عزيمة وطن.. نايف يعيد 130 معتقلا من غوانتانامو للسعودية

.. وحديث مع رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري
TT

«هم أبناؤنا قبل أن يكون أبناؤكم، وسنعمل جاهدين لعودتهم لأرض الوطن»، تلك هي كلمات الأمير نايف بن عبد العزيز في أول لقاء له مع أسر المعتقلين في غوانتانامو، في أعقاب الحملة العسكرية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2001، من قبل الجيش الأميركي، والتي شنت كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

لم تكن هذه الكلمات لتهدئة روع أهالي المتعقلين، بل كانت وعدا قطعه على نفسه الأمير نايف بأن ينعم الأبناء بلقاء آبائهم وإخوتهم، ولم يمضِ من الوقت سوى أشهر على هذه الكلمات واللقاء الأبوي الذي حرص فيه الأمير على أن يكون مستمعا لمطالبهم وحاجاتهم، وتستقبل المملكة بعد سبعة أشهر فقط من لقاء الأمير والأسر في جدة، خمسة من أبنائها المعتقلين في غوانتانامو.

كان الأمير نايف حريصا على استعادة أبنائه المعتقلين، ساعيا في كل اتجاه ووفق الأنظمة الدولية أن لا يطول احتجاز أبنائه، وما إن مرت الأشهر الأولى إلا وانتشرت «الزغاريد» في القلوب قبل الإمكان مع زيادة القوافل العائدة بأبناء الوطن للوطن، حتى تمكنت المملكة ممثلة في الراحل الكبير أن تعيد قرابة 130 شخصا، ولم يتبقَّ إلا بضعة أشخاص في معتقل غوانتانامو.

ولفت هذا الاهتمام والدعم من الأمير نايف كبرى المنظمات الدولية، ومنها «الصليب الأحمر»، واتحاد الحقوقيين العرب، إلى أن السعودية أفضل دولة اهتمت بمعالجة قضايا رعاياها المعتقلين، وحرصها على نقلهم لأراضيها.

تلك هي حكاية الإنسان الأمير الذي حمل على عاتقه هم وطن وسلامته، تلك هي الحكاية في أول لقاء بينه وبين الأسر التي تبحث عن طوق نجاة لأبنائها من تهم تطيل عمر البعاد أو ربما لأجل ليس له مسمى، تلك هي حكاية الوعد والوفاء من أمير الوفاء.

ولسلامة العودة وللانخراط المعتقلين أو ممن يحمل فكرا عدائيا، في المجتمع، عمدت الداخلية التي يرأسها الأمير نايف على تأهيلهم من خلال لجنة المناصحة التي تأسست في 2004، في حين أسس مركز التأهيل في 2006 ومن ثم تم دمج اللجنة والمركز بمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، وتحول بعد ذلك إلى إدارة مستقلة لها هيكلها التنظيمي وتشريعاتها القانونية التابعة لوزارة الداخلية السعودية.

وتعتمد المناصحة على التحاور الشرعي والنفسي والاجتماعي، يرافقها عملية تقييم شمولية لنفسية الموقوفين، وذلك بهدف تصحيح فكر الشخص طبقا لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية مع تعديل إيجابي في نفسيته دون تشدد أو مغالاة.

ويهتم المركز بالعائدين من مراكز الصراع وسجن غوانتانامو، وتقديم عدد من البرامج من محاضرات وأنشطة تشمل الزيارات وبرامج ثقافية لفترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، في حين تقدم هذه البرامج من قبل أساتذة أكاديميين ذوي خبرة، منهم الشرعيون والنفسيون والاجتماعيون والمتخصصون وأساتذة تاريخ واقتصاد.

يقول كاتب الشهري، عضو اللجنة الدولية للدفاع عن المعتقلين في غوانتانامو، إن أول لقاء لنا بالأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله) في جدة عام 2002، عندما طلب لقاء الأسر لمعرفة مطالبهم واحتياجاتهم، وكان (رحمه الله) مستمعا لكل صغيرة وكبيرة من أمهات وآباء المعتقلين، وكان حريصا على أدق التفاصيل ومناقشتها.

