الأمير نايف بن عبد العزيز.. حضور مبكر ولافت في معترك الحياة السياسية منذ 6 عقود

من إمارة الرياض إلى ولاية العهد

TT

سجل الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حضورا لافتا في الحياة الإدارية والسياسية في بلاده، ودخل معتركهما في سن مبكرة خلال عهد والده الملك المؤسس، حيث يعد الأمير نايف النجل الثالث والعشرين من أبناء الملك عبد العزيز.

وحفلت سيرة الأمير نايف بمناصب رسمية كثيرة منذ توليه قبل أكثر من 60 عاما أميرا لمنطقة الرياض، وحتى تعيينه وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بالإضافة لاحتفاظه بمنصب وزير الداخلية، وذلك بعد رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز، وحتى رحيله يوم أول من أمس (السبت) تاركا بصمات هي حصيلة تجربة ثرية في العمل الإداري والسياسي والأمني، حيث كان الأخير هو هاجسه الأول.

ولد الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في الطائف عام 1352هـ (1933م)، وهو النجل الثالث والعشرين من أبناء المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. وتولى الأمير نايف مناصب رسمية عدة، حيث صدر في 17 جمادى الثانية 1371هـ أمر ملكي بتعيينه وكيلا لإمارة منطقة الرياض، وفي 3 ربيع الثاني 1372هـ صدر أمر ملكي بتعيينه أميرا لمنطقة الرياض، وفي 29 ربيع الأول 1390هـ صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا لوزير الداخلية، وفي 17 رمضان 1394هـ صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا لوزير الداخلية بمرتبة وزير، وفي 17 ربيع الأول 1395هـ صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرا للدولة للشؤون الداخلية، وفي 18 شوال 1395هـ صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرا للداخلية، وفي 30 ربيع الأول 1430هـ صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء.

ومن المهام التي تولاها الأمير نايف: المشرف العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية في المملكة العربية السعودية، والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، والرئيس الفخري لجمعية العلوم والاتصال في جامعة الملك سعود في الرياض، ورئيس المجلس الأعلى للإعلام، ورئيس الهيئة العليا للأمن الصناعي، ورئيس لجنة الحج العليا، ورئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني، ورئيس مجلس إدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ورئيس مجلس القوى العاملة، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية، ورئيس الهيئة العليا لجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، ورئيس اللجنة التي وضعت النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة، ونائب رئيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو هيئة البيعة.

وحصل الأمير نايف على بعض الأوسمة والجوائز من أبرزها:

* وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، الذي يعتبر أعلى وسام في المملكة العربية السعودية.

* وشاح من درجة السحاب من جمهورية الصين عام 1397هـ/ 1977م.

* الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة شينغ تشن في الصين الوطنية في 17 شعبان 1399هـ.

* الدكتوراه الفخرية في القانون من كوريا الجنوبية.

* الدكتوراه الفخرية من جامعة أم القرى في السياسة الشرعية.

* الدكتوراه الفخرية من جامعة الرباط في جمهورية السودان.

* الدكتوراه الفخرية من الجامعة اللبنانية.

* وسام جوقة الشرف من فرنسا عام 1397هـ/ 1977م.

* وسام الكوكب من المملكة الأردنية الهاشمية 1397هـ/ 1977م.

* وسام المحرر الأكبر من فنزويلا عام 1397هـ/ 1977م.

* وسام الأمن القومي من كوريا الجنوبية عام 1400هـ/ 1980م.

* وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية.

* جائزة التميز للأعمال الإنسانية لعام 2009 من الكونغرس الطبي الدولي في بودابست، تقديرا للدور الإنساني للأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية المشرف العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية في المملكة العربية السعودية من خلال اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية في الدول المتضررة كأول شخصية عربية وإسلامية تنال الجائزة.

كما حمل اسمه عدد من الأقسام والكراسي والمراكز العلمية منها:

* قسم الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية واللغة العربية في جامعة موسكو في جمهورية روسيا الاتحادية.

* كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود في الرياض.

* كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لدراسات الوحدة الوطنية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

* كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود للوقاية من المخدرات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

* كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لدراسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

* كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لتنمية الشباب في جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية.

* مركز الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمي للثقافة والعلوم في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المنطقة الشرقية.

* معهد الأمير نايف للبحوث والخدمات الاستشارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

وكان النجاح الذي سجلته وزارة الداخلية السعودية خلال العقدين الماضيين في مواجهة أكبر تحد مر على البلاد منذ تأسيسها، والمتمثل في الأعمال الإرهابية التي اكتوت البلاد بنارها مثل كثير من بلدان العالم، ومنها الدول الكبرى، وأصبحت هاجسا لها، هذا النجاح الذي كان محل إشادة الدول والمنظمات العالمية، وقبل ذلك القيادة السعودية والمواطنين والمقيمين، قد أعاد البدايات التي رأت فيها القطاعات الأمنية والعسكرية النور خلال مراحل التوحيد لتحقيق الاستقرار الداخلي في عهد الملك المؤسس.. ويتضح ذلك في أن القطاعات العسكرية حظيت باهتمام كبير من الملك عبد العزيز، وخير دليل على ذلك أن قطاع الأمن أو القوة العسكرية استحوذ على نسبة 45 في المائة من موازنة الدولة قبل 55 عاما.

ومر تشكيل وزارة الداخلية في السعودية، بـ3 مراحل، أشرفت الوزارة في مرحلتين منها على الشؤون الداخلية للمناطق التابعة للنائب العام إداريا بالحجاز، ثم في المرحلة الثالثة أشرفت الوزارة فيها على الشؤون الداخلية لكل المناطق، مع ملاحظة أن صلاحيات الوزارة خلال مراحلها كلها لم تكن أمنية صرفة، إنما كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية، أمنية كانت أم خدمية تنموية. واستطاع الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله - خلال مراحل توحيد البلاد، أن يحقق الاستقرار الداخلي في المناطق التي سيطر عليها، وشكل في كثير من المناطق لجانا أهلية للإدارة المحلية، وقبلها تولى مهمة الأمن واستقرار الأوضاع رجال لم يكونوا مخصصين لذلك أو موقوفين عليها.

وشهدت وزارة الداخلية التي تولى الأمير نايف بن عبد العزيز حقيبتها الوزارية قبل 38 عاما تغييرات في تشكيلاتها وتسميات قطاعاتها، واعتبرت الفترة التي تولى فيها الأمير نايف بن عبد العزيز، رجل الأمن الأول، منصب وزارة الداخلية، العصر الذهبي للوزارة، حيث أقرت أنظمة تختص بالادعاء والتحقيق وحقوق الإنسان والأمن الفكري. ودخلت الوزارة في تحد كبير تمثل في مواجهة أكبر الاختبارات الأمنية من خلال ملاحقة الإرهابيين والقضاء على توجهاتهم وأفكارهم. وقبل ذلك إحباط الكثير من العمليات الإرهابية التي كانت هذه الفئة تخطط لتنفيذها.

وكما نجحت الوزارة في مواجهتها، نجحت في القضاء عليها. وعلى الرغم من أن المعلومات المتوفرة عن الدوائر العسكرية يصعب الحصول عليها، إما لقلتها أو عدم الرغبة في تداولها والإفصاح عنها أو أن الكثير منها لم يسجل أو فقد أو تم نسيانه، فإن محاولات لدراسة تنظيم الدوائر العسكرية نجحت في جمع معلومات من مصادر متعددة عن تنظيم قوى الأمن الداخلي المتمثل في وزارة الداخلية.

وفي دراسته التاريخية عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز، قدم الباحث الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي، رصدا لتنظيم قوى الأمن الداخلي والمراحل التي مر بها هذا القطاع ممثلا في وزارة الداخلية، موضحا أن قوى الأمن الداخلي يقصد بها.. «القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير الراحة العامة بمنع الجرائم قبل وقوعها وضبطها بعد ارتكابها»، وترعى هذه القوات وزارة الداخلية، وذلك وفقا للمادة الثانية من نظام مديرية الأمن العام الصادر قبل 60 عاما.

