الأمير نايف.. سياسة «القوة الناعمة»

جمع بين اللين والحزم.. ووظف السياسة الخارجية في معالجة الملفات الأمنية

الأمير نايف بن عبد العزيز مع الأمير سلمان بن عبد العزيز
TT

ما بين الحزم والشدة، واللين والحلم، تمكن الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، بمهارة، من ترسيخ الأمن والقضاء على العديد من الفتن الداخلية والخارجية، طوال عقود من توليه مسؤولية وزارة الداخلية السعودية.

سياسة «القوة الناعمة» لوزير الداخلية، ظهرت جلية من خلال رؤيته الأمنية بجعل المواطن العربي رجل الأمن الأول، كما صرح خلال ختام اجتماعات وزراء الداخلية العرب في بيروت قائلا «إن مسيرة العمل في مجلس وزراء الداخلية العرب تسير بشكل موضوعي وواقعي، وحققت نجاحات أفضل، ولكن الهدف الأساسي أن نصل إلى أن نجعل المواطن العربي يؤمن ويقتنع بأنه هو رجل الأمن الأول، وأن الأمن والعمل هو من أجل أمن الوطن والمواطن».

وفي حنكة سياسية وأمنية منه بفهم تبدلات المنطقة العربية في ظل ظروف ما يسمى بـ«الربيع العربي»، صرح الأمير نايف بن عبد العزيز، في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 قائلا «إن بلاده مستقرة أمنيا، وتكفل لمواطنيها العيش بحرية من دون قيود على تحركاتهم، وذلك رغم الظروف المحيطة بها».

وقال الأمير نايف بن عبد العزيز خلال جلسة مباحثات عقدها مع رئيس وزراء المجر الدكتور فيكتور أوروبان والوفد المرافق له خلال زيارة إلى السعودية، إن بلاده تسعى دائما إلى السلم والسلام في العالم وتتمنى الاستقرار لجميع دول العالم ويؤلمها ما يحدث للعالم العربي هذه الأيام من اضطرابات، مشيرا إلى أن بلاده تسعى للتقليل من هذه المشاكل.

بالحزم واجه الأمير نايف بن عبد العزيز كل ما يقترب من أمن السعودية ومن رفاهية المواطنين، كما ظهر بأحداث عدة بدءا بتعامله مع الحجاج الإيرانيين، وجماعة «جهيمان» المسلحة في 1400هـ، عقب رفض كل محاولات حقن الدماء في الحرم المكي الشريف.

التصريح الحازم لوزارة الداخلية لأحداث «العوامية» الأخيرة في منطقة الشرقية، خير برهان على التعامل الحكيم من قبل رجال أمن وزارة الداخلية في إعادة الهدوء والاستقرار، حيث الجمع ما بين الحلم والحزم تجاه أي محاولة للمساس باستقرار المواطن، حيث تؤكد الوزارة من قبل أحد مسؤوليها أنها لن تقبل إطلاقا بالمساس بأمن البلاد والمواطن واستقراره، وأنها ستتعامل مع أي أجير أو مغرر به بالقوة، وستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه القيام بذلك، مهيبة في ذات الوقت بذويهم من العقلاء ممن «لا نشك في ولائهم أن يتحملوا دورهم تجاه أبنائهم، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وإلا فليتحمل الجميع مسؤولية وتبعات تصرفاته». إلا أنه مقابل الشدة والحزم والضرب بيد من حديد تجاه كل من يحاول الإخلال بالاستقرار، كان لجانب اللين والحلم مساحة كبيرة من شخصية رجل الأمن الأمير نايف بن عبد العزيز، تجسدت بإعطاء الفرصة والمناصحة وإصلاح من غرر بهم من الشباب السعودي من خلال برنامج المناصحة، الذي استند على سياسة الأمن الفكري والذي اعتمده وزير الداخلية السعودي، حيث مناصحة الموقوفين تزامنا مع إجراءات التحقيق، واشتمال البرنامج التأهيل النفسي والعلمي، ورعايتهم عقب انقضاء محكومياتهم.

لين الأمير نايف بن عبد العزيز في كلمة مرتجلة في 3 مارس (آذار) عقب ما سمي بثورة «حنين» والتي لم يخرج فيها سوى رجل واحد، كانت الأكثر تأثيرا لدى المواطن السعودي، حيث كان قد شكر فيها الشعب السعودي قائلا «لقد رفعتم رؤوسنا أمام العالم كله».

وأتت كلمة الأمير نايف بن عبد العزيز بمؤتمر العمل البلدي الخليجي السادس الذي نظمته وزارة الشؤون البلدية والقروية في بداية المؤتمر مرتجلة قائلا فيها «نعم، إنه شعب كريم ووفي متخلق بأخلاق الإسلام»، مهنئا قيادة هذا الوطن، بشعبه رجالا ونساء كبارا وصغارا، على وقفتهم الأبية الكريمة والوفية.

