علاقة النظام بالجماعات الإرهابية تشكك في روايته الحالية

لجوؤه الى الشبيحة يعكس ضعفه

TT

شهد شهر مايو (أيار) الماضي تفجيرين انتحاريين في دمشق جعل دولة يسود بها نذر نشوب حرب أهلية تتصدر عناوين الأخبار باعتبارها ضحية الإرهاب. وكانت الهجمات مشابهة على نحو مخيف بالهجمات التي ضربت العراق على مدى السنوات العشر الماضية. حاولت السيارة المفخخة الأولى اختراق جدران الاستخبارات العسكرية السورية، في حين انفجرت السيارة الأخرى بعد ذلك ببضع دقائق بين حشد من الناس وأسفرت عن مقتل 55 وإصابة المئات. وسارعت وكالة الأنباء السورية بنشر صور بشعة لضحايا الهجوم الذي نسبه نظام الرئيس بشار الأسد إلى «جماعات إرهابية مدعومة من الخارج».

وبعد تتابع الأسئلة المعتادة عن الجهات التي تقف وراء التفجيرات، تصدر تنظيم القاعدة و«جبهة النصرة»، أحدث فرع له، قائمة المشتبه بهم، وأكدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة هذا الرأي. ودفعت رغبة النظام في تصوير الصراع على أنه صراع بين النظام والإرهابيين منذ اندلاعه في مارس (آذار) 2011 المعارضة إلى رفض هذا الخطاب بشكل قانوني. وصرح ستيفن ستار، مؤلف «الثورة: شاهد عيان على الثورة السورية»، لصحيفة «الشرق الأوسط» قائلا: «طالما اضطررنا إلى البحث عن تخمين آخر مغاير لرواية النظام عن ضلوع الإرهاب وراء الأحداث في سوريا. لا يمكننا أن نصدق مزاعمه بسبب الدعاية الكبيرة. لذا لا أعتقد أننا يمكننا تصديق ضلوع الإرهابيين في التفجيرات الأخيرة التي حدثت في دمشق رغم الزعم بهذا. الوضع غامض إلى حد يستحيل معه التصريح بأي شيء عن يقين».

من الواضح أن النظام السوري يعتقد في قدرته على استغلال ضبابية المعركة وغياب تغطية إعلامية حقيقية في البلاد في استنساخ خطاب مجرب، كثيرا ما استخدمته الحكومات الغربية في أفغانستان والعراق. وتقوم هذه الطريقة على تحميل الإرهاب والإرهابيين مسؤولية كل ما يحدث، ثم استغلال ذلك كمبرر للقيام برد فعل قاس غير مناسب. سلط فيصل الحموي، سفير سوريا لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الضوء على اتباع النظام لهذه الطريقة حين حمل «جماعات إرهابية مسلحة يتراوح عددها بين 600 و800 المسؤولية عن مذبحة الحولة». وأعلنت الحكومة السورية عن تشكيل لجنة تقصي حقائق أوضحت في تقريرها الأولي أن الدافع الرئيسي وراء جرائم القتل كان «إثارة صراع طائفي». ووصفت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، مزاعم الحموي بـ«كذبة مفضوحة أخرى».