وتشرف على قوى الأمن الداخلي وزارة الداخلية التي مر تشكيلها بـ3 مراحل.. مثلت المرحلة الأولى والثانية إشراف الوزارة على الحجاز وحده مع اختلاف صلاحيات الوزارة في كل من المرحلتين، وكانت بدايات المرحلة الأولى مع استسلام جدة عام 1925، ثم تشكيل الوزارة عام 1931، وامتدت الفترة إلى عام 1934، عندما ألغيت الوزارة، ثم أعيد تشكيلها عام 1950، ومن هنا بدأت المرحلة الثانية.

* صلاحيات أمنية وتنموية: يلاحظ أن صلاحيات وزارة الداخلية خلال مراحلها كلها لم تكن أمنية صرفة، بل كانت تشرف على معظم الشؤون الداخلية، أمنية كانت أم خدمية تنموية، وما شاكل ذلك، وليس معنى هذا خلو المناطق قبل عام 1925، ممن يتولون مهمة الأمن واستقرار الأوضاع، بل على العكس فقد استقر الأمن في كافة مناطق الدولة قبل هذا التاريخ على يد الملك عبد العزيز، بواسطة رجال لم يكونوا مخصصين للأمن الداخلي أو موقوفين عليه فقط، إنما كانت لهم مشاركات فعالة في الحروب وفي استقرار الأوضاع الداخلية، لذلك فإن تقسيم مراحل تطور وزارة الداخلية يشمل المراحل التنظيمية التي تخصصت فيها قوات للأمن الداخلي وأخرى للدفاع.

في المرحلة الأولى من مراحل تشكيل وزارة الداخلية، شكل الملك عبد العزيز أثناء حصار جدة 1924 - 1925، لجنة أهلية للإدارة المحلية في مكة المكرمة، وبعد أن استسلمت جدة تسلم الأمير فيصل الإدارة في الحجاز، وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، عرفت الأمور الداخلية بأنها الدوائر المكونة من «الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والنافعة (الأشغال) والتجارة والزراعة والصنائع والمعادن وسائر المؤسسات الخصوصية، وهي بمجموع تشكيلاتها تدار رأسا من النيابة العامة»، فأصبحت الأمور الداخلية تابعة للنائب العام. وبعد أن تشكل مجلس الوكلاء، عام 1931، انقسمت النيابة العامة إلى قسمين: قسم أصبح وزارة للداخلية، وقسم بقي تابعا لرئاسة مجلس الوكلاء، باسم ديوان النائب العام.

وتولى الأمير فيصل وزارة الداخلية علاوة على وظائفه الأخرى، لكن تأسيس الوزارة لم يترتب عليه تغيير في مهامها، لأن الدوائر التي ألحقت بها هي نفس الدوائر التي كانت تشكل الأمور الداخلية، ما عدا إلحاق المحاكم والحجر الصحي وإدارة الإحصاء التي تشكلت عام 1933، بالوزارة، ثم إن رئيس مجلس الوكلاء هو وزير الداخلية.

وكان توزيع الاختصاصات وتسهيل الإجراءات بشكل يضمن حسن الأداء الوظيفي، من الأهداف الأساسية التي دفعت المسؤولين، إلى استحداث وزارة الداخلية، إلا أن التطبيق العملي أثبت سلبيات كثيرة، فقد ظهر هذا الخلل الإداري من خلال تقرير وزارة الداخلية عن أعمالها عام 1932 (وقعه الأمير فيصل وزير الداخلية وقتها، ورفعه للأمير فيصل نائب الملك ورئيس مجلس الوكلاء آنذاك)، وملخص التقرير أن الوزارة تعاني من إرباك شديد نتيجة لتعدد مصادر التوجيه واتخاذ القرار، مما أدى إلى تطويل غير مبرر في الإجراءات، وتضارب في الأوامر، لذلك تقرر إلغاء تشكيل وزارة الداخلية ودمج أعمالها ضمن أعمال مجلس الوكلاء عام 1934، فقد ورد في خطاب رئيس الشعبة السياسية الموجه للنائب العام عام 1943 ما يأتي:

«حضرة صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوكلاء المعظم..

