الأمير نايف في الليلة الأخيرة.. تعامل مع مرافقيه بأريحية وصدر منشرح

«المواطن رجل الأمن الأول».. مقولة عززت الثقة ودحرت الإرهاب

الامير سعود بن نايف يحمل جثمان الراحل لأداء الصلاة عليه في المسجد الحرام (واس)
TT

«المواطن رجل الأمن الأول» هذه المقولة الشهيرة التي كان يرددها كثيرا الأمير نايف بن عبد العزيز في لقاءاته ومجالسه، غدت الشعار الأمني الأول في السعودية، وأثرت في شخصية المواطن السعودي من خلال تعزيز الثقة في ذاته، التي كانت أحد أهم الأسباب في التصدي للإرهاب داخل السعودية من أبناء الشعب ذاته.

رحل الأمير نايف بن عبد العزيز، وبقي من أثره سيرة عطرة، يتسابق كل من عرفه في سردها. وعلى الرغم من كثرة الحكايات والروايات التي تصف شخصية صلبة كان هاجسها الحفاظ على الأمن والأمان، فإن جميع الرواة اتفقوا على أن المغفور له (بإذن الله) سيبقى شخصية خالدة سطرها التاريخ بين طيات كتابه، لتستفيد من خبراته دول عظام.

بقي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير للداخلية طوال 36 عاما، أشرف من خلالها بشكل خاص على مكافحة الإرهاب والتطرف منذ حادثة جهيمان مجرم الحرم المكي، وحتى دحر تنظيم القاعدة في المملكة، حيث تعهد بهزيمة المسلحين، من خلال قيادته لحملة أمنية ناجحة.

الخبر المفاجئ لوفاة الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وصفه الكثيرون من قادة الدولة وطلاب مدرسته الأمنية ومرافقيه بالمصاب الجلل، معتبرين وفاته خسارة كبيرة على كل المستويات.

قصة الليلة الأخيرة

* ومن جنيف يقول فهد النايف الشمري، الذي كان مرافقا للأمير نايف حتى وفاته في العاصمة السويسرية، أول من أمس، إن «ولي العهد مثال للبطل إلى أن توفاه الله»، مشددا على أن رحيل الفقيد «يمثل خسارة أمة، قبل أن يكون خسارة على مستوى وطنه وشعبه وأسرته». وزاد: «حتى الأرامل والأيتام سيبكون كثيرا بسبب فراق الإنسان نايف بن عبد العزيز».

واعتبر الشمري وفاة ولي العهد السعودي خسارة كبيرة على كل المستويات، مشددا على أن الدولة خسرت شخصا غير عادي، حيث كان من الأعمدة الأساسية في حكم البلاد، ويشهد له بالكفاءة البناءة منذ توليه المسؤوليات التي أوكلت له كونه رجلا في مستوى المسؤولية.

وقال إنه كان مع الأمير نايف في الليلة الأخيرة قبل أن يتوفاه الله في صباح اليوم الثاني، ووصف حالة الفقيد في آخر ليلة بأنها «عادية جدا، بل إنه كان منشرح الصدر، وعمد إلي بأريحية نايف بن عبد العزيز الإنسان الذي اعتاد عليه مرافقوه منذ سنوات».

من جهته، قال مشعل بن عون، وهو من قدامى مرافقي الأمير نايف: «كانت الليلة الأخيرة ليلة أنس وسعادة لن تبرح ذاكرتي ما حييت»، بينما قال متعب الهباس وهو من مرافقي الفقيد أيضا إن ولي عهد السعودية الراحل «حليم عطوف يتأثر عند علمه بالحالات الإنسانية التي تحتاج للمساعدة».

وأضاف الهباس: «كنا مع الفقيد نتابع قناة الإخبارية عندما عرضت حالة الطفل الكفيف، ليأمر فورا بتأمين كل ما يحتاج له الطفل هو وأفراد أسرته»، مشيرا إلى أن الأمير نايف «كان للكبير الأخ، وللصغير الأب».

كفاءة أبهرت العالم

* وفي السعودية، اعتبر اللواء محمد أبو ساق، عضو مجلس الشورى، الأمير نايف بن عبد العزيز رجل دولة من الطراز الأول، نظرا لما يحمله من حنكة سياسية، إضافة إلى الدور الأمني البارز الذي لعبه في حفظ الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية على مر العقود.

وعلى الرغم من أن السعودية شهدت على مر العشر سنوات الماضية، حملة إرهاب متصاعدة، إلا أن رجل الأمن الأول (كما يصنفه أبناؤه العسكريون)، الأمير نايف بن عبد العزيز، استطاع أن يسهم في بناء قوى الأمن السعودي، وتنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، وترجمتها إلى عمليات أمنية ميدانية، أبهرت العالم بكفاءة الأمن السعودي، وجاهزية قواته.

