مود يعلن تعليق مهمة بعثته في سوريا بسبب «الخطر الكبير على المراقبين»

«الجيش الحر» يؤيد الخطوة ويطالب أنان بإعلان فشل مبادرته.. وأميركا تتشاور مع «شركائها» حول انتقال سياسي «قد يمنع حربا أهلية»

سيارة تابعة لبعثة المراقبين قرب فندق في دمشق ويبدو زجاجها مهشما أمس (رويترز)
TT

أعلن رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا الجنرال روبرت مود، تعليق عمل المراقبين في سوريا بعد التصعيد في أعمال العنف الأخير وعدم بحث الأطراف في حل سلمي للنزاع. وجاء في بيان صادر عن مود وزع على وسائل الإعلام أنه «حصل تصعيد في العنف المسلح في سوريا خلال الأيام العشرة الأخيرة، ما يحد من قدرتنا على المراقبة والتحقق والإبلاغ، أو على المساعدة في إقامة حوار داخلي وإرساء خطة للاستقرار، أي يعوق قدرتنا على القيام بمهمتنا». وقال: «إن غياب الإرادة لدى الطرفين للبحث في حل سلمي انتقالي والدفع في اتجاه تقديم المواقف العسكرية يزيد من الخسائر في الجانبين، فهناك مدنيون أبرياء، نساء وأطفال ورجال يقتلون كل يوم، وهذا يطرح أيضا مخاطر كبيرة على مراقبينا».

ولفت البيان إلى أنه «في هذا الوضع الذي ينطوي على مخاطر كثيرة، تعلق بعثة المراقبين الدوليين عملها، ولن يقوم المراقبون الدوليون بدوريات وسيبقون في مراكزهم حتى إشعار آخر، كما أنه سيمنع عليهم الاتصال بالأطراف المعنية بالنزاع»، مشيرا إلى أنه «ستتم إعادة النظر في هذا القرار بشكل يومي، وأن العمليات ستستأنف عندما نرى أن الوضع أصبح مناسبا لنا للقيام بالمهام التي كلفنا بها»، مجددا التأكيد على التزام المراقبين بالشعب السوري، وقال: «نبقى مستعدين للعمل مع كل الأطراف من أجل المساعدة على وضع حد للعنف وإعطاء دفع للحوار السياسي، ويبقى هدفنا عودة العمليات إلى طبيعتها».

إلى ذلك أكدت الناطقة باسم بعثة المراقبين أن «المراقبين سيبقون في سوريا لحين اتخاذ قرار نهائي بشأنهم، وأنه تم إبلاغ النظام السوري والمعارضة على السواء بتعليق عمل البعثة ولم يتم الرد من قبلهم على ذلك». وكانت بعثة المراقبين الدوليين وصلت إلى سوريا في 20 أبريل (نيسان) الماضي بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن، على أن تقوم بالتثبت من وقف إطلاق النار الذي أعلن في الثاني عشر من أبريل. وبلغ عدد أفراد البعثة 300. وهو العدد الذي أقره مجلس الأمن، إلا أنه لم يتم الالتزام بوقف إطلاق النار بتاتا.

