في الهند.. المحصول كبير والفقراء جوعى

خُمس سكان البلاد يعانون سوء التغذية.. والحكومة تناقش مشاريع لإصلاح الوضع

عمال يحملون أكياسا من القمح في سوق بمدينة جاغراون بولاية البنجاب (نيويورك تايمز)
TT

في هذه القرية الواقعة شمال الهند، قام العمال مؤخرا بفك أكوام من الأرز المحروق والمتعفن، بينما كان الذباب يتجمع على مقربة حول محصول القمح الفاسد. وقال سكان محليون إن محصول الأرز كان موجودا على طول الطرق السريعة لعدة سنوات، وتم إرساله الآن إلى مصنع لتقطير الكحول من أجل تحويله إلى شراب كحولي.

وعلى بعد 180 ميلا باتجاه الجنوب، في حي فقير على أطراف نيودلهي، تكافح ليلا ديفي من أجل إمداد أسرتها المكونة من 4 أفراد بكميات ضئيلة من الخبز والبطاطس، التي قالت إنه كل ما تقدر على شرائه بمعاش الإعاقة والراتب غير المنتظم لزوجها الذي يعمل باليومية. وتعتبر أسرتها من بين الهنود الذين يقدر عددهم بـ250 مليون شخص ممن لا يحصلون على دخل مناسب لشراء ما يكفيهم من الغذاء.

ويأتي ذلك متناقضا مع حقيقة وفرة الأغذية في الهند. فبفعل الابتكار في المجال الزراعي والإعانات الزراعية الضخمة، تزرع الهند الآن كما هائلا من الأغذية، إلى حد أنه أصبح لديها مخزون كبير من الحبوب يفوق أي دولة أخرى، خلاف الصين، وتصدر جزءا منه إلى الخارج. غير أن خُمس شعبها يعاني من سوء تغذية - وهو ضعف معدل من يعانون من سوء التغذية في دول نامية أخرى مثل فيتنام والصين - بسبب الفساد المستشري وسوء الإدارة والفاقد في برامج من المفترض أنها توزع الغذاء على الفقراء.

وقال بيراج باتنياك، وهو محام يقدم استشارات للمحكمة العليا في الهند بخصوص قضايا متعلقة بالغذاء: «يتمثل سبب مواجهتنا هذه المشكلة في رفضنا توزيع الغلة التي نقوم بشرائها من المزارعين على من هم في حاجة إليه. المكان الوحيد الذي يستحق هذه الحبوب هو بطون الجوعى».

بعد سنوات من التجاهل، أصبحت السياسات الفاشلة المتعلقة بالغذاء في البلاد مثار جدال محتدم في نيودلهي، من خلال مطالبة المشرعين والمدافعين عن حقوق الفقراء والخبراء الاقتصاديين ووسائل الإعلام بشكل متزايد بإدخال إصلاح شامل على تلك السياسات. وتنظر الحكومة الوطنية في تشريع من شأنه أن يضخ مليارات الدولارات الإضافية في النظام ومضاعفة عدد من تقدم لهم الإعانات إلى ثلثي السكان. وسوف يسمح القانون المقترح للفقراء بشراء كميات أكبر من الأرز والقمح بأسعار أقل.

ويقول مؤيدون إن القانون الجديد، إذا تمت صياغته ووضعه موضع التنفيذ بشكل جيد، قد يساعد في ضمان عدم معاناة أي مواطن من الجوع في الهند، ثاني الدول من حيث الكثافة السكانية بعد الصين. غير أن معارضين يشيرون إلى أنه من دون إصلاح جوهري للنظام، فلن تؤدي الأموال الإضافية سوى إلى زيادة عجز الميزانية الذي تعاني منه الدولة، فضلا عن إثراء المسؤولين الذين عادة ما يسرقون أغذية من مستويات كثيرة من سلسلة التوزيع. ثمة هدفان محوريان للسياسات المتعلقة بالغذاء في الهند: تقديم أسعار للمحاصيل للمزارعين أعلى وأكثر ثباتا من تلك التي تقدم لهم في السوق المفتوحة، وبيع حبوب غذائية للفقراء بأسعار أقل من تلك التي قد يدفعونها في المتاجر الخاصة.

تشتري الحكومة الفيدرالية الحبوب وتقوم بتخزينها. وبإمكان كل ولاية أخذ كمية محددة من ذلك المخزون وفقا لعدد سكانها الفقراء. وتزود الولايات المتاجر المدعمة بالحبوب وتحدد أي الأسر يجب أن تحصل على بطاقات التموين التي تسمح لها بشراء قمح وأرز بأسعار رخيصة هناك.

ويكلف النظام الأكثر شمولا الحكومة مبلغا قيمته 750 مليار روبية (13.6 مليار دولار) سنويا، وهو ما يمثل نحو 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للهند. إلا أن نسبة 21 في المائة من سكان الهند، البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة، ما زالوا يعانون من نقص التغذية، وهي نسبة شهدت تغيرا طفيفا في العقدين الماضيين على الرغم من زيادة نسبتها 50 في المائة في الإنتاج الغذائي، بحسب المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وهو مجموعة بحثية تتخذ من واشنطن مقرا لها.

إن من شأن قانون جديد للأمن الغذائي أن يزيد من النفقات الحكومية لأكثر من الضعف، لتصل إلى تريليوني روبية سنويا، وفقا لبعض التقديرات.

وقد يخصص القدر الأكبر من الأموال الإضافية لشراء المزيد من الغلة، على الرغم من أن الحكومة تمتلك بالفعل مخزونا ضخما من القمح والأرز؛ 71 مليون طن في بداية مايو (أيار)، وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 20 في المائة عن العام السابق.

