الفرنسيون يعطون رئيسهم الاشتراكي أكثرية مطلقة لتطبيق برنامجه

حفيدة جان ماري لوبين تفوز بمقعد.. وسيغولين رويال تخسر المنافسة

مايرون ماريشال لوبين مرشحة اليمين المتطرف تصافح موظفا انتخابيا داخل مركز اقتراع بجنوب فرنسا أمس (أ.ب)
TT

منح الفرنسيون الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند أكثرية نيابية مطلقة، إثر الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت أمس. ووفق النتائج الأولية التي توافرت عند الساعة الثامنة مساء، فقد حصل الحزب الاشتراكي (مع شريكيه التاريخيين) ومن غير حلفائه «الخضر» ونواب اليسار الراديكالي، على 314 مقعدا، ما يوفر للرئيس هولاند الوسائل اللازمة لتنفيذ البرنامج الذي انتخب على أساسه في 6 مايو (أيار) الماضي. ومع هيمنة اليسار على مجلس الشيوخ، فإنه يضع يده على السلطة التشريعية (مجلسا الشيوخ والنواب) والتنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) فضلا عن سيطرة اليسار على غالبية كاسحة من المجالس الإقليمية والمحلية.

وتراجعت نسبة المشاركة في الدورة الانتخابية الثانية بشكل غير مسبوق؛ إذ بلغت 44.5 في المائة (بزيادة نقطتين مقارنة بالدورة الأولى). وكانت أعين المراقبين منصبة على نسبة المشاركة لما لها من انعكاسات مفترضة على نتيجة الاقتراع. ويرجع المراقبون ضعف المشاركة إلى أن الفرنسيين يعتبرون الانتخابات الرئاسية «أم المعارك» وبالتالي يعتبرون أنه من «الطبيعي» أن تتراجع المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تأتي مباشرة بعد المنافسة الرئاسية.

ولم ينجح اليمين ممثلا في اتحاد الحركة الشعبية في حرمان الاشتراكيين من الحصول على الأكثرية المطلقة؛ لا بل إن اليمين التقليدي مني بهزيمة كبرى؛ إذ لم يحصل إلا على 213 مقعدا بينما كان يتمتع بالأكثرية المطلقة في البرلمان السابق. وحصل حزب الوسط الجديد، وهو شريك لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، على 13 مقعدا.

وجديد هذه الانتخابات يتمثل في عودة اليمين المتطرف إلى الندوة النيابية؛ إذ حصل وفق النتائج الأولى على مقعدين. وبينما تضاربت الأنباء حول مصير زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبين في الانتخابات، أكدت القناة الأولى الفرنسية خسارتها في الانتخابات. لكن استطاعت قريبتها الشابة مايرون ماريشال لوبين إبقاء اسم العائلة في الصدارة، وهي حفيدة مؤسس الحزب المتطرف جان ماري لوبين؛ إذ فازت بمقعد في البرلمان لتكون من بين أصغر النواب الفرنسيين، وعمرها 22 عاما.

ورغم ضآلة عدد مقاعد اليمين المتطرف العائدة لطبيعة النظام الانتخابي القائم على نظام الأكثرية والدائرة المصغرة والدورتين الانتخابيتين، فإن نجاح اليمين المتطرف في إيصال ممثلين عنه يعد اختراقا سياسيا ستكون له تبعاته في إعادة تركيب المسرح السياسي الفرنسي.

ومقابل اليمين المتطرف، فإن اللافت كان تراجع طموحات اليسار الراديكالي الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون الذي خسر المنافسة أمام مارين لوبين. وكان هذا التيار يطمح للفوز بـ15 نائبا على الأقل حتى يكون بمقدوره أن يشكل كتلة نيابية مستقلة في البرلمان. أما الطامة الكبرى، فقد حلت بحزب الوسط بزعامة المرشح الرئاسي الآخر فرنسوا بايرو الذي لم يكن فوزه مؤكدا في الجولة الثانية.

أما حلفاء الحزب الاشتراكي من الخضر، فقد حصلوا على 20 مقعدا؛ الأمر الذي سيمكنهم من تشكيل مجموعة مستقلة في البرلمان (15 نائبا). ولم تأت نتيجة اليسار الراديكالي على مستوى تطلعاته؛ إذ فاز بعشرة مقاعد؛ الأمر الذي سيحرمه من تشكيل مجموعة نيابية.

