حنكة نايف وظفت السياسة الخارجية في معالجة الملفات الأمنية

قاد مجلس وزراء الداخلية العرب ليصبح أهم منظمة فاعلة

الأمير نايف بن عبد العزيز خلال إحدى المناسبات التي جمعته بالشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية
TT

من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب الذي كان يتولى الرئاسة الفخرية له الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي، برز دوره الفاعل في السياسات الخارجية، من خلال عدة ملفات خارجية، كان أبرزها ملف العراق، واليمن، إضافة إلى المواجهات السعودية مع مجموعة من المتمردين الحوثيين عبر حدودها، بما في ذلك الملف البحريني مؤخرا.

نشأت فكرة إنشاء مجلس وزراء الداخلية العرب خلال المؤتمر الأول لوزراء الداخلية العرب، الذي عقد بالقاهرة عام 1977، وتقرر إنشاؤه في المؤتمر الثالث، الذي عقد بمدينة الطائف عام 1980، وقد صدق المؤتمر الاستثنائي لوزراء الداخلية العرب الذي عقد بالرياض عام 1982 على النظام الأساسي الذي تم عرضه على جامعة الدول العربية في سبتمبر (أيلول) عام 1982 حيث تم إقراره.

شهد الملف العراقي حضورا بارزا كأحد الهموم الأمنية لوزارة الداخلية السعودية، منذ إطاحة الولايات المتحدة الأميركية بنظام صدام حسين عام 2003، بعد نشاط عمليات التهريب للأسلحة والمخدرات، إلى جانب تسلل المتعاطفين مع تنظيم القاعدة من وإلى السعودية، لتنتهي السعودية من إتمام الحاجز الحدودي بينها وبين العراق، والذي يغطي مسافة 1200 كيلومتر بين البلدين، وهذا الحاجز الحدودي، هو واحد من حاجزين على الضفتين اللتين تثيران قلق الأمن السعودي، وهما اليمن والعراق.

ويعد السياج الأمني السعودي، أحد الأنظمة الحدودية التي بدأت وزارة الداخلية السعودية ببنائها في خطة تهدف لحماية جبهتها الداخلية التي عانت كثيرا من تسرب عناصر من التنظيمات المسلحة إليها، خصوصا في ما قبل عام 2004.

وبلغت تكلفة بناء السياج الأمني مع العراق قرابة 900 مليون دولار، ضمن خطة الحماية الشاملة التي تتجاوز ما مجموعه 10 مليارات دولار لتأمين الحدود السعودية على أكثر من 70 في المائة من مساحة شبه الجزيرة العربية، وامتدت مدة التنفيذ للأنظمة الحدودية إلى قرابة 7 أعوام.

كما برز دور وزير الداخلية السعودي بشأن ضبط الحدود المشتركة السعودية - العراقية، وتعزيز الضبط الأمني مع الجار العراق، وذلك بحسب تصريح وزير الداخلية السعودي في 2010، الذي شدد فيه على أن أمن العراق واستقراره أمر حيوي لأمن السعودية، وخصوصا أن بين البلدين حدودا طويلة، بطول خطر التهريب، سواء للأسلحة أو المخدرات أو الإرهابيين، وهو أمر بحسب وزير الداخلية يهدد السعوديين بمقدار ما يهدد العراقيين، بحسب شواهد كثيرة، مضيفا أنه «لا خيار أمام العراقيين والسعوديين إلا التعاون الأمني». إلا أن تصريح ولي العهد السعودي الراحل كشف عن دور مهم في السياسة الخارجية، رغم ما يلفه من قلق أمني ظهر في كلمته، حيث قوله إن «بلاده على أتم الاستعداد من دون تحفظ للتعاون مع العراق أمنيا»، في سبيل مد يد المساعدة جراء الاضطرابات الأمنية.

وكان قد أكد وزير الداخلية السعودي في الاجتماع الأخير لوزراء داخلية دول جوار العراق بالبحرين، أن الأجواء الأمنية بين السعودية والعراق تتجه للأفضل، قائلا «نحن نعذر العراق لاحتياجه الكامل للإمكانات الأمنية حتى يكون التعاون بالمستوى الذي يتطلع إليه الجميع».

وفي اليمن بدأت الداخلية السعودية بتنفيذ أكبر مشروع لها على حدودها مع اليمن، لمنع عمليات التهريب والتسلل من اليمن إليها، بخبراء عالميين ودراسات ومعدات متقدمة، من أجل القضاء على ظاهرة التهريب وتسلل اليمنيين إلى أراضيها، مستغلين التضاريس الجبلية الوعرة، والقرى الحدودية المتداخلة مع القرى اليمنية، حيث تمكنت دوريات حرس الحدود السعودي من إلقاء القبض على نحو 180 ألف شخص خلال عام 2010.

