روسيا تستغل الأزمة السورية لتعزيز نفوذها الدولي

يصر المسؤولون الروس على أن سقوط نظام الأسد سينبئ بشيء أسوأ بكثير

صورة من موقع أوغاريت لمتظاهرين في الحسكة في «سبت الوفاء لحسين هرموس»
TT

حققت الورطة الدولية التي تحيط بالأزمة السورية بعض الترضية للشكاوى القديمة في هذه المدينة، ولكن بطريقة مخيفة, فبعد سنوات من السخط على الحملات التي يقودها الغرب لإجبار الزعماء على الخروج من السلطة، انتهزت روسيا الفرصة وفرضت وجهة نظرها.

وهذه المرة، لم يعد من الممكن تجاهل اعتراضاتها كما حدث حينما بدأ حلف شمال الأطلسي «الناتو» ضرباته الجوية في ليبيا، أو حينما شنت قوات التحالف التي شكلها الغرب هجمات عسكرية في العراق وصربيا. وبدلا من ذلك، جاء المجتمع الدولي بنفسه ليقف على باب روسيا.

فقد قام مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية، أول من أمس، بزيارة موسكو، ويرجح أن تكون هذه الزيارة بهدف إقناع الكرملين بإعادة النظر في موقفه، والمشاركة في محاولة لترتيب عملية انتقالية من حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا، التي ظلت منذ وقت طويل حليفة للدب الروسي. وفي التصريحات التي أعقبت اللقاء، بدا كبير المفاوضين الروس صلبا في موقفه، حيث قال لأحد الصحافيين إن موقف موسكو هو «مسألة مبدأ».

وقد ذكر زعماء روسيا، مرارا وتكرارا، أن هدفهم هو الحيلولة دون غياب الاستقرار، وليس دعم بشار الأسد، ولمحوا إلى أن روسيا ستقبل بتغيير القيادة في سوريا، شريطة أن يتم هذا التغيير بيد السوريين أنفسهم، وألا يفرض عليهم من الخارج، وهو احتمال مستبعد في بلد يمزقه العنف.

وبعيدا عن الإحساس بالرضا، لأنها أجبرت الآخرين على الإذعان لموقفها، فإن روسيا بهذا تعرض نفسها لمخاطرة كبيرة؛ فالكرملين، الذي نجح في أن يجعل من نفسه لاعبا رئيسيا في الصراع، واقع تحت ضغط ضرورة تقديم بدائل. وتواجه موسكو شعورا بالإحباط في العواصم الغربية، التي تنظر إليها على أنها متواطئة مع القوات الموالية لبشار الأسد في قتل المدنيين، كما تواجه حالة متزايدة من النفور لدى شركاء روسيا في العالم العربي، الذين يعتبرون أن موسكو تتدخل لمساعدة الطغاة.

ويقول جورجي ميرسكي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط لدى «الأكاديمية الروسية للعلوم» في موسكو: «في معظم الدول العربية، أكثرية السكان يؤيدون الثوار بالطبع ويعارضون الديكتاتور، وبالتالي فقد تأثرت سمعتنا بشدة. إذا تمكن بشار الأسد من الفوز بالحرب، وإذا ظل في السلطة، فإن أكثرية السكان في الدول العربية سوف تلوم روسيا على هذا، بالطبع، وسوف تتأثر سمعتنا. ولكن إذا تم خلعه أيضا، فسوف يلوم الكثيرون روسيا على أي حال».

وقد تم تصوير الثورتين المصرية والتونسية في روسيا على أنهما ثورتان خاصتان إلى حد كبير، حيث قادهما شباب يشعر بالإحباط بسبب توقعاته الاقتصادية. إلا أن النزاع في سوريا ينظر إليه بنظرة مختلفة كلية، حيث يصور على أنه مخطط من دول أخرى في الغرب والعالم العربي، وأنه يساعد على صعود التيار الإسلامي المتشدد.

وعلى الرغم من تصاعد حصيلة الضحايا في سوريا؛ إذ تقدر الولايات المتحدة أن يكون عدد القتلى قد تجاوز 100 ألف شخص، يصر المسؤولون الروس دوما على أن سقوط نظام بشار الأسد سوف ينبئ بشيء أسوأ بكثير.