واستنكر خلال كلمته بحزم وشدة، ما أراده بعض الأشرار من جعل السعودية مكانا للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية، إلا أنهم كما قال «أثبتوا أنهم لا يعرفون الشعب السعودي. هنا شعب واع، شعب كريم، شعب وفي، لا تنطلي عليه الافتراءات».

من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب الذي كان يتولى الأمير نايف بن عبد العزيز الرئاسة الفخرية له، برز دوره الفاعل في السياسات الخارجية، من خلال عدة ملفات خارجية، كان أبرزها ملف العراق، واليمن، إضافة إلى المواجهات السعودية مع مجموعة من المتمردين الحوثيين عبر حدودها، بما في ذلك الملف البحريني مؤخرا.

نشأت فكرة إنشاء مجلس وزراء الداخلية العرب خلال المؤتمر الأول لوزراء الداخلية العرب، الذي عقد بالقاهرة عام 1977، وتقرر إنشاؤه في المؤتمر الثالث، الذي عقد بمدينة الطائف 1980، وقد صدق المؤتمر الاستثنائي لوزراء الداخلية العرب الذي عقد بالرياض عام 1982 على النظام الأساسي الذي تم عرضه على جامعة الدول العربية في سبتمبر (أيلول) 1982 حيث تم إقراره.

شهد الملف العراقي حضورا بارزا كأحد الهموم الأمنية الأبرز لوزارة الداخلية السعودية، منذ إطاحة الولايات المتحدة الأميركية بنظام صدام حسين 2003، بعد نشاط عمليات التهريب للأسلحة والمخدرات، إلى جانب تسلل المتعاطفين مع تنظيم القاعدة من وإلى السعودية. لتنتهي السعودية من إتمام الحاجز الحدودي بين السعودية والعراق، والذي يغطي مسافة 1200 كيلومتر بين البلدين، وهذا الحاجز الحدودي هو أحد حاجزين على الضفتين اللتين تثيران قلق الأمن السعودي، وهما اليمن والعراق. ويعد السياج الأمني السعودي، أحد الأنظمة الحدودية التي بدأت وزارة الداخلية السعودية ببنائها في خطة تهدف لحماية جبهتها الداخلية التي عانت كثيرا من تسرب عناصر من التنظيمات المسلحة إليها، خصوصا في ما قبل عام 2004.

وبلغت تكلفة بناء السياج الأمني مع العراق قرابة 900 مليون دولار، ضمن خطة الحماية الشاملة التي تتجاوز ما مجموعه 10 مليارات دولار لتأمين الحدود السعودية على أكثر من 70 في المائة من مساحة شبه الجزيرة العربية، وامتدت مدة التنفيذ للأنظمة الحدودية إلى قرابة 7 أعوام.

كما برز دور وزير الداخلية السعودي بشأن ضبط الحدود المشتركة السعودية - العراقية، وتعزيز الضبط الأمني مع الجار العراق، وذلك بحسب تصريح وزير الداخلية السعودي في 2010، الذي شدد فيه على أن أمن العراق واستقراره أمر حيوي لأمن السعودية، وخصوصا أن بين البلدين حدودا طويلة، بطول خطر التهريب، سواء للأسلحة أو المخدرات أو الإرهابيين، وهو أمر بحسب وزير الداخلية يهدد السعوديين بمقدار ما يهدد العراقيين، بحسب شواهد كثيرة، مضيفا أنه «لا خيار أمام العراقيين والسعوديين إلا التعاون الأمني». إلا أن تصريح ولي العهد السعودي الراحل كشف عن دور مهم في السياسة الخارجية، رغم ما يلفه من قلق أمني ظهر في كلمته، حيث قوله إن «بلاده على أتم الاستعداد من دون تحفظ للتعاون مع العراق أمنيا»، في سبيل مد يد المساعدة جراء الاضطرابات الأمنية.

وكان قد أكد وزير الداخلية في الاجتماع الأخير لوزراء داخلية دول جوار العراق بالبحرين أن الأجواء الأمنية بين السعودية والعراق تتجه للأفضل، قائلا «نحن نعذر العراق لاحتياجه الكامل للإمكانات الأمنية حتى يكون التعاون بالمستوى الذي يتطلع إليه الجميع».

وفي اليمن بدأت الداخلية السعودية بتنفيذ أكبر مشروع لها على حدودها مع اليمن، لمنع عمليات التهريب والتسلل من اليمن إليها، بخبراء عالميين ودراسات ومعدات متقدمة، من أجل القضاء على ظاهرة التهريب وتسلل اليمنيين إلى أراضيها، مستغلين التضاريس الجبلية الوعرة، والقرى الحدودية المتداخلة مع القرى اليمنية، حيث تمكنت دوريات حرس الحدود السعودي من إلقاء القبض على نحو 180 ألف شخص خلال عام 2010.

