثكلى برحيل فتاها الأغر وشيخها الأبر، ممتشق سيف الكلام. ورأت أن تويني أدخل المهنة في المعاصرة شكلا ومضمونا وارتقى بها إلى الذرى التي تليق بدور لبنان. وقالت في بيان أصدرته: «كان غسان تويني قلما ساحرا، ثائرا، هادرا لا يعرف المهادنة، ولا يخشى في الحق لومة لائم.. وما توانى عن قولته في حضرة أعتى السلاطين وأكثرهم جورا»..