وتعليقا على هذا التطور، اعتبر نائب رئيس الأركان في «الجيش السوري الحر» العقيد عارف الحمود، أنه «لم يعد هناك أي دور عملي لبعثة المراقبين الدوليين على الأرض في سوريا، لأن قوات النظام تمارس أعمال القتل بكل حرية سواء بوجود هؤلاء المراقبين أم بغيابهم». وأوضح الحمود لـ«الشرق الأوسط» أن «الجيش الحر يتحمل اليوم عبء المحافظة على حياة المراقبين كما حصل معهم في منطقة الحفة قبل أيام، عندما حاصرتهم القرى الموالية للنظام ورشقوهم بالحجارة والبيض ومن ثم أطلقوا عليهم الرصاص الحي، قبل أن تتمكن مجموعة من عناصر الجيش الحر من إخراجهم». وقال: «إن أفظع المجازر وأبشعها وأعنف المعارك حصلت بمرحلة وجود المراقبين على الأراضي السورية، وهذا خير دليل على عدم وجود أي تأثير لهم، ما يعني أنهم أصبحوا مجرد ستار يتوارى خلفهم المجتمع الدولي وخطة (المبعوث العربي والأممي) كوفي أنان، وإعطاء المزيد من الوقت للنظام السوري ليواصل أعمال القتل والتدمير». وأضاف: «نحن كجيش حر نؤيد قرار بعثة المراقبين بوقف مهمتها في سوريا، ونطالب في الوقت نفسه السيد كوفي أنان بأن يعلن فشل مبادرته، وأن يتوقف المجتمع الدولي عن البحث عن مبادرات أخرى شبيهة بالمبادرات التي أثبتت عقمها». مؤكدا أن «الحل في سوريا له سبيل واحد، وهو دعم الجيش السوري الحر بالسلاح والمال، لأنه الوحيد القادر على حسم الوضع العسكري على الأرض، بالاستناد إلى العدد الكافي لديه من الجنود والشباب المتطوع القادر على الدفاع عن سوريا»، مشددا على أنه «أمام هول المجازر وأعمال العنف ليس أمام الجيش الحر إلا أن يدافع نفسه وعن شعبه».

أما الناطق الرسمي باسم «لجان التنسيق في سوريا» وعضو المجلس الوطني السوري عمر إدلبي، فأشار إلى أن «هناك تقصيرا كبيرا اعترى عمل المراقبين، لا سيما عدم إشارة السيد روبرت مود بشكل واضح إلى من خرق الهدنة ولم ينفذ أي بند من مبادرة السيد كوفي أنان». وقال إدلبي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن مواقف مود وكوفي أنان كانت عبارة عن تصريحات دبلوماسية راعت النظام وسمحت له بارتكاب المزيد من المجازر في كل سوريا، واليوم يأتي تصريح مود الجديد ليساوي بين الضحية والجلاد، ونرى فيه الكثير من الإجحاف بحق الثوار والجيش الحر، ونعتقد أن من خرق الهدنة بشكل علني وفاضح طرف واحد وهو قوات وجيش وشبيحة النظام». وأضاف: «نحن نتخوف من أن يكون وقف عمل المراقبين فرصة للنظام لارتكاب مجازر جديدة لا سيما في حمص التي على ما يبدو يحضر لها شيء ما».

ومن جانبه قال البيت الأبيض أمس إنه يتشاور مع حلفاء دوليين بشأن «الخطوات القادمة» في الأزمة السورية بعد أن علق مراقبو الأمم المتحدة عملياتهم هناك ردا على العنف الذي تصاعد رغم وقف لإطلاق النار.

وقال تومي فيتور المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان «نناشد مجددا النظام السوري الالتزام بتعهداته بمقتضى خطة أنان بما في ذلك التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار».

وقال فيتور دون أن يذكر تفاصيل «في هذا المنعطف الخطير نحن نتشاور مع شركائنا الدوليين فيما يتعلق بالخطوات القادمة نحو انتقال سياسي يقوده السوريون دعت إليه قرارات لمجلس الأمن».

وأضاف قائلا: «كلما حدث هذا الانتقال سريعا زادت فرصة تفادي حرب أهلية طائفية دموية تستمر طويلا».

وأول من أمس، كانت الخارجية قالت: إنها تؤيد تصريحات الجنرال مود، في نفس اليوم، عن تدهور الوضع الأمني هناك، وقوله: «يبدو أن هناك انعداما في الرغبة في التحول السلمي».

وقالت: إن الجنرال مود سيكون في نيويورك يوم الثلاثاء لإطلاع مجلس الأمن على آخر التطورات في سوريا.

