مصادر أوروبية: «من الحيوي» التوصل إلى تفاهم مع روسيا على صورة الحل في سوريا

قالت إن موسكو ستكون «مضطرة» لإعادة النظر في سياستها إزاء النظام القائم في دمشق ضمانا لمصالحها

أطفال الهبيط بإدلب يتظاهرون ضد قمع النظام السوري أمس (أوغاريت)
TT

بينما وصل العنف في سوريا في الأيام الأخيرة إلى درجات غير مسبوقة، حمي التنافس الدبلوماسي لعقد مؤتمر دولي يكون هدفه إعطاء نفحة حياة جديدة لمبادرة المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان التي أطلقت أوائل شهر أبريل (نيسان) الماضي لكنها بقيت حتى الآن حرفا ميتا لم ينفذ أي بند من بنودها الستة رغم الوجود الميداني لـ300 مراقب دولي في سوريا.

وترى مصادر أوروبية أن الأزمة السورية ولجت منعطفا «حرجا» إذ لا تستطيع الأسرة الدولية أن تستمر في التعاطي مع خطة أنان «كأنها موجودة فعلا» أو كأن تنفيذها «غير مرتبط بأي سقف زمني». فضلا عن ذلك، فقد تحولت هذه الخطة إلى «حجة» يتلطّى بها الجميع بمن فيهم النظام السوري. وتلاحظ هذه المصادر أنه «ليست هناك أي جهة لا تؤيد نظريا تنفيذ الخطة، ومع ذلك فالجميع يتصرف كأنها غير موجودة». وبرأي هذه المصادر، فإن الإجماع المذكور سببه أن الخطة هي «الشيء الوحيد الموجود على الطاولة»، و«الوسيلة الوحيدة لتقطيع الوقت بانتظار تحولات ما تغير مسار الأزمة السورية»، مما يجعلها ورقة التين التي تغطي «عجز» المجتمع الدولي في إيجاد حلول للأزمة السورية.

من هذا المنطلق، فإن تكاثر الدعوات للاجتماعات الدولية المتنافسة يظهر إما «غياب الرؤية» وإما «مدى التشويش» الذي يصيب صورة الوضع السوري في مرحلته الحالية. لا بل إن سوريا تحولت إلى «ميدان تجاذب» بين كتلتين، يشكل الغرب محور الأولى التي تضم أكثرية البلدان العربية وتحديدا الخليجية وتركيا وأخرى في مجموعة أصدقاء الشعب السوري، بينما تشكل روسيا عصب الثانية مستندة إلى تفاهم مع الصين ودعم إيراني كلي وإلى «تفهم» لعدد محدود من البلدان العربية.

وحتى الآن، رست الاتصالات الدبلوماسية والضغوط المتبادلة على تسجيل استحقاقين رئيسيين: الأول اجتماع «مجموعة الاتصال» التي يسعى كوفي أنان إلى تشكيلها نهاية الشهر الجاري على الأرجح في نيويورك، والثاني موعد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي تستضيفه باريس التي دعت لحضوره، وفق وزير الخارجية لوران فابيوس، نحو 140 بلدا وهيئة ومنظمة بحيث يكون الأوسع والأشمل من نوعه بعد اجتماعي تونس وإسطنبول.

وبالمقابل، ما زال الاقتراح الروسي الذي عرضه لأول مرة، في السادس من الشهر الجاري، الوزير سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي في بكين، على هامش قمة رئيسي الدولتين (روسيا والصين)، في حالة ضبابية بسبب رفض ثلاث دول غربية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) مشاركة إيران فيه.

وتعتبر المصادر الأوروبية أن المشكلة التي يطرحها حضور إيران «ليست هي الأساس»، وأنها يمكن أن «تسوى» بشكل أو بآخر مثل أن تغيب إيران عن الاجتماعات في المرحلة الأولى وتحضر في المرحلة اللاحقة. وبالمقابل، فإنها ترى أن العقبة تتمثل في «تصور شكل الحل» الذي يمكن أن تتوصل الأطراف الدولية إليه وفي إيجاد «الآليات» التي من شأنها ضمان تنفيذه. وباختصار، فإن السؤال هو: ما هو مصير النظام السوري الحالي؟ وما هي صورة المرحلة الانتقالية التي تأتي عليها خطة أنان في بندها السادس والأخير؟

تقول المصادر الأوروبية إن روسيا تمسك «ورقة أساسية ضاغطة» على النظام السوري باعتبارها توفر له مظلة الحماية في مجلس الأمن الدولي والدعم السياسي والسلاح والعتاد والمشورة العسكرية والاستخبارية. وهي في ذلك، بحسب المصادر الأوروبية، تتحرك من باب السعي للمحافظة على نفوذها الدولي كطرف فاعل تتعين مراعاته، كما أنها تعمل على الدفاع عن مصالحها في سوريا والمنطقة وعن أمنها لخوفها من تمدد الحركات الإسلامية المتشددة إلى داخلها. ولذا، تعتبر هذه المصادر أنه من «الحيوي» السعي إلى الوصول إلى «تفاهم» ما مع موسكو.

وتبدو قمة العشرين التي ستنعقد في المكسيك الأسبوع القادم بحضور زعماء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فرصة «ثمينة» لإجراء مشاورات على أعلى مستوى. وبحسب مصادر فرنسية، فإن القمة والمناقشات التي ستحصل خلالها ستبين بشكل أفضل ما إذا كانت موسكو «راغبة اليوم في التوصل إلى تفاهم» حول سوريا، «وما هي شروطها لذلك». وتنظر المصادر الأوروبية إلى التصريحات «المتضاربة» للمسؤولين الروس إزاء مستقبل النظام السوري على أنها «برهان على استمرار الجدل داخل دوائر القرار الروسي حول الخط السياسي الواجب اتباعه في هذه المرحلة».

وفي أي حال، تبدو المصادر الأوروبية متيقنة أن روسيا «غدا أو بعد غد»، ستكون مضطرة لإعادة النظر في سياسة الدعم المطلق لنظام الرئيس الأسد، «لأنها ستجد أن استمرارها في هذا النهج ستكون كلفته باهظة عليها»، إن في سوريا أو في مجمل المنطقة العربية.