وفي حوار أجري معه مؤخرا، أوضح أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي: «كما تعلمون، حينما كنا نخوض الحرب في الشيشان، ما كنا نسمعه هو أننا نستخدم القوة المفرطة، وأن المدنيين يموتون. ولكن ما كان على المحك هو ما إذا كنا سنتبع السيناريو اليوغوسلافي أم لا، والسيناريو اليوغوسلافي كان أكثر دموية بكثير».

ولكن في المقابل، فإن تصعيد حدة العنف مؤخرا من قبل قوات أمن النظام، الذي يوجه في مرات كثيرة ضد النساء والأطفال، وضع روسيا في موقف محرج من أجل طرح بدائل.

وتمثل المحادثات التي جرت، أول من أمس، بين مبعوث كبير من وزارة الخارجية الأميركية، هو فريد هوف، ونائبي وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف، محاولة لإيجاد حالة من الإجماع على ضرورة إجراء عملية انتقالية في سوريا.

وقد أوصى أحد المحللين باتباع نموذج اتفاقية دايتون للسلام، التي أبرمت عام 1995 وأنهت حربا عرقية شرسة في يوغوسلافيا السابقة. ومن الممكن أن تلعب روسيا دورا أساسيا في ضمان المحافظة على النظام العام أثناء إجراء عملية انتقالية سياسية، بما لها من روابط عميقة مع قادة الجيش السوري، الذين تعلم الكثيرون منهم في الاتحاد السوفياتي.

ويقول فيودور لوكيانوف، المحرر المتخصص في الشأن الروسي في مجلة «غلوبال أفيرز» الإلكترونية: «المطلوب بالنسبة لسوريا هو شيء مثل اتفاقية دايتون، ليس من أجل إسقاط الأسد فحسب، بل من أجل وضع نموذج جديد للحكم في سوريا، لأن الديمقراطية لن تؤدي إلى حل. روسيا لديها تأثير على الأسد أكبر من أي أحد آخر. السؤال هو هل سيتحلى أحد بما يكفي من الصبر كي يحاول تنفيذ هذا؟» وعقب خروجه من اللقاء يوم الجمعة الماضي، صرح بوغدانوف بأنه لا يتوقع التحرك إلى ما هو أبعد من خطة وقف إطلاق النار ذات النقاط الست التي قدمها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، والتي لا تستلزم تنحي بشار الأسد عن السلطة.

وألقى بوغدانوف مسؤولية استمرار العنف على قوات المعارضة والدول الأجنبية، التي قال عنها إنها «تعبث بالمتطرفين والمتشددين بمختلف أنواعهم سعيا وراء تحقيق أهدافها الخاصة». وردا على سؤال عما سيحدث إذا تدخلت قوات دولية دون تفويض من مجلس الأمن، قال إن هذه ستكون «كارثة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها».

وإذا كانت التكاليف تتصاعد على روسيا، فإن الرئيس فلاديمير بوتين لديه أيضا أسباب داخلية قوية تجعله يرفض تغيير موقفه، حيث لم يستطع سلفه، ديمتري ميدفيديف، أن يحافظ على ماء وجهه أمام المتشددين داخل الحكومة بسبب قراره عدم التحرك للحيلولة دون التدخل الغربي في ليبيا، مما أدى إلى سلسلة متتابعة من الأحداث بلغت ذروتها بمقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان هو الآخر حليفا لروسيا. وينطوي قبول تنفيذ خطة انتقالية في سوريا على مخاطرة بأن يلقى بوتين مصيرا مماثلا، كما سيعني أيضا التراجع عن موقف ما زال يحظى بتشجيع أوساط السياسة الخارجية هنا.

ويقول فيتالي ناومكين، مدير «معهد الدراسات الشرقية» التابع لـ«الأكاديمية الروسية للعلوم»: «من دون دعم روسيا، كان سيسقط، وكان التدخل سيأتي بعد ذلك. من دون دعم روسيا، كان سيخلع من السلطة. وبالتالي، فقد أثبتت روسيا أنه يمكنها منع بعض الأحداث في المنطقة، وهي في رأينا أحداث ليست غير مرغوب فيها فحسب، ليس لأننا نعشق الأسد، ولكن لأننا نريد الاستقرار في هذه المنطقة، ونحن نرى أن هذه النوعية من الترتيبات السياسية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»