أوباما يتطلع إلى حلول لدى ميركل

علاقتهما توطدت في ظل أزمة الدين وكلاهما يستعين بالآخر لتحسين وضعه الداخلي

ميركل تلقي كلمة خلال مؤتمر نظمته «المؤسسة الألمانية للشركات العائلية» في برلين الجمعة (أ.ف.ب)
TT

مع انتهاء مؤتمر قمة عقد في كامب ديفيد الشهر الماضي، وبينما يتجه قادة العالم الآخرون إلى مروحياتهم، قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بما أصبح يمثل عادة بالنسبة له إبان السنوات التي قضاها في البيت الأبيض: تخصيص وقت لحوار غير رسمي، ولكنه جاد في الوقت نفسه، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وبينما جلسا أمام طاولة خارج مقصورته وقت غروب الشمس خلف جبال مريلاند، أخذا يتبادلان الحديث حول الاجتماع، الذي وجدت ميركل فيه نفسها واقعة تحت ضغط شديد يدفعها لاتخاذ رد فعل أكثر حدة تجاه الأزمة المالية في أوروبا. وبحسب ما أدلى به أحد معاونيه، طرح أوباما على ميركل السؤال التالي: «هل تشعرين بالرضا عما وصلنا إليه؟». طمأنته ميركل إلى أنها لم تشعر بالارتباك من مطالب القادة الآخرين، بحسب مسؤولين. كان الموضوع الذي لم يتم التطرق إليه هو أن ألمانيا لا تزال غير مستعدة لاتخاذ الخطوات الحادة التي يرى أوباما وآخرون أنها مطلوبة للحيلولة دون تحول أزمات الدين في أوروبا إلى عاصفة اقتصادية عالمية.

ومن شأن انهيار اليورو أن يقوض الانتعاش الهزيل لأميركا ويطيح بآمال أوباما في إعادة انتخابه رئيسا. من ثم، يجد الرئيس الأميركي نفسه في هذا الوضع الغريب الممثل في توطيد علاقة مع ميركل والتي ربما تكون أفضل علاقة جمعته بأي قائد أجنبي، ولكن هذا لم يؤد بعد إلى موافقة المستشارة على الإجراء الذي يعتقد أوباما أنه ينبغي اتخاذه في أوروبا: تقديم حزمة إنقاذ وحافز مالي على الطراز الأميركي.

سيلتقي أوباما وميركل مجددا يوم غد الاثنين في اجتماع قمة مجموعة العشرين في المكسيك، مع زيادة المخاطر بالنسبة لأوروبا عما كانت عليه الشهر الماضي. ومع عقد اليونان انتخابات اليوم يمكن أن تعجل بخروجها من منطقة اليورو، وهو الكابوس الذي يقض مضاجع الأسواق المالية، ربما يكون الوقت قد فر من بين يدي أوباما للترويج لاقتراحه.

ليس ثمة دليل على أن ميركل أصبحت أكثر ميلا للأخذ بنصيحته. وفي خطاب أمام البرلمان الألماني الخميس، قالت ميركل إن العالم يجب ألا يتوقع من برلين أن تكون المنقذ لأوروبا، متجاهلة دعوات لإنشاء سندات يورو لمشاركة عبء الدين الخاص بدول البحر المتوسط.

وبصرف النظر عن حدة التوترات، يؤكد مسؤولون أميركيون وألمان أنهم لم يعكروا صفو الحوار بين أوباما وميركل - والذي تم عبر 12 مكالمة هاتفية ومكالمتين مرئيتين و3 اجتماعات وجها لوجه في هذا العام وحده. في كل حوار، على حد قول معاونيهما، كان ميركل وأوباما يبدآن من حيث انتهيا من قبل، متحدثين بالإنجليزية - بالمنطق السريع وبالابتعاد عن صغائر الأمور، وهو ما يكون متوقعا في المعتاد من حوار بين فيزيائي وأستاذ قانون.

يقول مايكل فرومان، نائب مستشار الأمن القومي الذي شارك في قمة كامب ديفيد: «إنه يكن لها جل الاحترام. فهي قريبة جدا من طابع الغرب الأوسط في أسلوبها: إنها توضح له على وجه التحديد ما يمكنها وما لا يمكنها القيام به وما ستفعله وما لن تفعله».

وبحسب معاونيهما، فإنهما يشتركان في نقطة أخرى. ويقول بنجامين رودز، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية: «كلاهما من أصل أجنبي: أميركي أفريقي من هاواي وامرأة من ألمانيا الشرقية». وهذا يجعل علاقتهما مختلفة تماما عن تلك التي قد أقامها الرئيس أوباما مع قادة أجانب آخرين - بدءا من التراشق الحاد مع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إلى المناقشات الجادة عن التعليم الجامعي مع رئيس كوريا الجنوبية لي ميونغ - باك. كما كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قال إنه يجد أوباما «باردا جدا». وبالنسبة لميركل، ربما يكون قليل من برود الأعصاب هو الحالة المناسبة لمناقشة قضايا مثار جدل مثل إعادة رسملة المصارف ومشاركة الدين والاندماج المالي.

والحقيقة ليست أن أوباما وميركل قد عجزا عن أن يظهرا مشاعر حميمية تجاه بعضهما البعض. وجاءت اللحظة الفارقة في علاقتهما العام الماضي عندما منحها ميدالية الحرية. وفي عشاء في «روز غاردن»، قدمت لها معجنات تفاح، على أنغام أغنية تغنى بها جيمس تايلور تحت النجوم. كانت الأغنية هي: «لقد حصلت على صديق».