ونجح كل الوزراء الـ19 في الاختبار الانتخابي بعد أن فاز ستة من زملائهم من الدورة الأولى؛ على رأسهم جان مارك أيرولت، رئيس الحكومة. وكان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب الوسط فرنسوا بايرو الذي خسر مقعده النيابي الذي كان يحتله منذ سنوات. ويعزو المراقبون هزيمة بايرو لدعمه هولاند قبل الجولة الرئاسية الثانية. ويبدو أن ناخبي اليمين في دائرته لم يغفروا له تفضيله فوز المرشح الاشتراكي على حساب مرشحهم.

أما الخاسرة الكبرى فهي سيغولين رويال، رفيقة درب الرئيس هولاند السابقة التي اختارت مدينة لا روشيل (غرب) دائرة انتخابية لها. وفي الأيام الماضية، تسببت رويال في أول أزمة سياسية وشخصية للرئيس هولاند الذي أعرب عن تأييده لها فيما أيدت رفيقة دربه الحالية فاليري تريفيريلر منافسها المرشح الاشتراكي المنشق. وأثار موقف تريفيريلر استهجان قادة الحزب الاشتراكي بينما رفض هولاند التعليق علنا على الحادث. واعترفت رويال بهزيمتها قبل الموعد الرسمي للإعلان عن النتائج (الثامنة مساء). وكانت تأمل أن يمكنها نجاحها من الوصول إلى رئاسة الجمعية الوطنية.

وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة، يهيمن اليسار الاشتراكي على كل مفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية في فرنسا؛ حيث إن ما يتوفر اليوم لهولاند لم يتوفر للرئيس الاشتراكي الأول فرنسوا ميتران؛ فاليسار يمتلك الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلا عن رئاسة الجمهورية والحكومة. يضاف إلى ذلك، سيطرته على غالبية المجالس المحلية في الأقاليم. وحاول اليمين الفرنسي أن يستخدم هذه الورقة فزاعة يخيف بها الفرنسيين، إلا أن هؤلاء فضلوا أن يعطوا العهد الجديد الأكثرية التي يحتاج إليها لممارسة الحكم، بدل إيصال أكثرية يمينية إلى مجلس النواب مما كان سيعني قيام صيغة «تعايش» بين رئيس اشتراكي وحكومة يمينية. ومع هذه الأكثرية، يستطيع هولاند أن يحكم فرنسا على هواه طيلة خمس سنوات هي مدة الولاية الرئاسية بغض النظر عما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأوروبية والبلدية والإقليمية المقبلة.

ومنذ الصباح الباكر، سارع الفرنسيون في التوجه إلى المكاتب الانتخابية لاختيار 541 نائبا (من أصل 577 نائبا) بعد أن فاز 36 مرشحا من الدورة الأولى بينهم عدد من الوزراء وأولهم جان مارك أيرولت، رئيس الحكومة نفسه.

وفي الأسبوع الماضي الفاصل بين الدورتين الأولى والثانية، سعى معسكرا اليمين واليسار إلى تعبئة أنصارهما.. وفيما يريد الاشتراكيون الحصول على الأكثرية المطلقة، سعى اليمين إلى الحد من خسائره وإيصال أكبر عدد ممكن من ممثليه إلى البرلمان، رافضا ما يسمى «الجبهة الجمهورية» التي تعني أن ينسحب مرشحو اليمين من المنافسة في حال أدى ذلك إلى إيصال مرشح جبهة اليمين المتطرف أو إلى التصويت لصالح مرشح اليسار. والحال أن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي تتنازعه حرب داخلية، رفض تبني «الجبهة الجمهورية» كما رفض الدعوة للاقتراع لصالح اليمين المتطرف. غير أن مرشحين محسوبين عليه أبرموا سرا أو علنا اتفاقات مع حزب مارين لوبين، زعيمة الجبهة، سعيا وراء الحصول على الأصوات التي تنقصهم للوصول (أو العودة) إلى الندوة النيابية.