علاقة سوريا بالإرهاب مثل وحش معقد، حيث تعود إلى بداية حكم الأسد للبلاد منذ أربعين عام. لقد استخدمت سوريا السياسة الخارجية ودعمها لأذرعها في لبنان والعراق وفلسطين في تعزيز وضعها الذي رسمته لنفسها كـ«زعيمة كتلة الممانعة». وجاء التفجير الانتحاري، الذي وقع في العاشر من مايو، مشابها الهجوم الانتحاري الذي شنه حزب الله عام 1983 على ثكنات قوات المارينز الأميركية في بيروت والذي أسفر عن مقتل 220 فردا من الجنود ودفع إدارة ريغان إلى الانسحاب من البلاد. وكان التفجير باستخدام سيارة مفخخة طريقة شائعة استخدمتها حماس خلال الانتفاضة الثانية ضد إسرائيل. كل من حماس وحزب الله حلفاء للنظام السوري عبر شبكة معقدة من العلاقات المالية والسياسية والتاريخية. مع ذلك، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، كونت سوريا علاقات مع جماعات إرهابية خطيرة صعب توقع أفعالها كانت تستخدم أراضيها كمعبر لتنفيذ هجمات ضد الأميركيين. ما حدث كان عكس المبتغى، حيث وجد النظام نفسه اليوم هدفا لحركات المقاومة بمختلف تكويناتها وأساليبها بداية من المنشقين العلمانيين من الجيش والمقاتلين الأكراد وانتهاء بأولئك الذين يقاتلون نظام الأسد تحت راية الإسلام. لقد امتطى النظام السوري «أسد» دعم الجماعات الإرهابية في الماضي ويدفع الآن الثمن المتمثل في تأثير عكسي مع انقلاب عناصر يصعب السيطرة عليها ضده، وتخلي الجماعات الأقرب إلى التقليدية عنه. وضعت وزارة الخارجية الأميركية سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ تدشين القائمة عام 1979 «بسبب استمرار دعمها وتوفيرها الملاذ الآمن للمنظمات الإرهابية». ويمكن تقسيم دعمها المثير للجدل بين دعم مقدم إلى الجماعات التقليدية، التي تسعى إلى السيطرة أو التأثير على الدولة مثل حزب الله وحماس، ودعم مقدم إلى جماعات متطرفة أخطر مثل تنظيم القاعدة وجند الإسلام وجبهة النصرة التي تنظر إلى الصراع في سوريا من منظور طائفي وإن كانت تمثل معارضة فاعلة ضد الولايات المتحدة خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق. قبل اندلاع الاحتجاجات في مارس عام 2011، كانت سوريا تعاني من إرهاب محدود، حيث أعلنت جماعة «جند الشام» مسؤوليتها عن هجمات السفارة الأميركية ومبنى الاستخبارات نفسه في دمشق الذي ضرب في مايو. وبعد اندلاع العنف في أنحاء سوريا والاستعانة بقوات الجيش ضد المتظاهرين، حاولت عدة جماعات استغلال الفراغ الذي خلفه الصراع. وتمسك النظام، الرافض للاعتراف بمسؤوليته عن اندلاع الاحتجاجات، بخطاب قائم على تحميل آخرين مسؤولية ما يحدث. نقلت وسائل الإعلام السورية في 29 مايو اجتماع الأسد مع كوفي أنان والذي أكد الأسد خلاله على ضرورة التزام الدول، التي تمول وتسلح وتؤوي الجماعات الإرهابية، بخطة أنان. وأخبر الأسد أنان أن نجاح هذه الخطة يعتمد على وقف تهريب الأسلحة وكبح جماح الإرهاب ومن يدعمه.

من المفارقة أن يعارض الأسد تهريب الأسلحة رغم قيام النظام بذلك منذ زمن طويل. وكان المقاتلون يتسللون إلى العراق عبر الحدود العراقية – السورية بوجه خاص، في حين أن العكس هو ما يحدث حاليا. وأوضح كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي - البريطاني، لصحيفة «الشرق الأوسط» قائلا: «هناك خطر كبير متمثل في اندفاع الجماعات الجهادية نحو سوريا استغلالا للفراغ الحادث في السلطة وكل التوترات بين طوائف الشعب. في الماضي كان النظام يسمح بنشاط جماعات إرهابية بعينها داخل نطاق حدودها، وكان يسمح لبعضها بالعمل في العراق لشن هجمات ضد الأميركيين، الآن عادت الجماعات لتهاجم النظام السوري خاصة في شرق البلاد. إن من الصعوبة بمكان ضبط الحدود الصحراوية الطويلة أثناء النهار وتعتبر مهمة شبه مستحيلة من دون مراقبة جوية وأجهزة رؤية ليلية، وهي إمكانات عادة ما يفتقر إليها الجيش السوري. وفي يوم 27 مايو، اتخذت قوات الأمن العراقية أهبة الاستعداد القصوى لعدة ساعات إلى أن وقعت اشتباكات لاحقة صباح يوم الأحد بين الجيش السوري وقوات الثوار بالقرب من الحدود. في المعتاد، كانت قرية البوكمال، المطلة على نهر الفرات والواقعة عند نقطة تلاقي الحدود العراقية والسورية، ملاذا آمنا بالنسبة لهؤلاء الفارين من العنف الدائر في العراق. واليوم، يعتبر هؤلاء الموجودون على الجانب العراقي من الحدود هم من يشعرون بمزيد من الأمان. من خلال كتابته في صحيفة «مركز مكافحة الإرهاب»، شرح براين فيشمان أنه «مقارنة بالموقف في ثورات الربيع العربي الأخرى، ففي سوريا، يبدو أن المسلحين الذين تربطهم صلات بتنظيم القاعدة لديهم إمكانات على الأرض مناسبة من الناحية العسكرية». لقد أشار المحللون الذين يتابعون الدردشة على الإنترنت على المواقع الإلكترونية الخاصة بالمتطرفين إلى «مستوى الإثارة، والذي لم ير في تلك الأوساط منذ ذروة حرب العراق».

