«ديك النهار».. لن يصيح بعد اليوم على صفحات جريدته التي أحب

حفيدته: غاب عن الكتابة منذ ثلاثة أعوام إلا أنه كان يحضر إلى الجريدة كل يوم

تويني مع الوزير السابق والنائب الحالي مروان حمادة (أ.ب)
TT

نعت صحيفة «النهار» اللبنانية عميدها الذي بقي يعمل فيها من قرب وعن بعد طيلة حياته. ومن مبنى «النهار» قال النائب مروان حماد شقيق زوجة غسان التويني: «رحل ديك النهار منذ ساعات، لكن ديوك النهار وملائكة غسان وجبران تويني باقون لتأمين الرسالة المهمة التي أرستها هذه الجريدة منذ عقود طويلة كناطق باسم الحريات ومدافع عن حرية التعبير والرأي والكتابة؛ ليس في لبنان فحسب بل في العالم العربي، وكان هذا الرجل العملاق عابرا للطوائف في حياته الشخصية وفي حياته العامة، رجل وفاء، كان بالنسبة لي أبا وأخا أكبر ورفيقا دائما، وأعزي اللبنانيين فيه لأنه يستأهل أن يأسفوا عليه وعلى القلائل أمثاله».

كما قالت حفيدته النائبة نائلة تويني: «صحيح أنه غاب عن الكتابة منذ ثلاثة أعوام إلا أنه كان يحضر إلى الجريدة بشكل دائم، ونجتمع معه ونشعر بوجوده، ونستمد منه هذه القوة ونستفيد من كل لحظة، واليوم غاب غسان تويني، الذي تعلمنا منه كيف نكون أقوياء، وعلمنا يوم استشهد جبران أن (النهار) مستمرة، واليوم كل عائلة (النهار) مستمرة ونستكمل الطريق على ما علمنا إياه هذا العملاق، وسنكون كلنا يدا واحدة».

وجاء في نعي «النهار»: «قبل سبع سنوات كتبها بخط يده (جبران لم يمت.. والنهار مستمرة). فماذا تراها تكتب (النهار) في لحظة رحيله؟ وكيف تراها تتجرأ على نعيه وهو قاهر الفناء وأسطورة الإيمان أمام المصائب والشدائد؟».

أسلم نزيل الغرفة 929 في مستشفى الجامعة الأميركية الروح بعد 38 يوما من جولته الأخيرة في نزاع مضنٍ مع قدره، ولا نقول أمراضه.

عملاق الصحافة اللبنانية والعربية وعميد «النهار» ومعلّم أجيالها المتعاقبة منذ تولى مبكرا مسؤولياته فيها وباني مجدها وصانع الكلمة والفكر. النائب والوزير والسفير والدبلوماسي وصانع الرؤساء والعهود والسياسات في زمن مجد لبنان ومجد الرجال، كما في زمن الأحداث الكبيرة وزمن الكبار الكبار.

الصارخ «اتركوا شعبي يعيش» أمام مجلس الأمن، ومطلق حقيقة «حرب الآخرين على أرض لبنان»، غسان تويني رحل بعد ثلاث سنوات من اشتداد جلجلة أقعدته حتى عن قلمه الساحر وافتتاحيات صباحات الاثنين، ذاك القلم الذي كان الأقرب التصاقا بصاحبه الكبير والأحب إليه بعد أحبائه. المؤمن الأسطوري الذي ذاق من تجارب قدره ما يفوق قدرة البشر على الاحتمال.. من موت طفلته نايلة إلى مرض زوجته ناديا وموتها، إلى مقتل ابنه الثاني مكرم في حادث سير مفجع، إلى ذروة الذروة في استشهاد ابنه البكر جبران في اغتيال وحشي.. هذا المؤمن لم تفارقه شجاعة مذهلة حتى مع انقضاض هذا القدر على جسده المتعب فسرق منه القدرة على النطق وحرمه الكتابة في سنواته الثلاث الأخيرة وهو المالئ لبنان ودنيا العرب بموسوعيته المعرفية والصحافية في «النهار» والدراسات والمؤلفات والكتب.

86 عاما من ملحمة إنسانية مذهلة هي مزيج من كيمياء المجد الذي صنعه غسان تويني، أحد آخر الكبار والعمالقة في زمن التصق باسمه وطبعه بتوقيعه في الصحافة والفكر والدبلوماسية والسياسة ذات المعايير الاستثنائية، مقترنة بتجربة إنسانية وشخصية لا يقوى على مواجهتها إلا غسان تويني وحده. معلم «النهار» والصحافة لا تقوى «النهار» على نعيه، بل تعاهد روحه وكل الإرث الذي تركه للأجيال اللبنانية والعربية وما يمثل من أمانة في عنق «النهار» على أن تبقى وفية لكل القيم والمعايير المهنية والوطنية والإنسانية التي تختزنها سيرة كبيرها الراحل كما لكل حرف كتبه وكلمة قالها. وستبقى «النهار» مستمرة مستمدة من كبيرها الإيمان في الاستمرار والشجاعة في الدفاع عن كل ما تركه لها مع الشهداء الذين ستقر عيونهم لانضمامه إليهم كبيرا للشهداء.