أتشرف بأن أرسل لكم من طية التعليمات التي أمر جلالة الملك بوضعها موضع العمل بضم وزارة الداخلية إلى النيابة العامة، فأرجو أمركم بإنفاذ ذلك، وتبليغه لجهات الاختصاص. موضع العمل يضم وزارة الداخلية إلى النيابة العامة. فأرجو أمركم بإنفاذ ذلك. وتبليغه لجهات الاختصاص.

أولا: توفيرا لزيادة المعاملات (يعتقد الباحث أن المقصود هو تلافيا لـ...) واختصارا لها. تدمج أعمال وزارة الداخلية في ديوان رئاسة مجلس الوكلاء اعتبارا من غرة ربيع الأول 1353هـ.

ثانيا: جميع الأعمال التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية تقوم بها رئاسة مجلس الوكلاء. وجميع الدوائر المرتبطة بالداخلية بموجب نظام مجلس الوكلاء المؤرخ في 19/ 8/ 1350هـ، تصبح مرتبطة برئاسة مجلس الوكلاء.

ثالثا: جميع الصلاحيات التي هي ممنوحة لوزارة الداخلية بموجب نظام مجلس الوكلاء أو أي نظام آخر، تصبح من اختصاص رئاسة مجلس الوكلاء.

رابعا: تلغى جميع تشكيلات وزارة الداخلية الحالية».

وبذلك انتهت الفترة الأولى من تشكيل وزارة الداخلية. وأصبح مجلس الوكلاء يشرف على الأعمال التي كانت تقوم بها الوزارة. وارتبطت الدوائر التي كانت تابعة لوزارة الداخلية برئاسة مجلس الوكلاء. وخلال الفترة التي أعقبت إلغاء تشكيلات وزارة الداخلية عام 1353هـ حصل تبدل كبير في الإدارة المحلية وتوسعت التشكيلات الحكومية، وأنشئت فروع جديدة لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة، وأصبح من الصعب على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها. وتلافيا لمزيد من السلبيات تأسست وزارة الداخلية بالحجاز للمرة الثانية في 26/ 8/ 1370هـ الموافق 2/ 6/ 1951م، وعين الأمير عبد الله الفيصل وزيرا للداخلية وربطت بالنائب العام. وأصدر النائب العام أمرا بتشكيل الجهاز الرئيسي لوزارة الداخلية اعتبارا من 6/ 9/ 1370هـ، وبين الأمر الدوائر التي ألحقت بها وتعليمات جاء فيها:

«أولا: جميع الأعمال الخاصة بالمعاملات التي كانت من اختصاص النيابة العامة تصبح الآن من اختصاص وزارة الداخلية تمارسها بنفس الصلاحيات والمزايا التي كانت النيابة العامة تمارسها بها، باستثناء الشؤون السياسية والمالية وما يتبعها من تنظيمات وأعمال وأنظمة وقرارات مجلس الشورى والوظائف الرئيسية في الدولة من فصل وتعيين، فإنها من اختصاص النيابة العامة.

ثانيا: ترتبط بوزارة الداخلية إمارات الملحقات (بالحجاز) وقائمقام جدة. والدوائر الرسمية التالية: المعارف العامة والبرق والبريد والأمن العام وإحصاء النفوس (الجوازات والأحوال المدنية) ورئاسة القضاة وما يتبعها من أجهزة قضائية والبلديات ورؤساء الطوائف وهيئة تمييز قضايا المطوفين وقائمقام العاصمة، وهيئة عين زبيدة وإدارة الأوقاف العامة وخفر السواحل والمحكمة التجارية والغرفة التجارية. وعلى هذه الدوائر تنفيذ ما يصدر لها من وزارة الداخلية من تعليمات».