إن ما يجعل فهم الجماعات المتطرفة التي تجتاز الحدود من العراق إلى سوريا أكثر تعقيدا هو العلاقة المزعومة التي تربطها بإيران. وفي يوم التاسع من مايو، صرح زعيم قبيلة الأنبار وقائد حركة الصحوة، عزام التميمي، للصحافة بأن «ثمة صلات واضحة بين تنظيم القاعدة في العراق والنظام الإيراني... طهران تزود أعضائها بمعسكرات تدريب». وكانت سوريا، مثل إيران، تربطها صلات بهذه الجماعات، مثلما أشار أندرو تابلر، مؤلف كتاب «في عرين الأسد» والذي أمضى سبع سنوات في العمل في دمشق قائلا: «عند النظر إليه تاريخيا، ربما يبدو نظام الأسد طائفيا، لكن تربطه علاقات وثيقة بالجماعات الجهادية، سواء من خلال السماح لها بعبور سوريا لقتال الولايات المتحدة في العراق أو اختراق لبنان لتنفيذ أهداف سياستها الخارجية». وصرح مسؤول أمني لبناني رفيع المستوى مؤخرا بأن 150 مسلحا أجنبيا على الأقل قد وضع موطئ قدم داخل سوريا. وفيما لا يبدو هذا الرقم ضخما على وجه الخصوص، فإن الخطط التكتيكية التي تعتزم تلك الجماعات توظيفها تجعلها بمثابة قوى إضافية خطيرة. ولإيجاد دليل على هذه الحقيقة، يمكننا أن نتطلع مجددا للعراق، وهي دولة تعاني من مشكلة إرهاب مزمنة. ورغم التطورات المتقدمة ضد تنظيم القاعدة في غرب منطقة الأنبار، تشير تقديرات الجيش الأميركي إلى أن 850 مسلحا ما زالوا يمثلون عناصر فعالة ويشتبه في علاقتهم بهجمات متزامنة منسقة عبر أنحاء الدولة. وبالمثل، يجب أن ينظر إلى أفرع جبهة النصرة والأفرع المستقبلية بوصفها عاملا يشعل فتيل النزاع وليس عاملا محددا، رغم أنه مثلما حدث في العراق، فإن أي هجوم طائفي ضد فرد أو موقع مميز ربما يحدث تبعات غير متوقعة. يحاول النظام أيضا تأمين حده الغربي مع لبنان، وهو حد آخر قطعته طرق التهريب. لقد أضحى الحد الذي يمتد لمسافة 200 ميل، والذي نبذه القادة السوريون في الماضي بوصفه مفروضا من قبل الاستعمار والذي يقسم الشام (سوريا الكبرى)، منطقة متنازعا عليها.