«الهند تدفع ثمن نجاح غير متوقع. لقد ارتفع حجم إنتاجنا من الأرز والقمح، كما زاد حجم المشتريات عن أي وقت مضى»، هذا ما يقوله كوشيك باسو، كبير المستشارين الاقتصاديين في وزارة المالية الهندية والأستاذ بجامعة كورنيل. وأضاف: «يكشف هذا النجاح النقاب عن بعض الفجوات في سياستنا». تتمثل أكبر فجوة في النظام الفاسد غير الكفء الذي اعتاد أن يجلب الطعام لمن هم في حاجة إليه. تصل نسبة 41.4 في المائة فقط من الغلة التي تقوم الولايات بجمعها من المستودعات إلى المنازل الهندية، بحسب دراسة حديثة أجراها البنك الدولي.

ويقول منتقدون إن المسؤولين على طول السلسلة، بدءا من مديري المستودعات إلى أصحاب المتاجر يسرقون الأغذية ويقومون ببيعها لتجار، مما يجعلهم يجنون مكاسب ضخمة غير مشروعة.

غالبا ما يشكو الهنود الفقراء الذين يملكون بطاقات تموين من كل من جودة وكمية الغلة المتاحة في المتاجر الحكومية التي تقدم أسعارا معقولة.

لكن أسرا أخرى لا تملك حتى بطاقات تموين بسبب الإجراءات اللازمة للحصول عليها، التي عادة ما تتمثل في رشى. وبعضهم يحرم من تلك البطاقات نظرا لعدم قدرتهم على تسجيل محل إقامتهم أو دخلهم. ويقول منتقدون إن مزيدا من الأفراد سوف يتأهلون للحصول على البطاقات في حالة ما إذا تم رفع المبلغ المقتطع من الدخل؛ وفي نيودلهي، قيمة هذا المبلغ 2000 روبية (36 دولارا) في الشهر، بصرف النظر عن عدد أفراد الأسرة، وهو مبلغ تنفقه الكثير من الأسر الفقيرة على الإيجار وحده.

وقالت ديفي، التي تعيش في حي «جاغدامبا كامب» في جنوب دلهي، إنها حرمت من الحصول على بطاقة تموين قبل 4 سنوات. وقالت إن دخل أسرتها الثابت هو عبارة عن معاش عجز قيمته 1000 روبية شهريا تحصل عليه بسبب الحروق التي أصابتها جراء تعرضها لحادث قبل بضع سنوات. وبينما أحيانا ما يكسب زوجها دخلا يصل إلى 3000 روبية شهريا كعامل باليومية، تقول إنها يجب أن يكون مخولا لها الحصول على حبوب مدعمة، نظرا لأنهم عادة ما يعيشون بمبلغ 2000 روبية أو أقل.

ويقول مسؤولون هنود إنهم يتعاملون مع المشكلات المتعلقة بالنظام. لقد أدخلت بعض الولايات، مثل تاميل نادو وشهاتيسغاره، تحسينات ضخمة باستخدام التكنولوجيا من أجل مراقبة الغذاء، وسهلت على معظم الأسر الحصول على بطاقات تموين. وقد جربت ولايات أخرى، مثل بيهار، طوابع المعونة الغذائية.

ويشير إصلاحيون إلى أن الهند يجب أن تمضي قدما في طريق منح الفقراء نقدا أو طوابع معونة غذائية، حاذية حذو الولايات المتحدة والمكسيك وغيرهما من الدول الأخرى. وهذا من شأنه أن يقلل الفساد وسوء الإدارة، نظرا لأن الحكومة ستشتري وتخزن فقط الكم الكافي من الحبوب للتحوط في حالة فساد المحاصيل. وسوف يتمتع الفقراء بمزيد من الخيارات، بحسب أوك غولاتي، رئيس مجلس إدارة لجنة التكاليف الزراعية والأسعار. «لماذا قمح وأرز فقط؟ إذا كان يرغب في بيض أو فواكه أو بعض الخضراوات، فيجب أن يمنح ذلك الخيار»، هذا ما قاله غولاتي. وأضاف: «تحتاج إلى زيادة دخله. بعدها، عليك ترك مسألة التوزيع للقطاع الخاص».

إلا أن معظم المسؤولين يعربون عن مخاوفهم من أنه «في حالة تحول الهند إلى طوابع المعونات الغذائية، قد يقوم الرجال بمبادلتها بالمسكرات أو التبغ، مما يحرم أسرهم من الحصول على القدر الكافي من الغذاء». وقال كيه في توماس، وزير الغذاء الهندي: «يجب إدخال تحسين على تلك السياسة في ما يتعلق بالغذاء وشؤون المستهلك والتوزيع للجمهور. ليس لدي أدنى شك حيال هذا الأمر». وأضاف: «لكن هذا هو النظام الواحد الذي يمكن أن يجدي نفعا في بلدنا».

ويشير مسؤولون إلى أن البرلمان من المرجح أن يصوت على سياسة جديدة تتعلق بالغذاء نهاية هذا العام. في الوقت نفسه، تعمل الحكومة من أجل إيجاد حلول مؤقتة لمشكلات نقص الحبوب التي تعاني منها، من خلال إنشاء صوامع غلال جديدة وتصدير كميات أكبر من الأرز. وقال غورديب سينغ، مزارع من رانوان المجاورة قام مؤخرا ببيع محصول القمح الخاص به للحكومة: «من المؤلم مشاهدة هذا الوضع. الحكومة على هذه الدرجة من الضخامة والنفوذ، ومن ثم، يجب أن تكون قادرة على إنشاء مخازن لحفظ هذا المحصول».

* خدمة «نيويورك تايمز»