واعتبر مجلس وزراء الداخلية العرب أفضل مجلس عربي في التعاون الأمني بين الدول العربية، حيث حرص الأمير نايف على التعاون الأمني العربي باعتباره الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب وقائد منظومته.

بدأت سياسة الأمير نايف بن عبد العزيز، ودبلوماسيته الخارجية، في 2009 تجني ثمارها بدعم مجلس وزراء الداخلية العرب الإجراءات التي اتخذتها السعودية على شريطها الحدودي مع اليمن، للدفاع عن أراضيها، والتي بدأت عقب حادث التسلل الذي وقع داخل الأراضي السعودية من قبل الحوثيين وأسفر عن استشهاد رجل أمن سعودي وإصابة 11 آخرين من قوات الأمن السعودية. واستنكر المجلس محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.

ملفات مهمة ساهم وزير الداخلية السعودي بمتابعتها، سواء أكانت داخليا أم خارجيا، من بينها الملف البحريني في ظل ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وما شهدته البحرين من أعمال عنف من قبل مجموعة من المتظاهرين في العام الماضي والجاري أيضا، حيث خرج وزراء داخلية مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتأكيد على «عروبة الخليج العربي، وأنه سيظل كذلك»، مستنكرين في هذا الصدد التصريحات التي كان قد أدلى بها رئيس أركان الجيش الإيراني حول هوية الخليج العربي، باعتبارها تصريحات «استفزازية وغير مسؤولة وتتعارض مع مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبادئ منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة»، مثمنين التلاحم القوي القائم بين شعوب المجلس وقياداته في مواجهة الدعوات المغرضة والتدخلات الخارجية التي تستهدف وحدة دول المجلس وأمنها، ليختتم الوزراء الخليجيون اللقاء التشاوري الـ12 لوزراء داخلية الخليج الذي عقد في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، مرحبين بعودة الهدوء والاستقرار إلى مملكة البحرين.

وقد أدان الوزراء بشدة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، الذي يمثل «انتهاكا للمواثيق الدولية ومبادئ حسن الجوار»، بينما أكدوا مشروعية «وجود قوات (درع الجزيرة) في مملكة البحرين بناء على طلبها».

اعتبر الأمير نايف بن عبد العزيز أفضل من سعى لتحقيق مستوى للتعاون الأمني العربي، كما يحسب له إنجاز الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب.

ومن خلال موقعه الأمني، نشطت جهود وزير الداخلية السعودي في الدبلوماسية الخارجية، لإعادة السجناء السعوديين، سواء أكانوا في معتقل غوانتانامو، أو السجون العراقية، الذين قدرت أعدادهم بـ1611 معتقلا، لتنتهي الأولى بالاتفاقية السعودية - الأميركية لاستعادة المواطنين السعوديين في 1424هـ، وصرح حينها وزير الخارجية الأميركي كولن باول بأن بلاده «توصلت إلى اتفاق مع الحكومة السعودية لاستعادة مواطنيها المعتقلين في القاعدة الأميركية بخليج غوانتانامو».

ونقلت وسائل الإعلام السعودية في وقت لاحق عن الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي قوله، إن خمسة من المعتقلين السعوديين، وهم جزء من قرابة مائة معتقل سعودي محتجزين في غوانتانامو، جرى احتجازهم في السجون السعودية وسوف يحاكمون في الوقت المناسب، حتى لم يتبق من المعتقلين السعوديين في القاعدة الأميركية من بين مائة المعتقل، سوى قرابة 10 معتقلين.

وتقترب السعودية من توقيع اتفاقية أمنية مع بغداد لتبادل المحكومين والمتهمين، في خطوة لتسلم الأسرى السعوديين بالعراق.

من جهة أخرى، عني وزير الداخلية السعودي بمسؤولية بالغة بضمان أمن المواطن السعودي بالخارج، وبرز ذلك في تدخل الأمير نايف بن عبد العزيز في الدعوى القضائية الألمانية التي رفعت ضد الشيخ عبد الله بن جبرين، حين تلقيه العلاج في ألمانيا، والتي تضمنت اتهاما له بالتحريض على الإرهاب، قائلا حينها إنه وُعد بـ«ألا يمس الشيخ جبرين بشيء»، لأن ما ذكر بحقه غير صحيح، وأنه لا يمثل أي مؤسسة رسمية سعودية، مضيفا أن «وزارة الداخلية معنية بالحفاظ على أمن المواطن السعودي، وضرورة أن نعرف الأصدقاء بالمواطن السعودي».