في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، ونتيجة قلقه من تقارير واردة عن عبور «الجيش السوري الحر» حديث النشأة الحدود وقيامه بتهريب أسلحة، اتخذ الجيش السوري خطوة مؤثرة ممثلة في بدء ترسيم الحدود بقوات الأمن والألغام الأرضية. وبحسب منظمة «هيومان رايتس ووتش»، فإن كثيرا من الأفراد الفارين من العنف قد أصيبوا بجروح خطيرة. ويأتي مكمن خوف آخر بالنسبة للنظام في دمشق من معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو موقع آخر أصبح لسوريا تأثير تاريخي فيه. وقد وردت تقارير إعلامية من فلسطينيين من معسكر عين الحلوة يكتبون وصاياهم ويتجهون صوب سوريا عبر طرابلس. في الوقت نفسه، تبدو طرابلس في حالة من الانقسام. وفي يوم 13 مايو، تبع إلقاء القبض على شادي المولوي في طرابلس استنادا إلى ادعاءات بارتباطه بمنظمات إرهابية اندلاع مظاهرات في المدينة. ونشبت أحداث عنف لمدة أربعة أيام بين مسلحين من فصائل كثيرة، والتي قضى إبانها 10 أشخاص نحبهم، وأصيب كثيرون. ما زال الموقف متأزما. وفي يوم الأحد 20 مايو، قتل شيخ ورفيقه جراء طلق ناري في نقطة تفتيش تابعة للجيش. أحدثت عملية القتل رد فعل غاضبا في شمال لبنان، من خلال إغلاق المتظاهرين الطرق ومطالبتهم بانسحاب الجيش من بعض المناطق. وبينما بقيت طرابلس في حالة من الهدوء النسبي، أدى الحدث إلى قتال بين الجماعات المتنافسة في بيروت، مما ترتب عليه مقتل فردين وإصابة 18 آخرين. ويظل لبنان مصدر خطر بالنسبة للنظام في دمشق، ومن المرجح أن يتزعزع استقرار لبنان بفعل دخول سوريا في حرب أهلية. بينما يحتمل أن ينظر المراقبون الخارجيون بشكل متزايد إلى الموقف في سوريا باعتباره حربا أهليا، لا يزال النظام يعمل كما لو كان يقاتل حركة تمرد مدعومة من قوة أجنبية. إن ما يجعل استراتيجية سوريا المكافحة للتمرد وحشية على وجه التحديد هو استعانتها بجماعات مسلحة مدعومة من النظام، مثل «الشبيحة». وأشار كريس دويل إلى أن «أحد الدروس المستفادة من مذبحة الحولة هو أنه من السهل بدرجة أكبر بالنسبة للأفراد الذين لا يرتدون زيا رسميا ارتكاب هذا النوع من الجرائم. كان من الممكن أن تقع المذبحة على أيدي أفراد من القرى العلوية أرادوا توصيل رسالة رسمية بدعم من الجيش السوري». الشبيحة هي جماعات إرهابية أساسية مدعومة من النظام يبدو أن لها قيادتها وهيكل قيادتها. وتستهدف عمليات مثل قطع حناجر النساء والأطفال وإطلاق النار على المواكب الجنائزية وعمليات الإعدام الجماعية المتكررة بشكل متزايد إعادة التأكيد على خوف النظام من هؤلاء المتظاهرين ضده.

في بداية يونيو (حزيران)، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال ريتشارد مايرز، إن الاستخدام المحتمل للقوة في سوريا سيكون «أكثر تعقيدا بكثير» مما كان عليه في ليبيا. إن الشبكة الضخمة من الصلات التي تربط سوريا بجماعات في لبنان ومنذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، تعني أنك لكي تصل لفهم حقيقي للأحداث في سوريا، فإن لزاما عليك أن تتطلع لما وراء حدودها. ويتمثل التحدي الأساسي بالنسبة لبقاء نظام الأسد في التعامل مع التناقض بين خطابه عن كونه في طليعة المقاومة الإقليمية وبين كونه الهدف الرئيسي لها. ويعتبر استعداد النظام لإطلاق العنان للشبيحة لكي يفعلوا ما يشاءون بشعبه انعكاسا لضعفه وقوة حيلته لا لقوته، ومتحدثا إلى برلمانه الجديد في مطلع يونيو، قال الأسد إن «من قام بتلك الفعلة في الحولة لا يمكن أن يكون إنسانا بل وحشا. وحتى الوحوش لا يمكن أن تقوم بما رأيناه». وتتمثل المشكلة بالنسبة للأسد في أن الشبيحة والكثير من الجماعات المتطرفة التي تخترق الدولة تعتبر وحوشا تابعة لنظامه.