مسؤولون أميركيون يرجحون أن المروحيات المتجهة إلى سوريا كانت تخضع لأعمال صيانة في روسيا

توقعوا أن تكون أعادتها دمشق لموسكو من أجل إصلاحها ثم استردتها

TT

حينما اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، روسيا يوم الثلاثاء بإرسال طائرات هليكوبتر هجومية إلى سوريا والتي من شأنها «تصعيد النزاع بشكل هائل»، اعتبر هذا الموقف أكثر الانتقادات حدة من جانب إدارة أوباما لدعم روسيا للنظام السوري.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ما لم تقله كلينتون هو ما إذا كانت الطائرات جديدة، أو مثلما يرجح مسؤولو الإدارة، طائرات هليكوبتر كانت قد أرسلتها سوريا إلى روسيا قبل بضعة أشهر لإجراء إصلاحات روتينية لها وتجديدها، والتي قد حان موعد إعادتها الآن.

يقول مسؤول رفيع المستوى بوزارة الدفاع: «إنها تستغل ذلك لوضع الروس في موقف عصيب».

ويقول مسؤولون إن ادعاء كلينتون بشأن الطائرات الهليكوبتر يعتبر جزءا من جهد مدروس لزيادة الضغط على روسيا من أجل التخلي عن دعم الرئيس بشار الأسد، حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط. ويشار إلى أن روسيا ما زالت مرتبطة حتى الآن بنظام الأسد، وتخشى موسكو من احتمال أن تفقد تأثيرها في المنطقة في حالة الإطاحة به.

وكرد فعل على ادعاءات كلينتون، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الولايات المتحدة بالنفاق أول من أمس، قائلا إنها تزود بالأسلحة التي يمكن أن تستخدم ضد المتظاهرين في الدول الأخرى في المنطقة. وخلال زيارته إلى إيران، كرر لافروف ادعاء روسيا بأنها لا تزود دمشق بأي أسلحة يمكن استخدامها في إشعال حرب أهلية.

وقال لافروف: «نحن لا نزود سوريا أو أي دولة أخرى بالأشياء التي يمكن استخدامها في النزاع مع المتظاهرين السلميين، على عكس الولايات المتحدة، والتي تزود المنطقة بانتظام بمثل هذه المعدات». وخص بالذكر الأسلحة والمعدات التي تم إرسالها مؤخرا إلى «واحدة من دول الخليج العربي» - ربما في إشارة ضمنية إلى البحرين. «لكن لسبب ما، يعتبر الأميركيون هذا أمرا طبيعيا تماما».

وظلت سوريا لفترة طويلة حليفا قويا لروسيا وموقعا للقاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط. غير أن مسؤولين أميركيين قد حذروا الروس من أن خروج الأسد أمر محتوم ولا مفر منه، وأنه إذا كانت روسيا ترغب في الاحتفاظ بتأثيرها في سوريا، فإنها بحاجة لأن تكون جزءا من الجهد الرامي إلى الترتيب لتحول سياسي. إذا نظر إلى روسيا بوصفها شريكا في هجوم نظام الأسد على شعبه، على حد قول هؤلاء المسؤولين، فسوف يتجنبها أي نظام سوري جديد، وكذلك بقية دول العالم العربي، والتي تزلزل أوصالها أحداث العنف بدرجة متزايدة.

سلطت كلينتون الضوء على هذه النقطة في ملاحظاتها بعد مقابلة مع وزير خارجية الهند أول من أمس قائلة: «روسيا تزعم أنها ترغب في استعادة السلام والاستقرار. وتقول إنها لا تحمل ضغينة تجاه الأسد. كذلك، تزعم أن لها مصالح مهمة في المنطقة وعلاقات ترغب في الإبقاء عليها. إنها تضع كل هذا في خطر، إذا لم تتخذ خطوة أكثر إيجابية على الفور».

وعلى الرغم من أن ملاحظات كلينتون بشأن الطائرات الهليكوبتر أتت كرد على سؤال وجه في جلسة عقدت تحت رعاية معهد بروكينغز، فإنها كانت جزءا من مناقشة مطولة عن خيارات الغرب في التعامل مع الشأن السوري، ولم تبد عارضة.

ورفضت إدارة أوباما إعطاء تفاصيل عن طائرات الهليكوبتر، غير أن البيت الأبيض ومسؤولين استخباراتيين قد دعموا فحوى تعليقاتها. وذكر بعض المسؤولين أنه بصرف النظر عما إذا كانت الطائرات الهليكوبتر جديدة أم قديمة تم تجديدها، فقد كانت بمثابة أسلحة فتاكة حينما تم استخدامها ضد الشعب المدني الأعزل.

«ما قالته وزيرة الخارجية كلينتون كان استمرارا لما أخذنا نتحدث عنه مرارا وتكرارا»، هذا ما قاله المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، للصحافيين. وأضاف: «الموقف في سوريا مروع بشكل واضح. وحشية الأسد غير مقبولة. سوف يذكره التاريخ بوصفه طاغية بغضته أجيال من السوريين ضحايا وحشيته».

