«الارتباك» ساد الشارع المصري.. و«التردد» لازم البعض حتى صندوق الاقتراع

الناخبون حاولوا استيعاب التجربة الجديدة بسلوكيات ومشاعر مختلفة

TT

قبل نحو 3 أسابيع، وقفت الفتاة العشرينية «عزة» في طابور انتخابي طويل للتصويت في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، وقد تهللت أساريرها، وتألقت عيناها من الفرحة وملأ وجدانها شعور الكرامة مع أول انتخابات حرة ونزيهة لاختيار رئيس مصر في أعقاب الثورة. لكنها بالأمس وفي جولة الإعادة تبدل حالها، حيث أصابتها حالة من الوجوم بسبب شعورها بأنها مجبرة على الاختيار بين مرشحين لا ترغبهما، وحتى خطواتها الأخيرة لصندوق الاقتراع لم تكن قد حسمت أمرها بينهما.

لا تسيطر تلك الحالة على «عزة» فقط، بل تطال ملايين الناخبين المصريين، عقب حكمي المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وعدم الإقرار بدستورية قانون العزل، وهو ما فجر مشاعر الخوف من ضياع الثورة، وشيوع حالة من الإحباط من عودة النظام البائد، ووضع كثيرين في وضعية التردد بين اختيار أحمد شفيق أو محمد مرسي.

وأمام تلك الحالة سيطرت الحلول المربكة على الشارع المصري، بين مقاطعة الانتخابات أو إبطال الأصوات أو الذهاب إجبارا للتصويت لأي منهما.

ويقول محسن توفيق (49 عاما)، موظف حكومي: «أنا محتار، ولم أحسم أمري. هل أصوّت لمرسي أم لشفيق؟ إذا قررت أن أنتخب مرسي أتذكر الأداء السيئ لنواب جماعة الإخوان، وإذا فكرت في التصويت لشفيق أشعر بالخوف من عودة النظام السابق». لافتا إلى أن خطيب أحد المساجد الصغيرة المجاورة لمنزله دعا عبر مكبر الصوت، عقب صلاة فجر اليوم الأول للتصويت، لانتخاب مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي قائلا «إن انتخابه نصرة لدين الإسلام».

وأمام إحدى اللجان بمحافظة المنيا (254 كلم جنوب القاهرة) والتي بدا عليها السلاسة وغياب الطوابير، قال حمدي الشيخ (34 عاما): «كنت سأصوت لشفيق ثم فكرت أن أصوت لمرسي.. لا أعرف كيف أريح ضميري».

ولازم التردد في التصويت لمرسي أو شفيق بعض الناخبين حتى صندوق الاقتراع. ويقول مصريون كثيرون إن جولة الإعادة جعلتهم أكثر حيرة ما بين الخوف من «دولة المرشد» واحتمال زيادة المشاكل الطائفية، والخوف من عودة النظام السابق.

ويقول أشرف سيد (41 عاما): «حتى اللحظات الأخيرة كنت مترددا.. لكني أمام ورقة الانتخاب اخترت المرشح الذي ارتحت إليه».

ويفسر الدكتور عمرو أبو خليل، الاستشاري النفسي، أن حالة التردد نابعة من كون التجربة الانتخابية أمرا جديدا على المصريين، بعد أن غابت المشاركة السياسية الفعالة والحقيقية على مدار 60 عاما، وهو ما يجعل البعض في حالة مرتبكة نتيجة تحمل المسؤولية الجديدة عليه.

وأوضح أبو خليل لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عوامل أخرى أدت لهذا المشهد «مثل ما تردده وسائل الإعلام والنخبة من كلام لا يفهمه المواطن البسيط، وبالتالي يحاول المواطنون استيعاب التجربة الجديدة بسلوكيات مختلفة، وجعل اختياره قائما على الانطباعات والعاطفة واتجاهات الرأي العام وما يردد في محيطه، وهو ما أدى في النهاية لتلك الحالة».

حلول أخرى سلكها مواطنون قرروا مقاطعة الانتخابات، ففي مدينة الإسكندرية وبعد أن أعلنت غالبية الائتلافات والقوى السياسية الثورية في المحافظة، مقاطعتها للانتخابات؛ لم يضيع الاسكندرانيون وقتهم، فحزم أغلبهم أمره وقرر قضاء اليوم الأول لانتخابات الرئاسة على الشواطئ، التي حققت لأول مرة منذ قيام ثورة 25 يناير، لقب «كاملة العدد».

ولم يقتصر الأمر على الاسكندرانيين، فكثير من مواطني المحافظات القريبة استغلوا كون يومي التصويت عطلة رسمية بالبلاد وأعدوا عدتهم للاتجاه إلى البحر المتوسط للهروب من حرارة الطقس، والابتعاد عن المشهد السياسي المرتبك، شجعهم على ذلك قيام الهيئة القومية لسكك حديد مصر بجعل السفر مجانا على القطارات العادية وبنصف الثمن على الدرجة المكيفة على جميع الخطوط يومي الانتخابات.