وبعد 3 أعوام من تأسيس الوزارة، أعيد تشكيل الديوان العام للوزارة مع تحديد وظائف إدارتها الرئيسية. وتولت وزارة الداخلية معظم الأعمال ذات العلاقة بالشؤون الداخلية، التي كانت تقوم بها النيابة العامة، فقد ربط بها 3 مقاطعات رئيسية و14 إمارة وقايمقيمتان. وارتبط بوزارة الداخلية جهازان عسكريان هما الأمن العام وسلاح الحدود.

* استتباب الأمن هاجس المؤسس: من الأمور التي أولاها المغفور له الملك عبد العزيز جل اهتمامه موضوع استتباب الأمن. يقول في منشور عام صدر عام 1925: «.. إن البلاد لا يصلحها غير السكون.. إنني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار المقدسة. فإنني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا». وكان تنظيم الشرطة من أول الأعمال التي أمر الملك عبد العزيز باتخاذها قبل نهاية الحرب في الحجاز. فانتخب المجلس الأهلي بمكة المكرمة لجنة للنظر في ترتيب أوضاع الشرطة ووظائفها. ووضعت اللجنة تعليمات بعنوان «الشرطة ووظائفها». وألحق بها لائحة بعنوان «ترتيب عقاب جنود الشرطة» صدرت في 2/ 8/ 1925، وحازت التصديق السلطاني في حينه. وتعتبر هذه التعليمات أقدم تنظيم رسمي لأعمال الشرطة في عهد الملك عبد العزيز. وعرفت هذه التعليمات الشرطة بأنها «هيئة مكلفة بحفظ الراحة العمومية، وملزمة بدوام المحافظة على الأمن العام والسكينة»، ونصت على أن يكون مركز الشرطة العام في دائرة الحكومة في الحميدية بمكة المكرمة.

ثم أصدرت الهيئة التأسيسية لتشكيل الدوائر الرسمية في العام نفسه قرارا بتشكيل إدارة الشرطة العامة والسجن في مكة المكرمة. تتكون هذه الإدارة من مدير الشرطة العام ومعاونين، أول وثان، و6 موظفين، و10 ضباط صف، و120 جنديا. أما إدارة السجن فتكونت من موظف ومعاون وجنديين. وأمر الملك بإنفاذ هذا التشكيل اعتبارا من 24/ 7/ 1344هـ.

وفي 10/ 10/ 1344هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيين حسن وفقي بك مديرا للأمن العام ترتبط به جميع مراكز الشرطة في الحجاز ومنحه الصلاحيات اللازمة، وخوله إعادة تنظيم الشرطة. وحتى يتمكن مدير الأمن العام من أداء واجبه بمنأى عن المداخلات الإدارية، نص المرسوم على منع الغير من «أن يتداخل بوظيفة مدير الأمن العام ووظائف الشرطة ومأموريها»، وربط مدير الأمن العام بالنائب العام.

وكانت الأوضاع المالية للدولة لا تسمح بتجنيد أفراد للعمل في الشرطة، فضم إليها 70 «خويا» من قوات الإخوان التي كانت موجودة في مكة المكرمة بعد نهاية الحرب، وتشكلت منهم إدارة باسم «وحدات الدرك» برئاسة ضابط من الشرطة؛ مهمتها حفظ النظام في مكة المكرمة. وعندما صدرت التعليمات الأساسية عام 1926، ربطت الشرطة كجزء من الأمور الداخلية بالنيابة العامة.

وعين المقدم عبد العزيز بغدادي مديرا عاما للشرطة عام 1346هـ، وكلف إعادة تنظيمها على ضوء أمرين ملكيين عام 1927؛ حدد الأول الشروط الواجب توفرها في رجال الشرطة، مثل النزاهة والاستقامة، وبيّن الثاني المؤهلات المطلوبة توفرها في من يعين مديرا للشرطة؛ ومنها أن «يكون الذي يرأس الشرطة رجلا عاقلا ومأمونا عن الفساد.. ليس له تداخل مع الناس».

