القادة العراقيون يخشون مثلث برمودا العراقي.. المربع الأول

تفجيرات «الأربعاء الدامي» جاءت على إيقاع الخلافات السياسية

TT

لم تهز تفجيرات «الأربعاء الدامي» في العراق العاصمة بغداد ونحو 6 محافظات ومدن أخرى فقط، وإنما هزت وبعنف هذه المرة قناعات كبار القادة السياسيين في العراق ممن يخوضون صراعا عنيفا الآن بين فريقين.. فريق يؤيد «سحب الثقة» عن رئيس الحكومة نوري المالكي.. تلك الحكومة التي يحلو للمالكي وفريق عمله تسميتها «حكومة الشراكة الوطنية».. وفريق يعارض مبدأ سحب الثقة رغم الاعتراف به دستوريا وكونه قاعدة أساسية من قواعد العمل الديمقراطي. وكلا الفريقين المؤيد والمعارض يمتلك عناصر قوة ونقاط ضعف. كما أن كلا الفريقين يعاني خروقات واختراقات ولكن في الإجمال لم تصل الخروقات والاختراقات إلى الحد الذي يمكن معه القول إن هناك اصطفافات جديدة تخطت البعدين العرقي والطائفي. فالتحالف الوطني (الشيعي) لا يزال يعلن أنه متماسك.

كما أن التيار الصدري الذي يعتبر الآن من الناحية العملية وكأنه يغرد خارج سرب هذا التحالف يحاول أن يدرأ عن نفسه التهمة التي بات يروج لها ائتلاف دولة القانون وهي «شق وحدة الصف أو البيت الشيعي». أما التحالف الكردستاني فإن أطرافه وبخاصة حزبيه الرئيسيين «الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس جلال طالباني، والديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني» يحاولان جاهدين التأكيد على وحدة الموقف الكردي وصلابة هذه الوحدة مع التذكير باستمرار أن هناك اتفاقية استراتيجية بين الحزبين وبالتالي فإن الخلافات بين الطرفين حول أزمة الثقة لا تتعلق بالبيت الكردي بقدر ما تتعلق بالبيت العراقي. أما القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور إياد علاوي فإن نقطة قوتها والمتمثلة بكونها عابرة للاصطفافات العرقية والمذهبية، وإن كانت تمثل بشكل من الأشكال السنة العرب.. نقول إن ما يفترض نقطة قوة فيها تحولت الآن إلى نقطة ضعف في ظل الأزمة الراهنة. فالعراقية التي تعتبر المتضرر الأكبر ما بعد انتخابات مارس (آذار) 2010 وجدت أن فرصتها الوحيدة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح تكمن في فك الشراكة الهشة مع رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.

وفي ظل هذه الموازنات الصعبة جاءت قبل أيام تفجيرات الوقف الشيعي. وجاءت من بعدها فيما عرف بالأربعاء الدامي وهو يكاد يكون رابع أربعاء دام في العراق منذ بدء الاستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة وهي تركيز الهجمات في يوم معين وفي توقيت محدد وعبر خريطة تفجيرات تشمل الكثير من المحافظات. هذه الهجمات التي تأتي في ظل أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات وهو ما يجعلها الأخطر في البلاد منذ عام 2003. ولذلك فإن المخاوف من عودة العنف الطائفي في البلاد أو مثلث برمودا العراقي الذي يخشاه الجميع وهو «المربع الأول» بلغة سياسيي ما بعد 2003 تكاد تجبر الجميع على تغيير العزف من وتيرة متصاعدة أحيانا إلى تخفيف نغمة العزف وإدانة الإرهاب بوصفه يهدف إلى تمزيق الوحدة الوطنية.

ومن خلال مستويات الإدانة التي يعبر عنها القادة السياسيون العراقيون لنوع وطبيعة التفجيرات فإنهم يكادون ينطلقون من لغة واحدة بدت مستهلكة إلى حد كبير للشارع العراقي. صحيح أن الأزمة الراهنة ألقت بظلالها على طبيعة الخطاب السياسي لكلا الفريقين من حيث إن فريق المالكي اعتبر أن الخلافات السياسية هي السبب، بينما رأى فريق زعيم العراقية إياد علاوي أن ما يحصل هو دليل على فشل الحكومة في مسك الملف الأمني. لكن كلا الفريقين يريد في النهاية البحث عن نقاط مشتركة مع جزء من الفريق الآخر لكي تستمر السفينة حتى لو كانت شبه مثقوبة. فالفريق المؤيد لرئيس الحكومة والمتمسك بنظرية عدم جدوى سحب الثقة يحاول أن يخترق الأطراف المؤيدة لسحب الثقة من أجل شراكة مناصب ومواقع حكومية لكي لا ينهار ما تم بناؤه أو الحصول عليه كمكاسب وامتيازات طوال السنوات التسع الماضية.

أما الفريق المعارض لرئيس الحكومة والمتمسك بنظرية سحب الثقة فإنه يعمل وبلا هوادة أيضا من أجل اختراق الطرف الآخر وبناء شراكة هي الأخرى لا تتعدى المناصب والمواقع الحكومية، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المدة المتبقية للدورة البرلمانية والحكومية لا تتعدى السنتين، وهو ما يعني عدم تحقيق متغيرات كبرى، لا سيما أن رئيس الحكومة البديل عن المالكي وهو من التحالف الذي ينتمي إليه المالكي «التحالف الوطني» سيكون رئيسا توافقيا للوزراء ليس أكثر. المحصلة النهائية لكل ذلك أن كل الأطراف تريد المحافظة على مسار السفينة «على علاتها» مع تغيير ربانها للفترة للمسافة المتبقية قبل رسوها عند ميناء الانتخابات القادم على أمل أن تتغير الخريطة السياسية بعيدا عن الاصطفافات العرقية والطائفية.