الأمير نايف بن عبد العزيز.. صانع استراتيجية تحجيم الإرهاب

TT

مثّل الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، رأس الحربة في الحرب على الإرهاب، فعلى مدى عشر سنوات تقريبا خاضت السعودية حربا ضارية ضد تنظيم القاعدة والجماعات التي تحاول زعزعة استقرار البلاد، وحازت المملكة خلال هذه السنوات نجاحات تجاوز بعضها المستوى الوطني إلى المستوى العالمي، حيث أحبط الأمن السعودي عددا من العمليات الإرهابية النوعية، كان بعضها موجها ضد قطاع الطاقة والنفط، كما استهدف البعض منها تفجير طائرات عابرة للحدود وتهديد أمن دول كبرى.

ويقول خبير استراتيجي سعودي إن الأمن السعودي بقيادة الأمير نايف بن عبد العزيز أحبط أكثر من 90 في المائة من العمليات الإرهابية، وهو رقم صعب في الحرب التي خاضتها السعودية ضد الإرهاب. وانعكست هذه النجاحات الأمنية المتلاحقة على الاقتصاد الوطني بشكل جلي، حيث زادت معدلات نمو الاقتصاد الوطني، وزاد دخول الاستثمارات الأجنبية، وتوسعت المشاريع وزاد الإنفاق، في الوقت الذي كان فيه الأمن السعودي يخوض حربا على الإرهاب على كل المستويات.

وخلال السنوات العشر الماضية نشر الأمن السعودي وبشكل دقيق أسماء أخطر المطلوبين الذي شكلوا العمود الفقري للتنظيم، ليس على مستوى السعودية فقط؛ وإنما على المستوى الدولي. وأعلنت السعودية خلال حربها على «القاعدة» خمس قوائم ضمت 213 مطلوبا أمنيا.

أمام ذلك، يقول الدكتور أنور عشقي، إن «الخطة التي اتبعها الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، لم تجعل الدولة في مواجهة الإرهاب، وإنما العدالة في مواجهة الإرهاب، حيث يلقى القبض على المتورطين في الأعمال الإرهابية، ويقدمون للعدالة، في الوقت الذي كسب فيه الأمن موقف المواطن، حيث لم تضار الأسر التي تورط أبناؤها في الإرهاب، بل كانت تعامل معاملة إنسانية، وتتوافر لها بعض الاحتياجات أو تسدد عنها الديون، وهو ما حجم أي حالة من التعاطف مع الإرهابيين».

ويضيف عشقي أن الأمير نايف استخدم نوعين من القوة في الحرب على الإرهاب، وهما القوة الضاربة في ملاحقة الإرهابيين وقتالهم والقبض عليهم وتسليمهم للعدالة، وضرب أوكارهم وتفكيك الخلايا، كذلك استخدم القوة الناعمة وهي المناصحة والمواجهة الفكرية مع المختطفين فكريا لتنظيم القاعدة، وإنشاء منظومة الأمن الفكرية التي حققت نجاحات ومكنت وزارة الداخلية من تحقيق ضربات موجعة للتنظيم بتحجيمه فكريا، وكشف الكثير من المعلومات التي سهلت في ملاحقة أفراده.

وأوضح عشقي أن الأسس التي وضعها الأمير نايف حققت الضربة الاستباقية. وقال إن السعودية كشفت أكثر من ثلاث عمليات إرهابية خطيرة على المستوى العالمي. ولفت إلى أن المملكة أصبحت مرجعا عالميا في الحرب على الإرهاب، ليس لدول المنطقة فقط وإنما للدول الكبرى.

وبين عشقي أن السعودية استثمرت في الحرب على الإرهاب بشكل مباشر، حيث أنفقت على الكثير من الأموال في بناء منظومة أمنية متكاملة، مما مكنها من ملاحقة قيادات وأفراد التنظيم، كما تمكنت من إحباط 90 في المائة من العمليات التي كان التنظيم يخطط لها على الأراضي السعودية. ويضيف أن هذا المستوى من الاحترافية الأمنية انعكس على الوطن بمختلف قطاعاته.

ووصف عشقي الأمير نايف بأنه كان مفكرا استراتيجيا من الطراز الأول «يخطط وينفذ ويتابع»، والأهم من ذلك «أنه وضع وزارة الداخلية كمنظومة أمنية تعمل بمنهجية أمنية واضحة حتى في حال تغير القيادة». وقال «بغياب الأمير نايف افتقدت السعودية الرجل الاستراتيجي الموجه».

وخلال سنوات الحرب على الإرهاب نفذ الأمن السعودي أعمالا ميدانية واستخباراتية عالية الدقة، مما مكن من كشف عناصر التنظيم وخلاياه وتحديد مدى خطورة هذه العناصر قبل أن تقدم على تنفيذ أعمال إرهابية. ومنذ بدء إعلان الرياض لقوائم المطلوبين أمنيا والتي كان آخرها في يناير (كانون الثاني) من عام 2011، لم يخرج أحد من هذه القوائم ويثبت أنه لم يكن على علاقة بـ«القاعدة» أو بالأعمال الإرهابية، أو أن اسمه وضع بشكل خاطئ في هذه القوائم، أو أنه بريء من التهم المنسوبة إليه. ويشار إلى أن عدد الذين ضمتهم القوائم السعودية الخمس يصل إلى 213 مطلوبا أمنيا.

جدير بالذكر أن «القاعدة» وخلال السنوات الخمس الماضية لم تتمكن من تنفيذ عملية نوعية واحدة داخل الأراضي السعودية، وهو ما يعني في البعد الأمني الدقة والمهارة التي اتبعتها الأجهزة الأمنية السعودية في كشف عناصر التنظيم وتحقيق الضربة الاستباقية التي اتخذها الأمن السعودي استراتيجية أمنية حققت الكثير من النجاحات في الحرب ضد الإرهاب. وهذه الرؤية حدت من خطورة عناصر التنظيم، ووضعتها تحت المراقبة الدقيقة، مما سهل ملاحقتها أمنيا للقبض عليها، أو مبادرة المدرجين على هذه القوائم لتسليم أنفسهم للأمن السعودي كما حدث مع كثير منهم بعد تدخل أقاربهم لدى الأجهزة الأمنية لتسهيل عودتهم.

كما حققت الاستراتيجية الأمنية التي اتبعتها وزارة الداخلية السعودية ضربة موجعة لتنظيم القاعدة خلال السنوات الست الماضية، حيث تلقى التنظيم ضربة أمنية كبيرة، وأصبح بقاؤه لا يعتمد على العناصر السعودية فقط التي أصبحت مكشوفة إلى حد كبير للأجهزة الأمنية، مما دفع التنظيم إلى التخلي عن الخيار بأن يكون جميع أفراده من السعوديين، وبدأ يعتمد على جنسيات عربية أخرى، وأخير لجأ إلى الإسلامية.