الحزب الحاكم في الصين يعاقب بصرامة أعضاءه المخالفين

نظام «شوانغوي» يشمل تعذيبا جسديا واستجوابا قاسيا.. وخضع له 800 ألف مسؤول خلال 5 سنوات

صورة لغرفة استجواب في مركز شوانغوي التقطها أحد المدونين (نيويورك تايمز)
TT

للعضوية في الحزب الشيوعي الصيني مميزات عدة. فعادة ما يتمتع المسؤولون بامتلاك سيارات حكومية وحسابات مصروفات ضخمة، فضلا عن احتمال تحقيق مكاسب من الانتماء لحزب يسيطر أعضاؤه على كل موقع نفوذ في الحكومة وأيضا على معظم الشركات الرابحة في الدولة.

لكن على الرغم من ذلك هناك جانب سلبي خطير. فحينما يثبت خرق أعضاء الحزب القواعد المعمول بها - أو حتى مجرد إثارة غضب مسؤول أعلى مقاما - قد يقعون في شرك نظام عقوبات صارم على الطراز السوفياتي، معروف باسم «شوانغوي»، والذي يشمل أشكالا وحشية من التعذيب الجسدي وفترات استجواب مستمرة من دون انقطاع يحرم خلالها المستجوبون من النوم.

ويبدو أن هذا على وجه التحديد ما حدث لبو تشيلاي، الذي كان في ما مضى واحدا من أكثر ساسة الصين جاذبية وطموحا. لم يظهر بو على الملأ منذ منتصف مارس (آذار)، حينما تم تجريده من منصب كرئيس للحزب في منطقة تشونغتشينغ الشاسعة الواقعة جنوب غربي الصين. وقد أدين لاحقا بارتكاب «انتهاكات» وتمت إقالته من المكتب السياسي للحزب.

لم يتمكن سوى عدد محدود ممن زج بهم إلى هذا النظام التأديبي من الخروج بسلام، هذا إن خرجوا بالأساس. وعلى مدار العقد الماضي انتحر مئات المسؤولين، بحسب روايات في وسائل الإعلام الحكومية، أو توفوا في ظل ظروف غامضة خلال أشهر من الاحتجاز في مواقع سرية. ويقول خبراء إنه بمجرد أن يحصل المحققون على اعتراف مرضٍ، بحسب خبراء، عادة ما يجرد المعتقلون السياسيون من عضويتهم في الحزب وتتم مصادرة ثروتهم. وتسلم قضايا منتقاة إلى المدعين العموميين الحكوميين لإجراء محاكمات سريعة تكون معلنة لعامة الشعب. ويقول دينغ زيكوي، وهو محام دفاع بارز هنا في بكين «كلمة (شوانغوي) وحدها كافية لجعل فرائص المسؤولين ترتعد خوفا».

وعلى الرغم من أن القيادة لم تكشف أي تفاصيل عن تحقيقها في قضية بو، يقول مطلعون إنها تضمنت مجموعة من الاتهامات، بينها الفساد والتجسس وعرقلة مسار العدالة لصالح زوجته، التي أدينت بتهمة قتل رجل الأعمال البريطاني، نيل هيوود. وذكر شخصان مطلعان على تفاصيل القضية أنه قد ضاعف من مشكلات بو جهده الرامي للارتقاء إلى المستويات العليا من السلطة وتأمين نفسه بتملق الجيش. وإضافة إلى المحققين من لجنة الانضباط التابعة للحزب، يلعب القسم السياسي بالجيش دورا في التحقيقات، بحسب المصادر.

وبالمقارنة، يتم التعامل مع القضية المقامة ضد زوجته، غو كايلاي، كقضية جنائية عادية، بحسب عديد من الأفراد الذين اطلعوا على تفاصيل التحقيقات. على الورق على الأقل، يضم نظام العدالة الجنائية في الصين المزيد من الإجراءات الوقائية ضد إساءة استغلال السلطة.