وأشار إلى أن الخطط الحكيمة في المحافظة على أمن البلاد، جعلت السعودية محط أنظار العالم، في قدرتها التغلب على حملة الإرهاب من قبل «القاعدة» ومن يساعدهم، لافتا إلى أن هذه البلاد، التي تمثل قارة، بمساحتها الشاسعة واجهت تحديات كبرى، كان من أبرزها هاجس الأمن.

وقال: «استطعنا من خلال الرؤية الملكية السديدة، وقيادة الأمير نايف بن عبد العزيز لقوى الأمن السعودي، أن نعيش بأمن وأمان واستقرار وأن نقدم المشورة في مجال مكافحة الإرهاب، وأن تحظى هذه البلاد باحترام كبير من قبل كثير من المهتمين بشؤون الأمن في العالم».

وأضاف: «الأمير نايف بن عبد العزيز صاحب فكر، إلى جانب أنه رجل متوسع في معارفه وعلاقاته وقدرته على استقراء الأحداث واتخاذ القرار الصائب، فهو من الرجال الحكماء النادرين في صفاته، عاصر بناء السعودية خلا الستة عقود الماضية والذي كان أحد أهم أركانها، مما تكونت في صفاته القيادية والسياسية والأمنية والوطنية الحكيمة».

رجل استثنائي

* ومن جهته، أكد اللواء إبراهيم الحمزي مدير شرطة العاصمة المقدسة أن بوفاة الأمير نايف بن عبد العزيز فقدت الأمة رجل استثنائي على جميع الأصعدة، سواء كان على صعيد الأمني أو على الصعيد الاجتماعي أو الإنساني.

وأكد أن نجاح مهمات الحج كانت ترتبط بمشاركة الأمير نايف، فكل نجاح وتطوير سجل في تطوير أعمال الحج لا يعود لكونه رئيس اللجنة العليا للحج، وإنما لاهتمامه البالغ بكل منجز سجل في الحج سواء كان عبر مشاريع الحج، أو الأعمال الأمنية الميدانية، أو عبر مجال تخطيط الحج أو تحديده وتطويره.

وأوضح أن من شدة اهتمام الأمير نايف بن عبد العزيز بنجاح موسم الحج على أكمل وجه، كانت تعقد اللجنة الأمنية العليا للحج في كل عام بعد أسبوع واحد من انقضاء الحج، استعدادا للحج المقبل.

وقال: «اعتاد الأمير نايف بن عبد العزيز في بداية العشر الأواخر من رمضان، في كل موسم عمرة بمجرد سلامي عليه واستقباله من باب السيارة على سؤالي عن وضع المعتمرين، وكيفية حركة المرور حول الحرم. وكان حريصا جدا على سماع كل صغيرة وكبيرة».

وأضاف: «آخر مرة قابلت فيها الأمير نايف كانت في عيد الحج في مكتبة بجدة، أثناء استقباله القيادات الأمنية، وأثناء سلامي عليه تعمد أن يستوقفني لمدة دقيقتين، شد فيها على يدي وشكر شرطة العاصمة، وبقية المنظومة الأمنية، على الجهود المبذولة في موسم الحج، والنجاح الذي تم تحقيقه».

المشاركة في الميدان

* ووصف اللواء خضر الزهراني، مساعد مدير عام الأمن العام الأمير نايف برجل الأمن الأول في السعودية، مشيرا إلى أن ولي العهد قضى عمره كاملا في خدمة الأمن، وخدمة المواطن السعودي، واستطاع أن ينجح في تشكيل منظومة أمنية أصبحت محط نظر العالم، مكنتهم من الاستفادة منها.

وقال: «الأمير نايف مدرسة للجميع فيما يتعلق بالنواحي الأمنية، فكل مقر أمني، وكل رجل أمن، يحمل بصمة من بصمات الأمير نايف. ومنذ أن بدأت عملي من 33 عاما، وأنا أراه يشاركنا ميدانيا في أعمال الحج، ويشرف بشكل شخصي على الخطط، ويتأكد منها في حال وجود أمور تحتاج إلى نوع من الاهتمام».

وأضاف: «كان ولي العهد من أكثر الناس حلما وسعة صدر لمن يتخاطب معه، ولا يتحدث عن أي شيء إلا بعد تفكير عميق، وإذا تحدث، لا يتحدث إلا بحكمة، وعلى الصعيد الشخصي أذكر إنني في يوم من الأيام كان لدي الكثير من الأمور المعلقة، لم يعالجها سوى الأمير نايف بسعة صدر وحكمة وإيضاح للخطأ».

أما على صعيد العمل، يؤكد اللواء خضر الزهراني أن الأمير نايف بن عبد العزيز كان شديد الحرص على الاطلاع ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في الدولة، والتأكد من الجاهزية الكاملة، ومن أن الأمور تسير في أعلى درجات الأمن والأمان التي يمكن أن يقدمها الجهاز الأمني للمواطنين وللمقيمين على هذه الأرض الطيبة.