المصريون يدلون بأصواتهم ويسخرون من «الكنبة» و«الفلول» و«المرشد»

ناخبة: شبعنا من الكلام الفارغ.. ونحن اليوم أمام الاختبار الحقيقي

طوابير الناخبين أمام مركز اقتراع في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

كنبة ومقاطعة ومرشد وإخوان وفلول واغتيال.. مفردات زاحمت المصريين أمس وسخروا منها وهم يدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع لحسم جولة الإعادة في ماراثون الانتخابات الرئاسية، بين أحمد شفيق الذي يمثل الدولة المدنية رغم خروجه من عباءة النظام السابق، ومحمد مرسي الذي يمثل الدولة الدينية والذي لم يزل يرفل في عباءة جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن كونه مرشحها عن حزب الحرية والعدالة.

ورغم أن المصريين يخوضون اختبار سنة أولى ديمقراطية التي التحقوا بها عن جدارة بعد ثورة 25 يناير، فإنهم يستشعرون أن ثمة أسئلة وفجوات عديدة لم يتضمنها المقرر الدراسي، خاصة بعد أن اضطربت البوصلة بين الأحزاب والقوى والتيارات السياسية والتي أخفقت في التوافق على كتابة دستور جديد للبلاد، وأوصلت أول برلمان منتخب بعد الثورة إلى الحل على يد القضاء، وبين المجلس العسكري الذي استحوذ وحده على سلطة الحكم في البلاد بعد الإطاحة بنظام مبارك. ووقع في عدد من الأخطاء الفادحة، كان أبرزها تعطيل دستور 1971، والإعلان عن ميثاق دستوري بديل يحكم الفترة الانتقالية، شاب العديد من مواده اللبس والغموض.

اليوم وفي ظل يقين مشوش بأن مفاتيح اللعبة أصبحت في أياديهم، يجتهد المصريون أمام صناديق الاقتراع لسد هذه الفجوات، وسط واقع دولة يدركون أنها تتداعى على شتى المستويات، وثورة لم تؤت أكلها، بل أديرت بمنطق فاسد، وعادت أدراجها إلى المربع الأول.

بدافع من هذا اليقين طلب منا الرجل المسن أمام إحدى اللجان بمنطقة العجوزة بالقاهرة أن نساعده في معرفة رقمه بكشوف الناخبين المعلقة على جدران المدرسة مقر اللجنة قائلا: «عفوا يا ابني نظري ضعيف شوية»، ثم استطرد: «أنا موظف من حزب الكنبة، موظف على المعاش بس النهارده الكنبة راحت عليها، ما عدش ينفع الفرجة من البيت، البلد في مأزق خطير، وكلنا لازم ننزل ونشارك، صدقني مصير البلد أصبح بإيدنا، وهذا مكسب مهم من مكاسب الثورة».

حديث الرجل تناثرت أصداؤه في الطابور المخصص لكبار السن بمقر اللجنة، فانبرى ناخب بلحية بيضاء وقورة قائلا: «صوت كل واحد منا أمانة في عنقه، وكل واحد يختار المرشح الأكثر راحة لنفسه وعقله، واللي هينجينا هو التمسك بشرع الله». فرد عليه آخر بحدة: «حضرتك بتلمح لمرشح بعينه، وهذا سلوك غير ديمقراطي، كل واحد حر، المصريون مسلمون ومسيحيون متدينون بطبعهم، ومش محتاجين حد يعلمهم أيه هو الدين.. إحنا محتاجين حياة حرة وعادلة وكريمة، محتاجين نحقق أهداف الثورة اللي بيتم بيعها واغتيالها بأقنعة وشعارات زائفة». ولم يكد يصمت الحوار والهمهمات حتى انبرت سيدة مسنة تجلس في طابور النساء موجهة حديثها على نحو خاص للرجل الملتحي قائلة: «شبعنا كلام فارغ، كفاية فلول وطبول، وزفة كدابة، إحنا اليوم في اختبار حقيقي، إما نكون دولة محترمة، وشعب متحضر ومحترم، وإما نتراجع ونفضل ناكل في بعض عمال على بطال.. يا ناس الوطن أمانة، ومحدش بيضربك على إيدك، انت حر اختار اللي يريحك».

حديث السيدة المسنة وحماسها المشتعل لفت أنظار ضباط وجنود الجيش والشرطة الذين يؤمنون عملية الاقتراع باللجنة، فعلق ضابط شاب موجها حديثه لطابور الرجال والنساء قائلا: «مصر بلدنا وكلنا بنحبها، مش مشكل إننا نختلف، المهم إننا نحرص على بعضنا، ونعمل بجد». وحين قاطعه أحد الرجال قائلا: «إحنا مدينين بالشكر العميق لكم» رد الضابط مبتسما: «إحنا بنأدي واجبنا وأنا فرحان بيكم».. ثم أنهت السيدة المسنة هذا المشهد قائلة: «ربنا يحرس مصر ويعديها لبر الخير والسلامة».