يعتبر نظام «شوانغوي» متأصلا في صميم نظام العدالة الاستبدادي القديم، واستخدم من قبل الجيش الأحمر لمعاقبة الضباط المتمردين صعبي المراس إبان الحرب الأهلية. وعادة ما يترجم المصطلح بمعنى «القانون المزدوج»، في إشارة إلى قانونين يلزمان أعضاء الحزب المتهمين بارتكاب انتهاكات بالظهور في زمان ومكان محددين للاستجواب. وعلى مدار العقد الماضي، أصبح هذا النظام يغلب عليه الطابع المؤسسي بصورة أكبر من خلال توجيهات أصدرها الحزب والتي حدت من بعض تجاوزاته.

وعلى الرغم من ذلك، فإن السرية والعزلة وأساليب التحقيق الصارمة تظل من أبرز سمات النظام، بحسب فلورا سابيو، الباحثة الزائرة بجامعة هونغ كونغ الصينية. ولم تتغير كذلك الأهداف الرئيسية لهذا النظام، ألا وهي انتزاع الاعترافات من هؤلاء المتهمين بانتهاك قواعد الحزب، من خلال الفساد المالي في الأغلب.

وقال سابيو إن السرية تهدف إلى حجب التفاصيل التي ربما تؤثر سلبا على صورة الحزب عن الجمهور والحد من أي أضرار تابعة يمكن أن تلحق بمن هم في مستويات أعلى في السلسلة الغذائية. وإذا ما اتخذنا من التاريخ دليلا إرشاديا، فإنه من غير المرجح أن يتم الإعلان عن الاتهامات الموجهة ضد بو على الملأ أو أن تفضي إلى توجيه اتهامات رسمية له.

«لكن، إذا كنت قد وقعت في براثن ثغرة قانونية أشبه بثقب أسود، فلن يمكنك مطلقا الفكاك منها»، هذا ما قاله سابيو، مشيرا إلى أنه ليس مسموحا للمحتجزين برؤية أفراد أسرتهم أو التعاقد مع محام.

وتقول «دوي هوا فاونديشن»، المنظمة الكائنة في سان فرانسيسكو والتي تحث على إدخال تغييرات على نظام السجون، إن الحرق بأعقاب السجائر والضرب وغيرها تعتبر أساليب شائعة لحمل المحتجزين على الاعتراف. يقول جون كام، المدير التنفيذي للمنظمة «النظام يذكرنا بأسلوب كتابات الروائي كافكا». وقال مسؤول سابق بمكتب الدعاية الإعلامية من مقاطعة تشجيانغ، والذي تم استجوابه قبل عشر سنوات، إنه قد أمضى ما يقرب من شهرين محبوسا في غرف فندقية، وتم جلده بهوائي تلفزيون وحرمانه من النوم لمدة 12 يوما إلى أن بدأ في الهلوسة. كانت النوافذ ملصقا عليها ورق حائط، كما تم إبقاء مصباح ذي ضوء أحمر موقدا طوال اليوم، على نحو يزيد من حالة التشتت الذهني.

يقول الرجل، الذي يبلغ من العمر 48 عاما والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأمله في أن يأتي اليوم الذي يستعيد فيه وظيفته الحكومية «في النهاية، كنت في حالة من الإنهاك الشديد، ووافقت على جميع الاتهامات الموجهة لي مع أن جميعها كانت زائفة». وقال الرجل إن الاحتجاز قد تم الترتيب له من قبل رئيسه، الذي كان غاضبا من أنه قد حاول التدخل في إجراءات التعيين المعتمدة على المحسوبية.

ثمة عدد محدود من الدراسات الرسمية عن نظام الاحتجاز، لكن بحسب وكالة الأنباء الحكومية، «شينخوا»، تمت معاقبة أكثر من 880 ألف عضو في الحزب بموجب هذا النظام خلال الفترة من 2003 إلى 2008. وليس من الواضح عدد الأعضاء الذين تمت إقالتهم من الحزب، لكن تقرير «شينخوا» ذكر أن 25 ألف مسؤول تمت مقاضاتهم جنائيا. ويضم الحزب الشيوعي 80 مليون عضو.