استعاضت ميركل عن بدلتها العملية المعتادة بفستان سهرة أسود. وفي نهاية المساء، بحسب مسؤول، تحولت لضيفها قائلة: «في المرة القادمة التي تأتي فيها إلى ألمانيا، يمكنك أن تتحدث عند أي بوابة تختارها».

كان ذلك إشارة إلى البداية غير اللائقة لعلاقتهما في يوليو (تموز) 2008، عندما سعى أوباما، الذي كان وقتها مرشحا يسعى إلى تعزيز امتيازاته في مجال السياسة الخارجية، إلى إلقاء خطاب أمام بوابة براندنبورغ في برلين. وأعلنت ميركل وقتها عن رفضها لخطته الهادفة لاستغلال موقع يبث مشاعر الخوف في نفوس الألمان نظرا لأنه يحمل ذكرى تاريخية بالنسبة لهم. ونقل معاونو أوباما هذا الخطاب.

تصدرت أخبار خلافهما عناوين الصحف، غير أن اجتماعهما الخاص الذي عقد في مقر المستشارية في برلين سار على نحو أفضل. فبحسب مساعديها، ساورت ميركل الدهشة من درجة بعد السيناتور الشاب عن الشخصية السياسية التي قد صورتها وسائل الإعلام الألمانية. ورأت ميركل أوباما، مثلها، سياسيا يعنى بالتفاصيل.

غير أن العلاقة كانت لا تزال باردة، وفي اجتماع عقد في دريسدن بألمانيا، في يونيو (حزيران) 2009، خرج أوباما عن أسلوبه المألوف بانتقاد الصحافة لحديثها عن عدم الوفاق بينه وبين ميركل.

ومن دريسدن، سافر أوباما وميركل مع الناجي من محرقة الهولوكوست، إلى ويزل، إلى معسكر الاعتقال النازي السابق «بوخنفالد». كانت الرحلة بمثابة نقطة تحول في علاقتهما. فبدلا من التعامل مع المستشارة كممثلة لدولة مذنبة، كان أوباما يقظا، بل لعب دور الحامي لها من تدافع المصورين.

بالنسبة لميركل، تمثل كياسة الرئيس حافزا سياسيا بالنسبة للشعب الألماني الذي لا يزال مفتونا به. يقول غيرد لانغوث، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بون ومؤلف السيرة الذاتية لميركل: «استقبال أوباما المستشارة الألمانية بحفاوة في أميركا له تأثير إيجابي جدا في وطنها».

لكن الاحترام الجم المتبادل بينهما وعلاقة العمل البناءة لا يخفيان أوجه الاختلاف الجوهرية بين الفلسفات الاقتصادية الألمانية والأميركية، وفي أساليبهما المقترحة لحل أزمة الدين في أوروبا. فالولايات المتحدة تحث ألمانيا على قبول شكل من أشكال مشاركة الدين، والذي يعده كثير من الألمان مقيتا، وعلى تبني سياسة اقتصادية موجهة نحو النمو وليس إجراءات تقشف صارمة. ويقول لانغوث: «عندما يتعلق الأمر بالمذهب الكينزي والمديونية والحافز المالي، نجد أن ميركل لديها وجهة نظر مختلفة تماما، تعتبر وجهة نظر ألمانية تقليدية». وتلك أيضا هي وجهة نظر المنافس الجمهوري لأوباما في انتخابات الرئاسة، ميت رومني، الذي أحال الجدال الدائر حول أزمة اليورو إلى قضية تتعلق بحملة الانتخابات الأميركية. في الأسبوع الماضي، كتب غلين هوبارد، أحد المستشارين الاقتصاديين لرومني، افتتاحية في صحيفة ألمانية حث فيها الألمان على رفض نصيحة أوباما.

ويتحتم على ميركل التعامل مع الرأي العام المعادي لمنح حزمة إنقاذ لليونان، ناهيك عن إيطاليا وإسبانيا. يقول مستشارو أوباما إنه ملتزم بقيود سياسية محلية. وقال جاكسون جينس، المدير التنفيذي للمعهد الأميركي للدراسات الألمانية المعاصرة: «هناك منطق عدائي في موقفها. إنها تقول: (انظر، سيدي الرئيس، لدي بعض المشكلات التي أحتاج لحلها والتي لا تتوافق مع حاجتك لإعادة الانتخاب لمدة أخرى)». وبسبب كل هذه الخلافات بشأن أوروبا، يشترك الاثنان «في وجهة النظر نفسها على وجه التحديد» بشأن قضايا شائكة أخرى، من الصين وروسيا إلى إيران وأفغانستان، بحسب كلاوس سكاريوث، السفير الألماني لدى واشنطن حتى العام الماضي.في بعض الأحيان، ربما يظهران مثل زوجين يسخر كل منهما من فرط حساسية الآخر. أثناء سيرهما معا عبر أرجاء البيت الأبيض أثناء زيارة قامت بها بعد رحلة بوخنفالد، تبادل أوباما النكات مع ميركل التي عادة ما تتسم بالطابع العنيد الصارم بشأن حملة إعادة انتخابها. التقط ميكروفون تلفزيوني لاسلكي عبارة أوباما التي وجهها لميركل: «لقد فزت بالفعل. لا أعلم ما الذي يقلقك دائما على هذا النحو؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»