وأضاف كاتب أن هاجس الأمير نايف كان في عودة أبناء الوطن ومساعدة ذويهم والتخفيف عنهم ودعمهم ماديا ولوجيستيا، متلمسا في ذلك اللقاء الأبوي كل الاحتياجات التي تساعدهم في متابعة شؤون الحياة، موضحا أن المملكة تمكنت أن تعيد ما نسبته 90 في المائة من أبنائها في غوانتانامو، أي ما يعادل 130 شخصا خلال السنوات الماضية، وأطلقت حينها كثير من المنظمات على المملكة أنها أفضل الدول المهتم بمعالجة معتقليها في الخارج.

ويقول كاتب إن عددا من المحامين تفاعل مع رغبة الأمير نايف بن عبد العزيز في هذا الشق، وتم تشكيل فريق من المحامين السعودي لتسوية أوضاع المعتقلين السعوديين في غوانتانامو بعد احتجاز المئات من الأسرى والمعتقلين في سجن قاعدة غوانتانامو الأميركية في جزيرة كوبا، وتوحيد الخطوات التي تسعى لإنهاء معاناة هؤلاء المعتقلين بالتنسيق مع السلطات الحكومية ووزارتي الخارجية والداخلية، التي تقدم الدعم والمساندة لعملنا وتحرص بشكل دائم على تعزيز الجهود المشتركة بين الفريق وبينها لمعالجة القضية.

وكان احتجاز السعوديين في غوانتانامو بشكل عشوائي خارج الإطار القانوني أو شرعية دولية، وخارج منطقة العمليات العسكرية للقوات الأميركية، ولم توجه ومنذ اعتقالهم اتهامات واضحة ومباشرة على أعمال تم القيام بها من المعتقلين، وقد رفضت هذا التعسف المحكمة العليا الأميركية بقرارها السماح لمعتقلي غوانتانامو باللجوء إلى القضاء المدني الأميركي للطعن في شرعية اعتقالهم.

ومن أبرز قنوات الاتصال التي اعتمد عليها الفريق القانوني اتصال عبر الصليب الأحمر، الذي قام بزيارات تفقدية قليلة لمعتقل غوانتانامو، حملت من خلالها بعض الرسائل من المعتقلين إلى ذويهم وبالعكس، إضافة إلى الفريق الأمني السعودي المكلف بمتابعة أوضاع المعتقلين السعوديين.

وفي هذا السياق، يروي سعد الشبانات، المرشد الطلابي وإمام مسجد، شقيق أحد المعتقلين، قصة لقائهم بالأمير نايف في جدة، أن هذا اللقاء كان «فاتحة خير علينا، فبعد اللقاء الذي حمل كثيرا من المعاني والأبوة التي لمسها كل الحاضرين من أسر المعتقلين، والرد على استفساراتهم مستمعا لكل التفاصيل وأدقها، فاتحا الباب للجميع لطرح ما لديه من مشكلة أو اقتراح، وبعيد هذا اللقاء تلقينا اتصالا بعودة شقيقي (ف) إلى السعودية».

وأضاف الشبانات أنه وبعد عودة شقيقي كان هناك إصرار من الأمير نايف لإعادة تأهيل العائدين من غوانتانامو، فكانت فكرة الاستراحات المبينة على أسس علمية تخاطب العقل والنفس، الرهان الحقيقي والتحدي الصعب في إخراج هؤلاء الشباب مما هم عليه بمساعدتهم أنفسهم في إخراجهم مما كانوا عليه.

ويقول سعد الشبانات إن شقيقه اعتقل وعمره لم يتجاوز 19 عاما، والآن وبعد تلك السنوات واجتيازه كل الجلسات واللقاءات يعمل في أحد القطاعات الحكومية ولديه من الأبناء اثنان، ويعيش حياة سعيدة، بعد أن منّ الله عليه بقيادة لم تهدأ ولم تركن في استعادته بدعم الراحل الأمير نايف بين عبد العزيز وابنه محمد.