تساؤلات حول عقد دفاعي بين شركة فرنسية وأخرى روسية تصدر السلاح للنظام السوري

مجموعة «روزوبورونكسبورت» مسؤولة عن 90% من الصادرات العسكرية الروسية

دبابة تابعة لقوات النظام السوري تجوب شوارع دمشق أمس (أ.ب)
TT

اختتمت مساء الجمعة فعاليات معرض «يوروساتوري» الدولي المتخصص بالشؤون الدفاعية (أسلحة البر والأنظمة المصاحبة) شمال باريس على خلفية جدل حول العقد الذي وقع بين شركة «طاليس» الفرنسية وشركة «روزوبورونكسبورت» الروسية الذي يتيح للثانية الحصول على كاميرات حرارية من الجيل الأخير لآلياتها من المدرعات والدبابات.

ويعود أصل الجدل للدور الذي تلعبه الشركة الروسية في تصدير الأسلحة إلى سوريا في غياب حظر دولي من مجلس الأمن الدولي.

وتعد هذه الشركة، بحسب المعهد الفرنسي للدراسات الدولية، «الذراع الضاربة» لروسيا في سوق السلاح العالمية، حيث إنها قامت العام الماضي بتسويق ما قيمته 10.7 مليار دولار من السلاح من أصل 13.2 مليار دولار وهي قيمة المبيعات الروسية الإجمالية عبر العالم. وكانت الشركة قد أنشئت بموجب مرسوم رئاسي وقعه فلاديمير بوتين في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2000 بحيث تحل مكان الشركات المتعددة السابقة. وللمجموعة الروسية الخاضعة مباشرة للسلطة السياسية في موسكو مكاتب في 44 دولة وهي تشرف على 1500 معهد ومؤسسة ومصنع ومكتب دراسي. وتركز المجموعة الروسية نشاطاتها على ثلاث دوائر جغرافية هي شرق آسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. وبالنظر لرغبة القيادة الروسية المعلنة بالعودة إلى استعادة دورها الاستراتيجي الماضي عبر إعادة تسليح روسيا، فإنها تلعب دورا استراتيجيا في «سياسة القوة» لسيد الكرملين القديم - الجديد.

وبالنظر لدورها في تصدير السلاح وللانتقادات الموجهة لروسيا بسبب استمرارها في تسليح النظام السوري، فإن العقد الموقع بين «طاليس» و«روزوبورونكسبورت» استحوذ على كثير من الاهتمام السياسي والإعلامي، خصوصا أنه جاء في وقت الكشف عن صفقة طوافات هجومية روسية في طريقها إلى سوريا. ومن جانب آخر، فإن العديد من المراقبين رأوا في العقد الموقع «ازدواجية للغة والسياسة الفرنسية» التي من جهة تدين القمع في سوريا وتريد تدابير إضافية بحقها بما في ذلك وقف تصدير السلاح إلى النظام السوري والسماح للشركة الروسية بالحصول على آخر التكنولوجيا الفرنسية في ميدان الكاميرات الحرارية التي تستخدم في العمليات القتالية.

وكان نائب وزير الدفاع الروسي ديمتري روغوزين قد حضر بصفة خاصة إلى باريس لتوقيع العقد مع شركة «طاليس» (شركة طومسون سابقا) التي تملك الدولة فيها حصة 27 في المائة.

وخلال الأيام الماضية وتحديدا منذ توقيع العقد، ركزت بعض الوسائل الإعلامية الفرنسية على موقف الدولة الفرنسية التي لها القدرة على وقف العقد لو أرادت. ومن الناحية التقنية، سيتيح العقد للمجموعة الروسية أن تجهز مدرعاتها ودباباتها للاستخدام المحلي ولكن أيضا للتصدير بالتكنولوجيا الفرنسية بحيث لا شيء يمنع أن تحصل سوريا على هذا النوع من السلاح الروسي المجهز بتكنولوجيا غربية، الأمر الذي يتناقض تماما مع دعوة باريس المتكررة لمنع تصدير السلاح للنظام السوري «الذي يستخدمه في قتل شعبه».

والواقع أنها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها إشكالية التعاون الدفاعي بين باريس وموسكو. ففي عام 2009، ثارت زوبعة سياسية عندما أعلنت باريس توصلها إلى تفاهم مع موسكو لبيعها حاملات طوافات من طراز «ميسترال» مع تجهيزاتها وهي أحدث ما أنتجته أحواض صناعة السفن الفرنسية العسكرية. وانصبت الانتقادات على الرئيس السابق ساركوزي ورئيس حكومته فرنسوا فيون من جورجيا التي غزت القوات الروسية جانبا من أراضيها في عام 2008 في حرب القوقاز ومن العديد من البلدان الأوروبية، لكن ساركوزي دافع عن قراره وتم السير في الصفقة.

وإزاء الانتقادات الموجهة للاتفاق، كان الرد الرسمي الفرنسي كما جاء على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس يومي الأربعاء والجمعة الماضيين، أن باريس «حريصة على ألا تصل إلى سوريا أسلحة تتضمن تكنولوجيا فرنسية». وأعلن فابيوس أنه طلب من دوائر وزارته أن «تتأكد» من هذا الأمر، وفي حال تبين العكس، فإنه سيطلب القيام بما يلزم. غير أن منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) التي اتهمت نظام الأسد بارتكاب «مجازر ضد الإنسانية»، دخلت على خط الجدل وتساءل إيمريك ألوين، أحد مسؤوليها عن «الضمانات» الصلبة التي تمنع وصول هذه التكنولوجيا إلى الجيش السوري. وردت «طاليس» بالقول إن إعادة تصدير أي تكنولوجيا فرنسية عسكرية «تتطلب الحصول على إذن» من الشركة، وإن ذلك «منصوص عليه في متن العقد». إلا أن أصواتا ارتفعت لتشكك بصدقية هذه الضمانات وتشير إلى أنه «سيكون من الصعب» على «طاليس» التحقق من هذا الأمر، وأنها لا تمتلك الإمكانات للتأكد من أن «مكونات» مما ستنقله فرنسا من تكنولوجيا متقدمة لن تجد طريقها إلى خارج روسيا التي لا تعرف حتى الآن بـ«شفافية» خاصة في قطاع تصدير السلاح.

وذهب مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش - فرع فرنسا» أبعد من ذلك حينما اعتبر أن المشكلة ليست في وصول هذه المكونات إلى سوريا أو لا، بل في ما قامت به «طاليس» التي «قبلت توقيع عقد مع شركة تصدر السلاح لدولة متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، الأمر الذي يعتبر غير مقبول لا سياسيا ولا أخلاقيا.