وعد مجلس وزراء الداخلية العرب، أفضل مجلس عربي في التعاون الأمني بين الدول العربية، من خلال حرص الأمير نايف على التعاون الأمني العربي باعتباره الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب وقائد منظومته.

بدأت سياسة الأمير نايف بن عبد العزيز، ودبلوماسيته الخارجية، في 2009 تجني ثمارها بدعم مجلس وزراء الداخلية العرب الإجراءات التي اتخذتها السعودية على شريطها الحدودي مع اليمن، للدفاع عن أراضيها، والتي بدأت عقب حادث التسلل الذي وقع داخل الأراضي السعودية من قبل الحوثيين وأسفر عن استشهاد رجل أمن سعودي وإصابة 11 آخرين من قوات الأمن السعودية. واستنكر المجلس محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.

ملفات مهمة ساهم وزير الداخلية السعودي بمتابعتها، سواء أكانت داخليا أم خارجيا، من بينها الملف البحريني في ظل ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وما شهدته البحرين من أعمال عنف من قبل مجموعة من المتظاهرين في العام الماضي والجاري أيضا، فخرج وزراء داخلية مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتأكيد على «عروبة الخليج العربي، وأنه سيظل كذلك»، مستنكرين في هذا الصدد التصريحات التي كان قد أدلى بها رئيس أركان الجيش الإيراني حول هوية الخليج العربي، باعتبارها تصريحات «استفزازية وغير مسؤولة وتتعارض مع مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبادئ منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة»، مثمنين التلاحم القوي القائم بين شعوب المجلس وقياداته في مواجهة الدعوات المغرضة والتدخلات الخارجية التي تستهدف وحدة دول المجلس وأمنها، ليختتم الوزراء الخليجيون اللقاء التشاوري الـ12 لوزراء داخلية الخليج الذي عقد في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، مرحبين بعودة الهدوء والاستقرار إلى مملكة البحرين.

وقد أدان الوزراء بشدة، التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، الذي يمثل «انتهاكا للمواثيق الدولية ومبادئ حسن الجوار»، بينما أكدوا مشروعية «وجود قوات (درع الجزيرة) في مملكة البحرين بناء على طلبها».

اعتبر الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز أفضل من سعى لتحقيق مستوى للتعاون الأمني العربي، كما يحسب له إنجاز الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب.

ومن خلال موقعه الأمني، نشطت جهود وزير الداخلية السعودي في الدبلوماسية الخارجية، لإعادة السجناء السعوديين، سواء أكانوا في معتقل غوانتانامو، أم السجون العراقية، الذين قدرت أعدادهم بـ1611 معتقلا، لتنتهي الأولى بالاتفاقية السعودية - الأميركية لاستعادة المواطنين السعوديين في 1424هـ، وصرح حينها وزير الخارجية الأميركي كولن باول بأن بلاده «توصلت إلى اتفاق مع الحكومة السعودية لاستعادة مواطنيها المعتقلين في القاعدة الأميركية بخليج غوانتانامو».

ونقلت وسائل الإعلام السعودية في وقت لاحق عن الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي قوله إن خمسة من المعتقلين السعوديين وهم جزء من قرابة مائة معتقل سعودي محتجزين في غوانتانامو جرى احتجازهم في السجون السعودية وسوف يحاكمون في الوقت المناسب، حتى لم يتبق من المعتقلين السعوديين في القاعدة الأميركية من بين مائة المعتقل، سوى قرابة 10 معتقلين.

وتقترب السعودية من توقيع اتفاقية أمنية مع بغداد لتبادل المحكومين والمتهمين، في خطوة لتسلم الأسرى السعوديين بالعراق.

من جهة أخرى، عني وزير الداخلية السعودي بمسؤولية بالغة بضمان أمن المواطن السعودي بالخارج، وكان أبرز ذلك تدخل الأمير نايف بن عبد العزيز في الدعوى القضائية الألمانية التي رفعت ضد الشيخ عبد الله بن جبرين، حين تلقيه العلاج في ألمانيا، والتي تضمنت اتهاما له بالتحريض على الإرهاب، قائلا حينها إنه وعد بـ«ألا يمس الشيخ جبرين بشيء»، لأن ما ذكر بحقه غير صحيح، وأنه لا يمثل أي مؤسسة رسمية سعودية، مضيفا أن «وزارة الداخلية معنية بالحفاظ على أمن المواطن السعودي، وضرورة أن نعرف الأصدقاء بالمواطن السعودي».