محادثات اليونانيين العادية باتت تنتهي بالبكاء فزعا من المستقبل

أرقام البطالة المقلقة لا تتوقف عن الارتفاع.. والغالبية لا تتأمل شيئا من انتخابات الأحد

يونانيون متقاعدون يجلسون في ساحة قرب مبنى البرلمان بأثينا (نيويورك تايمز)
TT

في أي مكان آخر في العالم، قد تعد هذه الأمور علامات على التقدم: زيادة حركة المرور في الشوارع، وتراجع معدلات التدخين بشكل حاد وانخفاض كميات القمامة اليومية التي تنقل إلى مكبات النفايات.

لكن هذه هي أثينا، حيث تشير الإحصائيات الكئيبة إلى التراجع الحاد في مجتمع الطبقة الوسطى. ويخشى كثيرون من أن الانتخابات المقبلة، بما فيها اقتراع الأحد، لن توفر أي طريق واضح للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية المستفحلة في البلاد. فبداية من الضواحي الشمالية الغنية، وحتى الكتل الخراسانية الواقعة في الجنوب، يسود شعور عارم في البلاد بأن أثنيا تدخل مرحلتها الأخيرة.

وبينما كان واقفا وممسكا بشراب في يده خارج أحد مقاهي حي اكسارتشيا، قال أريس شاتزستيفانو، المخرج المساعد لفيلم «ديبتوكراسي»، وهو فيلم وثائقي مثير للجدل تم إنتاجه في عام 2011 عن الأزمة في اليونان: «إنها الأيام الأخيرة لبومبي». تمتلئ جدران حي اكسارتشيا برسوم الغرافيت، في الوقت التي لا تزال فيه الحياة الليلة في الحي من بين الأماكن القليلة التي يجد فيها الناس البهجة وسط هذا الجو من التشاؤم الذي لا ينتهي.

وبالنسبة للكثير من اليونانيين، لا يتمثل السؤال الملح حاليا حول أي الأحزاب سيفور بالانتخابات التشريعية المقبلة، حيث إن الشهور والسنوات المقبلة ستكون شديدة الصعوبة بغض النظر عن الحكومة التي ستدير شؤون البلاد. يتزايد قلق اليونانيون بصورة كبيرة حول ما إن كانوا أنفسهم - فضلا عن بلدهم - سيستطيعون الخروج من هذه الأزمة بمستقبل آمن أم لا.

يقول جيورجوس، 27 عاما، الذي أجل خططه لافتتاح متجر للزبادي المجمد، ولم يرغب في الكشف عن اسم عائلته، إن هذا الشعور بعدم اليقين يعد أمرا شديد السوء. ويضيف: «هناك شعور بالاكتئاب يسيطر على كل أصدقائي وكل المواطنين اليونانيين أيضا. إنهم يقولون دائما (لا أستطيع قبول هذا، فهناك حالة من الإحباط من الوظائف والأخبار والوضع الاقتصادي، هناك حالة من الإحباط في عائلاتنا، فضلا عن الإحباط والمشكلات التي تسود بين الأصدقاء)».

يضيف جيورجوس، الذي عاد لتوه من رحلة ليوم واحد إلى مدينة ميونيخ الألمانية، حيث قام بفتح حساب مصرفي هناك، مثل الكثير من الأشخاص في البلدان المثقلة بالديون: «لا أريد نقل كل أموالي إلى هناك، لكنني أيضا لا أريد أن أصبح فقيرا بين عشية وضحاها في حالة حدوث أي مكروه في اليونان».

للعام الخامس على التوالي، يضرب الركود اليونان المثقلة بالديون للمقرضين الأجانب. وأدت حالة عدم اليقين التي تسود البلاد، سواء الناحية السياسية أو الاقتصادية، إلى إصابة الاقتصاد اليوناني بالجمود، حيث انخفضت مرتبات القطاع الخاص بنسبة 22.5 في المائة في عام 2011، وفقا لإحصائيات «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية». وتشير الأرقام الجديدة التي صدرت الأسبوع الماضي إلى أن معدلات البطالة في اليونان قد وصلت إلى 22 في المائة، وأنها ترتفع إلى 30 في المائة تقريبا بين اليونانيين في الفئة العمرية من 25 إلى 34 عاما.

وهناك شعور كبير بأن تعرض البلاد لاضطرابات اقتصادية أكبر، أمر حتمي، مما دفع الشباب الحاصلين على مستويات عالية من التعليم إلى محاولة الهجرة من البلاد، بينما تقوم العائلات بعرض ممتلكاتها للبيع لسداد ديونها، فضلا عن توقف البنوك عن الإقراض منذ فترة طويلة، وهو ما يؤدي إلى انتهاء المحادثات العادية بين الأصدقاء بالدموع.

يعد صانع الأفلام الوثائقية شاتزستيفانو أحد المواطنين اليونانيين الذين يعتقدون بأنه ينبغي على اليونان التخلي طواعية عن اليورو والعودة إلى الدراخما، في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي المستمرة أن أكثر من 70 في المائة من اليونانيين يختلفون مع هذا الرأي. وتشير استطلاعات الرأي إلى تساوي حظوظ حزب «سيريزا» اليساري، الذي يرفض بشدة شروط خطة الإنقاذ الخاصة بتفادي الإعلان عن إفلاس اليونان، نظرا لأنها تفرض على البلاد إجراء خفض كبير في الموازنة فضلا عن القيام بتغييرات هيكلية، مع منافسه حزب «الديمقراطية الجديدة» المحافظ، مما يثير المخاوف من أن اليونان متجهة إلى الخروج من منطقة اليورو (تم إجراء هذه الاستطلاعات يوم 1 يونيو «حزيران»)، أي قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات وفقا للقانون.