استغل بو بشكل متكرر هذا النظام في تشونغتشينغ أثناء قمعه للمجرمين وهؤلاء الذين اعتبروا معارضين سياسيين، مما أدى لآلاف المظاهرات وعدد من عمليات الإعدام. وكان من بين أعضاء الحزب المستهدفين بينغ تشانغجيان، نائب سابق لرئيس الشرطة، الذي بحسب وسائل الإعلام الإخبارية الرسمية توفي جراء أزمة قلبية أثناء التحقيق معه، وتشين هونغانغ، رئيس شرطة المرور بتشونغتشينغ، الذي أشيع عن وفاته بعد ارتطام رأسه بحائط.

أجريت كل التحقيقات من قبل اللجنة المركزية لفحص الانضباط، التي يجب أن يصدق على قراراتها كبار القادة. تورط في قضية شهيرة تنظر مؤخرا ليو تشي جيون، وهو وزير سكك حديدية سابق عجل بسقوطه تحطم مروع لقطار في ونزهو في يوليو (تموز) الماضي. وخلال إعلانها عن عزله من الحزب الشهر الماضي، وصفت وسائل الإعلام الإخبارية ليو بأنه «فاسد أخلاقيا». فبعيدا عن أخذه رشاوى تزيد قيمتها على 157 مليون دولار، قيل أيضا إن لديه عشرات الخليلات. وفي قضية أخرى، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق شو مايونغ، النائب السابق لعمدة هانغتشو، العام الماضي بعد اتهامه باختلاس أكثر من 32 مليون دولار.

ويمكن أن يقود الخروج عن المسار بطرق أخرى إلى مثل تلك التحقيقات: فقد حكم على لو جيانغبو، مدير إحدى القرى في فوجيان، بالسجن لمدة 11 عاما بعد تنظيمه مظاهرة مناهضة لعمليات الاستيلاء على الأراضي غير القانونية. ويقول عدد من الباحثين القانونيين الصينيين إن النظام لا يختلف عن عمليات إصدار الأحكام القضائية والاحتجازات بالخارج التي توظفها الولايات المتحدة في معركتها ضد الإرهاب. وعلى الرغم من أنه يجد الاعترافات تحت الإكراه مروعة، فإن هي جياهونغ، مدير كلية الحقوق بجامعة رينمين في بكين، قال إن نظام «شوانغهوي»، من خلال عمله بمعزل عن المحاكم المحلية التي يسهل التأثير عليها من قبل المسؤولين الحزبيين الذين يسيطرون على أموالها، كان أداة أساسية لمكافحة الفساد. وأضاف «مع انتقادنا هذا النظام لكونه خارج الإطار القانوني، فإنه على درجة من الفاعلية». ومثلما يقول القول الشائع، فإن «كل ما يحتاجونه هو ورقة وقلم وأفواههم».

وبالنظر إلى الكراهية واسعة الانتشار للكسب السياسي غير المشروع، من الصعب إيجاد تعاطف شعبي كبير تجاه هؤلاء الذين لاحقهم هذا النظام. وفي لفتة نادرة، دعت السلطات مدونا يدعى تشو زاهوكسيان، لتفقد مركز شوانغوي ذي الطراز الحديث في أبريل (نيسان) من عام 2011. وأظهرت الصور التي نشرها على الإنترنت - والتي قام بحذفها لاحقا - غرفا بها «أدوات متطورة» من المفترض أن بإمكانها كشف الكذب وغرف تحقيقات بها حوائط خاصة من أجل «منع الحوادث».

«لقد سمعت أن جميع المسؤولين الفاسدين الذين تم استدعاؤهم إلى مكان التحقيقات تم الكشف عن سلوكهم المثير للازدراء»، هذا ما كتبه تشو. وأضاف «لا تجعل أحدا يستدرجك إلى هنا. فإذا أتيت، ستصبح أيامك كما لو كانت أعواما». مع ذلك، لا يزال البعض يشك في ما إذا كان الرعب المرتبط بنظام التحقيقات يعتبر بمثابة عائق فعلي. وقال مسؤول شاب «نظام شوانغوي عديم النفع لأن الفساد مستشر في كل مكان». وأضاف «ربما يطبقونه على بعض القادة، لكن القادة الجدد سيكونون فاسدين مثلهم مثل القدامى».

* خدمة «نيويورك تايمز»