ربما كان التوقيت أيضا عاملا محفزا لكلينتون. ففي تعليقاتها، أشارت إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجب أن يحدد بحلول منتصف يوليو (تموز) ما إذا كان سيمد فترة التفويض الممنوح لخطة السلام التي تقدم بها كوفي أنان والمؤلفة من ست نقاط، والتي تضمنت فرض رقابة على الأرض من أجل محاولة ضمان التزام النظام والمقاتلين من الثوار بشروط وقف إطلاق النار. ويعتبر أنان هو المبعوث الخاص المشترك لكل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

تقول كلينتون: «بالتأكيد، ما لم تتخذ خطوة عاقلة في ذلك الحين، فسيكون من الصعب جدا توسيع نطاق مهمة تزداد خطورتها بالنسبة للمراقبين على الأرض».

وكانت وردت تقارير متفرقة منذ أبريل (نيسان) عن قصف صاروخي من قبل النظام السوري باستخدام طائرات هليكوبتر روسية الصنع وليس فقط باستخدام المدافع الرشاشة التي كانت تستخدم من قبل. وأظهر مقطع فيديو يصور إطلاق صواريخ من طائرة هليكوبتر بالقرب من حلب في مايو (أيار) الدخان المميز المتصاعد من ما يبدو أنها قذيفة، على الرغم من صعوبة التحقق من مصداقية تلك التسجيلات.

وتتعامل شركة أسلحة روسية حكومية، وهي «روسوبورون إكسبورت»، مع جميع أو معظم صادرات الأسلحة الرسمية، من بينها طائرات الهليكوبتر التي تنتجها مجموعة من الشركات في روسيا. وتعتبر شركة «روسوبورون إكسبورت» أيضا هي وكيل البيع الذي يتعامل مع تعاقد ممول من أميركا لإرسال طائرات هليكوبتر طراز «إم آي - 17» للجيش الأفغاني.

وقال متحدث باسم الشركة، يدعى فياتشيسلاف دافيدينكو، في حوار هاتفي أجري معه يوم الأربعاء، إن شركة «روسوبورون إكسبورت» تنفذ تعاقداتها بشأن سوريا لأنها لا تنتهك العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة. لقد قوضت روسيا أي جهود من قبل مجلس الأمن من أجل فرض عقوبات ضد سوريا.

وقال إن الشركة لم تقم بإدخال أي تعديلات على عملها في تجارة الأسلحة جراء العنف. إنها لا ترسل «أي موارد استثنائية أو تقوم بتسريع وتيرة تعاقداتها أو ترسل أي شحنات إضافية من الأسلحة». ولدى سؤاله عما إذا كان من الممكن أن تكون الطائرات الهليكوبتر في طريقها إلى سوريا بعد الإصلاحات التي أجريت عليها في روسيا. يقول دافيدينكو إنه «يبدو أن تلك هي الحال»، لكنه أشار إلى أنه ليس بوسعه التأكيد على صحة تلك المعلومة.

وتشير مصادر أخرى إلى أن ترسانة الأسلحة السورية قد تضمنت طائرات هليكوبتر هجومية روسية قبل فترة طويلة من اندلاع أحداث العنف. على سبيل المثال، أشارت «أرميد فورسيز ريفيو»، في مقال نشر يوم 6 يونيو (حزيران) إلى أن سوريا لديها 86 طائرة هليكوبتر طراز «إم آي - 24» و«إم آي - 25». علاوة على ذلك، فإن لديها عشرات من طائرات الهليكوبتر الأقدم طراز «إم آي - 17» والتي يمكن استخدامها في النقل أو كطائرة هجومية، بحسب مسؤولين بالجيش الأميركي.

وقال المحلل العسكري الروسي المستقل البارز، روسلان بوكوف، مدير مركز تحليل الاستراتجيات والتكنولوجيات، في حوار هاتفي إن سوريا قامت بشراء أسطولها من طائرات الهليكوبتر في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، ولم تقم بشراء طائرة هليكوبتر جديدة طراز «إم آي - 24» خلال ما يقرب من عشر سنوات على الأقل.

وعادة ما تجري شركة «روسوبورون إكسبورت» في روسيا عمليات فحص وإصلاح منتظمة للطائرات، بحسب بوكوف. وقد وقعت سوريا على هذا التعاقد «قبل بدء الربيع العربي»، ربما منذ أربع أو خمس سنوات، على حد قوله.

وتجرى عملية الصيانة اليومية لطائرات الهليكوبتر من قبل «مجموعات» من الفنيين الروس العاملين في سوريا، بحسب مسؤول رفيع المستوى بوزارة الدفاع. وبالنسبة للإصلاحات البارزة، ترسل الطائرة لروسيا في مجموعات، حيث يتم فحصها بعناية وإدخال الإصلاحات اللازمة عليها في فترات الصيانة المطلوبة، وتتم إعادتها إلى سوريا، بحسب بوكوف.

ويقول محللون أميركيون إن استخدام النظام السوري لطائرات الهليكوبتر لم يتسبب في تصعيد النزاع، ولكنه قد يصعب على الولايات المتحدة والدول الأخرى تجنب الانزلاق إليه.

وقال أندرو تابلر، خبير في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «لم يعد بإمكاننا أن نقول إن النظام لا يستخدم القوة الجوية ضد المدنيين»، وأضاف أن هذا «يجعل مناقشة التدخل وفرض (مناطق حظر جوي) أمرا وشيك الحدوث».

* ساهم في إعداد التقرير إريك شميت ومارك لاندلر من واشنطن وأندرو كرامر من موسكو، وإلين باري من موسكو، ونيل ماكفركوهار من بيروت، بلبنان.

* خدمة «نيويورك تايمز»