غسان تويني عاش عملاقاً ومات أبيا

ودّع زوجته وأولاده ثم بهم التحق

TT

عن عمر يناهز 86 عاما، رحل غسان تويني فجر أول من أمس، بعد ثلاث سنوات من المعاناة مع المرض، فقد خلالها النطق وقدرته على الكتابة، وافتقده أحبابه والقراء. رحيله إذن لم يكن مفاجئا، بقدر ما يثير الشجن والألم والحسرة. فالرجل كبير في قامته وفي إنجازاته التي حققها لعائلته ووطنه، وبغيابه يفقد لبنان رجلا حرا، ديمقراطيا، دافع عن لبنان والقضايا العربية في الأمم المتحدة، وعرف كيف يجعل من جريدة ورثها، واحدة من أهم الصحف العربية.

من مطابع «النهار» انطلق غسان تويني. وكان يفخر بأنه بدأ كأي محرر صغير، يرافق العمال، وينضد الحروف، قبل أن يصبح عملاق الصحافة اللبنانية والعربية أيضا. بدأ عمله الصحافي في مطلع عشريناته، وفي الخامسة والعشرين، كان قد أصبح نائبا في البرلمان اللبناني، ومن ثم تبوأ عدة مراكز وزارية منها السياحة والنفط والتربية والشؤون الاجتماعية. كما عمل لفترة كمحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت.

هو دبلوماسي، سياسي، أديب، مفكر متزن، صاحب مؤلفات عديدة، لكنه صحافي أولا، وقبل كل شي. الصحافة هي مهنته التي يحب أن يعرف عن نفسه بها. هذا ما كان يقوله حين يسأل عن العمل الأحب إليه، غير آبه بمناصبه التي تبوأها كالوزارة أو النيابة أو منصبه كسفير للبنان في الأمم المتحدة.

درس الفلسفة في الجامعة الأميركية في بيروت وحصل على البكالوريوس، ثم حصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفارد. تمكن من أن يجمع أكثر من مهمة شاقة في وقت واحد. فهو لم يهمل جريدة «النهار» يوما، وحين كان يتسلم وزارة فإنما كان يعمل لأجل نجاح مهمته فيها، وكأن لا اهتمام له غيرها. في الوقت نفسه لم يتوقف يوما عن كتابة. افتتاحياته في «النهار» التي كان ينتظرها قراؤه، ليس فقط لما فيها من سداد الرأي وعمق التحليل، وإنما أيضا لأسلوبه الذي ليس لغيره.

لغسان تويني أكثر من 16 كتابا، وألقى ما يصعب إحصاؤه من المحاضرات، عرف بشدة نشاطه وحيويته. بقدر ما هو لبناني كان غسان تويني يعتز بانتمائه المسيحي العربي. هو ابن لأم وصفها بالمتدينة من آل سالم وأب علماني «كان يكتفي من الفكر النهضوي بالتسليم بوجود الله». في هذه الأجواء نشأ غسان تويني. اختار له والده اسمه نسبة إلى بني غسان، نصارى العرب قبل الإسلام الذين ظلوا على دينهم بعد البعثة الإسلامية، وحالفوا المسلمين ضد ملوك الروم. رمزية الاسم ربما تكفي وحدها لنعرف الخلفية التي حكمت طفولة هذا الرجل ونشأته.

لكن غسان تويني يقول: «لم أصبح أشبه أبي كليا إلا عندما بدأت أتعامل مع جبران تويني الابن وجيله في قاعة التحرير، ثم عبر الصفحات التي يسطرون من باريس، فيما (النهار) الأصلية في بيروت، وأنا مقيم في نيويورك».

حقا توفرت لغسان تويني في لحظة ما كل الشروط التي تسمح لشاب في مطلع العمر أن يحقق كل ما يريد، المناصب الرفيعة، والعقل النير، والصحيفة التي تتسع لفكره وآرائه وتحليلاته، لكن الظروف عاكسته بقسوة لا تطاق، ومع ذلك بقي صامدا محاولا أن لا ينكسر.

ربما أن التجربة التي عاشها غسان تويني، هي من أصعب التجارب التي يمكن أن يعيشها إنسان، فقد دفن زوجته وأولاده الثلاثة قبل أن يرحل. زوجته الشاعرة ناديا حمادة توفيت سنة 1996 بالسرطان، ابنته نايله توفيت طفلة بالمرض نفسه، ابنه مكرم توفي شابا بسبب حادث سيارة، ثم كانت الفاجعة الكبرى التي أخذت منه آخر أولاده وهو ما يزال على قيد الحياة. فالانفجار الذي أودى بحياة جبران، لم يترك له حتى فرصة إلقاء نظرة وداعية على جثمانه. فلقد كان الانفجار الوحشي من القوة بحيث حرم الرجل حتى من جثة ابنه.

وقف غسان تويني بعد وفاة جبران في الكنيسة أمام نعشه، رابط الجاش، متسامحا، أبيا، كبيرا، يرفض الثأر والغوغائية والجنون. ولمرة جديدة أثبت غسان تويني أنه رجل كبير، وعملاق ليس في الصحافة فقط ولكن أيضا وهو يودع آخر أولاده، ملتمسا العزاء في بنات جبران الأربع. وبالأمس كتبت حفيدته نايله تويني تقول له «جدي غسان سلملي على جبران.. «جدي التحية والحب لك، اليوم وفي كل نهار، وكلما صاح الديك والفقد لقلمك، لفكرك، لعقلك، ولأدبك ولقلبك الكبير الذي انشطر مرارا».

محطات في حياة غسان تويني

* 1945: حصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الأميركية في بيروت.

* 1947: حصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة.

* 1947 و1948: عمل محاضرًا في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت.

*1951: انتخب نائبًا في مجلس النواب عن محافظة جبل لبنان.

* 1953: انتخب نائبًا عن بيروت، وانتخب بعد ذلك نائبًا لرئيس مجلس النواب، واستمر في منصبه حتى عام 1957.

* 1967: عين سفيرًا للبنان لدى الولايات المتحدة.

* 1970: عين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للأنباء ووزيرًا للتربية الوطنية والفنون الجميلة في حكومة الرئيس صائب سلام بعهد الرئيس سليمان فرنجيّة.

* 1975: عين وزيرًا للسياحة ووزيرًا للصناعة والنفط ووزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس سليمان فرنجيّة.

* 1976: عين وزيرًا للإعلام.

* 1977: عين سفيرًا للبنان لدى الأمم المتحدة، واستمر في المنصب حتى عام 1982.

* 1990: ترأس جامعة البلمند في لبنان.

* 1998: عين عضوًا في مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت.

* 1998: رئيسا للجنة متحف سرسق.

* 2006: زكي نائبًا بالبرلمان اللبناني عن بيروت، وذلك لمقعد الروم الأرثوذكس، خلفًا لابنه جبران الذي اغتيل بنهاية عام 2005.