وفي إجابة على سؤال، في المؤتمر الصحافي اليومي، عن «توقع أشياء من المراقبين لا يقدرون على تنفيذها»، وإذن «ألم يكن هذا واضحا منذ البداية؟»، قالت: «لا أعتقد أن أي شخص توقع من المراقبين غير المسلحين، وهم مراقبون وليسوا قوات لحفظ السلام، أن يكونوا قادرين على المحافظة على السلام مع عدم وجود وقف لإطلاق النار». وأضافت: «كان متوقعا، عندما أرسلنا القوات أن خطة أنان المكونة من ست نقاط سوف يلتزم بها، بدءا بوقف إطلاق النار. لهذا، صار المراقبون يعملون في وضع مستحيل تنفيذ خطة لا تساعدهم حكومة الأسد على تنفيذها».

وبالنسبة لتقارير إخبارية عن سفن عسكرية روسية في البحر الأسود في طريقها إلى ميناء طرطوس لحماية عسكريين روس يتعرضون لهجمات من المعارضة السورية المسلحة، قالت نولاند إنها لا تستطع تأكيد الأخبار، وكررت موقف الخارجية الأميركية بأن تتوقف روسيا عن مد حكومة الأسد بالأسلحة التي تستعملها لقتل السوريين. وقالت: «يبدو أننا نتجه نحو حرب أهلية». وحملت نظام الأسد المسؤولية الكاملة. وقالت: إنه هو الذي «يحتفظ برجحان كفة القوة، ورجحان كفة أعمال العنف». في الجانب الآخر «يوجد المزيد من المعارضين الذين يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم».

من جهتها قالت وزارة الخارجية السورية إن «رئيس بعثة الأمم المتحدة في سوريا الجنرال روبرت مود أبلغ مساء أمس وزارة الخارجية والمغتربين بنيته تخفيف عمل المراقبين بشكل مؤقت بسبب ما وصفه بتصاعد العنف الذي يستهدف هؤلاء المراقبين»، مشيرة إلى أنها أخذت «علما بذلك» وأكدت للجنرال مود تفهمها لـ«القرارات التي يتخذها وخاصة تلك المتعلقة بالحفاظ على أمن المراقبين وتنفيذ مهامهم بالشكل المطلوب».

ومن جهتها، دعت تركيا، أمس (السبت)، مجلس الأمن إلى اتخاذ «إجراء جديد» يحول دون تدهور الوضع في سوريا، بعد الإعلان عن تعليق عمل بعثة المراقبين الدوليين في هذا البلد.

وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أغلو، في تصريح صحافي: «مع انسحاب (محتمل) لبعثة المراقبين، لا بد لمجلس الأمن من أن يقيم الوضع على الفور، وأن يتخذ إجراء جديدا لتجنب تفاقم المأساة الإنسانية» في سوريا.

وأضاف الوزير التركي أن «الإعلان عن هذا التعليق يأتي في الوقت الذي كنا نأمل فيه بزيادة عدد المراقبين وتأمين انتشار لهم أكثر فعالية على الأرض». ولم يكشف الوزير طبيعة الإجراء الذي يريده من مجلس الأمن.

كما تطرق داود أوغلو إلى المخاطر التي تهدد المراقبين، مما يستدعي قيام مجلس الأمن بإعادة تقييم «لضمان سلامتهم على الأرض عبر تفويض أكثر فعالية». وأعرب داود أوغلو عن القلق إزاء تزايد أعداد اللاجئين السوريين الفارين إلى تركيا. وقال إن «أعداد اللاجئين في تركيا تقلقنا كثيرا، خصوصا لأسباب إنسانية».

وفي غضون ذلك أفادت وكالة الأناضول أمس بأن ضابطا كبيرا انشق عن الجيش السوري، وانتقل إلى تركيا، ليرتفع إلى عشرة عدد الضباط الكبار المنشقين في الأراضي التركية. ولم توضح الوكالة هوية ومنصب الضابط السوري لأسباب أمنية.

واستقر الضابط الذي دخل تركيا مع عائلته في مخيم أبايدين بمحافظة هتاي، في موقع مخصص للمنشقين يبعد 4 كلم عن الحدود السورية.