مصر: أبواب الخروج «الموصدة» تنذر بصدام بين «العسكري» و«الإخوان»

الجماعة متمسكة بالبرلمان المنحل.. والناخبون أقلية في جولة الإعادة

مصري يجلس تحت ملصقات انتخابية لمرشح الرئاسة الفريق أحمد شفيق بمقهى شعبي أمس (أ.ب)
TT

في يومي انتخاب رئيس للجمهورية في مصر كان الناخبون يخرجون من الأبواب نفسها التي دخلوا منها إلى مقر الاقتراع. وهذا أمر لم يكن ممكنا في أربع مرات اقتراع جرت منذ سقوط النظام السابق مطلع العام الماضي. كان إقبال الناخبين يجبر منظمي الاقتراع على تخصيص باب للدخول وآخر للخروج، أما في الانتخابات التي انتهت ليلة أمس، وبسبب ضعف الإقبال، فلم تكن هناك حاجة إلا لباب واحد للدخول والخروج.

ويقول المراقبون إن انحصار المنافسة على السلطة بين مرشح جماعة «الإخوان» ومرشح محسوب على الجيش، أصاب المصريين بالإحباط، بل إن حسن نافعة، المنسق العام السابق للجمعية الوطنية للتغيير، توقع «صداما وشيكا» بين الطرفين.

وأوصدت بعض مراكز الاقتراع في مصر أبواب الخروج أمام الناخبين الذين اقترعوا على مدار اليومين الماضيين لانتخاب خامس رئيس للجمهورية، في جولة الإعادة التي تنافس فيها الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والدكتور محمد مرسي مرشح «الإخوان».

وإذا تطور التجاذب بين أنصار التيار الديني الموالي لمرسي والتيار المحسوب على النظام السابق، بما يعني «انسداد باب المستقبل»، يمكن أن تتحول الأوضاع إلى عمليات عنف لا تحمد عقباها، وهو ما حذر منه بعض كبار المسؤولين المصريين في اليومين الماضيين.

وظلت أبواب الخروج في مراكز الاقتراع مفتوحة خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية العام الماضي، وانتخابات البرلمان بغرفتيه مطلع العام الحالي، والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، لكنها أغلقت في جولة الإعادة.

«لم يكن هناك داع لفتحها، فالإقبال محدود، كنا نفتحها لضمان سيولة حركة الناخبين لكن كما ترى لا يوجد إقبال اليوم». هذا ما قاله أمس ضابط الجيش المكلف تأمين مقر الاقتراع في مدرسة يوسف جاد الله بمحافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة المصرية القاهرة.

بدا الرصيف أمام عدد من مراكز الاقتراع خاليا إلا من بعض الناخبين والمارة، بعد أن شكلت طوابير المقترعين أبرز المظاهر التي أنتجتها ثورة «25 يناير (كانون الثاني)».

ويعزو الدكتور نافعة، وهو أيضا أستاذ للعلوم السياسية، ضعف الإقبال على جولة الإعادة، إلى «عدم قناعة الناخبين بالخيارين المطروحين عليهم (شفيق ومرسي). ويقول نافعة لـ«الشرق الأوسط»: «في اعتقادي، يرى الناخبون أن نتائج الجولة الأولى لم تعبر عن مصر الثورة، وبالتالي قرر بعضهم المقاطعة، بينما قرر آخرون إبطال الأصوات. هذا أمر سوف يمثل صفعة لشرعية الرئيس المقبل أيا كان».

ويبدو أن الأبواب الموصدة في مراكز الاقتراع مفتوحة على احتمالات غامضة تحيط بمستقبل البلاد التي دخلت دوامة من الفوضى السياسية طوال عام ونصف العام منذ الإطاحة بمبارك في 11 فبراير (شباط) 2011. وتعقّد المشهد السياسي المرتبك أصلا على خلفية حكم المحكمة الدستورية العليا قبل أيام بحل البرلمان المنتخب أخيرا. وبالإضافة لوعيد «الإخوان» بثورة عنيفة في حال تزوير جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، تنظر محكمة مصرية غدا قضية تتعلق بالوضع القانوني لجماعة الإخوان، وإمكانية اعتبارها جماعة غير شرعية، وهو ما يفتح باب التكهنات بشأن صدام محتمل بين جماعة الإخوان وحكام البلاد الجدد.

ويتوقع نافعة صداما وشيكا بين الإخوان والمجلس العسكري، ويقول: «حتى الآن هناك صراع محتدم.. خصوصا بعد أن قررت الجماعة خوض صراع إعلامي بشأن رفضها حكم حل البرلمان، في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية يمكن أن يتحول هذا الصراع إلى صدام، وسيندفع العسكر لتحجيم الجماعة أو محاولة إعادتها إلى الجحور، لكنه أمر لن يكون هينا هذه المرة».

وخلال العقود الثمانية الأخيرة، وهو عمر جماعة «الإخوان»، اصطدمت هذه الأخيرة بعنف مع الأنظمة الحاكمة غير مرة، وكان المشهد الافتتاحي لهذا الصدام ما حدث بين «الإخوان» والملك فاروق في الأربعينات من القرن الماضي، وانتهى باغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا، ثم تجدد الصدام في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وهو أكثر عصور الصدام دموية بين «الإخوان» والعسكر الذين تولوا حكم البلاد منذ عام 1952.

وتعافت الجماعة كثيرا خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق أنور السادات، قبل أن تدخل عصر مبارك حيث حافظت على براغماتية سياسية ضمنت لها الاستمرار والنمو، رغم تعامل النظام معها باعتبارها «جماعة محظورة»، إلى أن تم السماح لها بالعمل بشكل رسمي بعد ثورة «25 يناير»، وتأسيس حزب حاز على الأكثرية في البرلمان المنحل. ويقول المراقبون إنه رغم هذه التطورات، فإن لقب «الجماعة المحظورة» يمكن أن يعود في حال تصعيد الصدام بين الجماعة والجيش.