لا توجد أي ضمانات على أن الانتخابات البرلمانية المقرر الأحد ستؤدي إلى إنهاء هذه الفترة الضبابية التي تمر بها البلاد منذ الانتخابات غير الحاسمة التي جرت يوم 6 مايو (أيار). قام اليونانيون بتأجيل اتخاذ كل القرارات الخاصة بهم نظرا لحالة القلق التي تساورهم حول مستقبلهم. ويقول ليفثيريس بوتاميانوس، وكيل عقارات: «كما لو أن الأوضاع لم تكن سيئة كفاية جراء هذا الركود، أصاب الجمود التام كل مناحي الحياة منذ الإعلان عن اليوم الذي ستجري فيه الانتخابات. لو استطاعت السوق أن تتكلم، لتوسلت لكي يتم تشكيل حكومة».

ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، تتزايد حالة الاستقطاب السياسي الني تشهدها البلاد بين اليسار واليمين. فمنذ الأسبوع الماضي، انشغلت اليونان بالحديث عن قيام إلياس كاسنيناريس، المتحدث الرسمي باسم حزب «الفجر الذهبي»، وهو حزب للنازيين الجدد معادي للهجرة، بالاعتداء الجسدي على نائبتين برلمانيتين تنتميان لليسار في أحد البرامج التلفزيونية على الهواء مباشرة، حيث قام بقذف المياه في وجه الأولى، بينما سدد سيلا من اللكمات العنيفة إلى وجه الثانية.

تهرب كاسنيناريس من إلقاء القبض عليه لعدة أيام، مما دفع النقاد للتشكك في وجود تواطؤ بين هذه المجموعة اليمينية المتطرفة والشرطة اليونانية، وهو ما نفته الشرطة جملة وتفصيلا. وفي تطور غريب للموقف، قام كاسنيناريس يوم الاثنين برفع دعوى قضائية ضد هاتين النائبتين اللتين قام بمهاجمتهما، مؤكدا أنه قد تعرض للاستفزاز منهما.

وما زالت الحياة مستمرة في اليونان، فلا يزال الحراس يقفون خارج مبنى البرلمان المحلي بتنوراتهم الشهيرة وأحذيتهم اللامعة ومدافعهم الرشاشة، بينما لا يزال السائحون يتجولون في الأكروبوليس والمقاهي تمتلئ بالزبائن. وبينما ترتفع درجات الحرارة، تقوم المحلات بعرض تشكيلة كبيرة من مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس.

وأكد أحد العاملين في هذه المحلات أن حركة البيع منخفضة بشكل عام، ولكن مستحضرات الوقاية من أشعة الشمس هي ما تدفع الناس إلى المجيء إلى المحلات. وقال أحد موظفي مركز «هوندوس» التجاري للتسوق: «إن الشاطئ هو الشيء الوحيد المتبقي لنا، حيث إنه لا يزال مجانيا».

وبالنسبة للآخرين، فكرة القدم هي الملاذ الأخير لهم، ففي المباراة الافتتاحية لكأس الأمم الأوروبية 2012، التي جرت يوم الجمعة، تمكنت اليونان، أسرع اقتصاد انكماشا في الاتحاد الأوروبي، من التعادل مع بولندا، أسرع الاقتصادات الأوروبية نموا. تجمعت الجماهير في أحد مراكز التسوق لمشاهدة المباراة، ورفعوا أياديهم في تعبير عن اليأس بعد أن تم إهدار ركلة الجزاء، بينما قام المدير الفني للمنتخب اليوناني بوضع يده على وجهه في لقطة استحوذت على الاهتمام في البلاد (يذكر أن منتخب اليونان قد خسر في مباراته الثانية أمام جمهورية التشيك).

تستمر الأزمة الحالية في تقويض الاقتصاد ومستويات المعيشة في البلاد، حيث تشير وسائل الإعلام اليونانية إلى انخفاض كمية القمامة التي يتم جمعها من منطقة أثينا الكبرى بنسبة 27 في المائة، فضلا عن التراجع الحاد في معدلات التدخين، حيث انخفض استهلاك السجائر إلى 2.3 مليون سيجارة في عام 2011، مقارنة بـ3.1 مليون سيجارة عام 2007، بينما تراجعت معدلات استخدام وسائل النقل الجماعي بشكل كبير.

وأثناء وجودهما في سوق اللحوم في أثينا في صباح أحد الأيام، أكد السيد يانولا والسيدة تاسوس سيسكوس، وهما عاطلان عن العمل ويبلغان من العمر 52 و57 عاما على التوالي، أنهما قاما باستخدام مترو الأنفاق في التنقل بين الضواحي لتوفير الأموال. تقول سيسكوس: «هذه هي المرة الأولى لنا في هذه السوق، حيث إن أسعار اللحوم هنا أرخص من السوبر ماركت». كانت سيسكوس تعمل خياطة بينما كان يانولا يعمل في مجال الإنشاءات، ولكنهما يؤكدان أن إعانات البطالة السنوية الخاصة بهما قد نفدت بالفعل، حيث تقول سيسكوس: «لدينا بعض الديون العقارية بالفعل ولكننا توقفنا عن السداد». وعند سؤالها عما إذا كان يساورها القلق حول المستقبل، رفعت سيسكوس عينيها وأطلقت تنهيدة طويلة بنبرة عالية، قائلة: «أوووووه»، وهو التعبير الذي تجاوز كل الكلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»