وتوسعت تشكيلات الشرطة عام 1927، فعين العقيد مراد الاختيار مديرا عاما للشرطة، وأصبحت للشرطة فروع في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف، وتشكل قسم لشرطة الحرم مستقلا عن شرطة مكة المكرمة. ويبدو أن التغيير المتلاحق في مديري الأمن العام أوجد نوعا من الإرباك الإداري، لا سيما عند اختيار المأمورين ومديري الفروع، ولذا صدر أمر ملكي برقم 639 في 25/ 3/ 1346هـ يقضي بتشكيل «هيئة مراقبة الشرطة» برئاسة إبراهيم الصنيع، وكان من ضمن وظائفها النظر في ترقيات رجال الشرطة والترشيح للمناصب الإدارية فيها.

ومع تعدد فروع الشرطة في الحجاز، وعلى الرغم من ربطها برئاسة واحدة، ظلت تفتقر إلى توحيد الإجراءات وتشكو من عدم تنسيق العمل الإداري، وتماشيا مع سياسة الدولة الآخذة في الاتجاه نحو تجميع أو توحيد الدوائر ذات الاختصاصات المتشابهة معا في إدارة واحدة، صدر أمر ملكي عام 1930 يقضي بتوحيد جميع الدوائر العسكرية؛ ومنها الشرطة، فجعلت جميع إدارات الشرطة في المملكة تحت رئاسة رئيس واحد سمي مدير الأمن العام، مقامه في مكة المكرمة، وعين مهدي بك المصلح مديرا للأمن العام، علاوة على توليه منصب مدير شرطة مكة المكرمة. ومن أول إنجازات مهدي بك الإدارية وضع تعليمات تنيط بمدير الأمن العام الإشراف التام على جميع أعمال الشرطة، وتحدد ارتباطها بالحكام الإداريين وتنسق أعمالها المالية والإدارية. وحظيت هذه التعليمات بموافقة النائب العام عام 1930. وواضح من هذه التعليمات، أن للشرطة 7 فروع في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف وينبع الوجه والعلا. وفي عام 1931، تشكلت شرطة منطقة الرياض.

وتوسعت أعمال الشرطة عام 1932 حتى بلغ عدد أفرادها 896 فردا، وضباطها 33 ضابطا، وفي عام 1935 قرر مجلس الوكلاء دعم الشرطة بـ900 جندي من قوات الهجانة التي ألغي تشكيلها لمساعدة الشرطة على فتح مراكز جديدة، فأصبح للشرطة عام 1936 فروع في 14 مدينة، علاوة على ما في مكة المكرمة من مخافر للهيئة وشرطة الحرم، وأصبحت قوة الشرطة تتكون من 5 فروع هي: المشاة، والمرور، والخيالة، وراكبو الدراجات النارية، وراكبو السيارات.

وتم تأسيس مركزين للشرطة في مقاطعة الأحساء عام 1938، وشكلت شرطة منطقة جيزان في العام نفسه، ونواتها الأولى 30 عسكريا أخذوا من مفرزة الدفاع الموجودة في جيزان. واتسعت تشكيلات الشرطة حتى أصبحت لها فروع في 20 مدينة في أنحاء المملكة عام 1944، وأعيد في عام 1952 تنظيم شرطة المنطقة الشرقية، وأصبح اسمها «وكالة الأمن العام في المنطقة الشرقية». وكانت الشرطة تنشئ فروعا مؤقتة في المشاعر المقدسة لخدمات الحجاج، وتأسست شرطة السكك الحديدية عام 1952 وتشكلت من 3 مراكز في كل من الرياض والخرج والتوضيحية، وربطت بمدير السكك الحديدية بعد أن وضع لأفرادها علامات تميزهم عن باقي أفراد الشرطة.

رافق هذا التوسع في أعمال الشرطة وتعدد مسؤولياتها، الحاجة لإصدار نظم تحدد واجبات العاملين فيها، وتبين صلاحياتهم ومسؤولياتهم في كل مرحلة من مراحل ذلك التطور، وكان أول نظام صدر باسم «نظام مديرية الأمن العام في المملكة العربية السعودية» عام 1943، الذي وضع تعريفا للشرطة وأقسامها، فمديرية الشرطة العامة أصبح اسمها مديرية الأمن العام، وفي الملحقات صنفت تشكيلات الشرطة إلى: إدارة ومركز ومنطقة وقسم ومخفر، ويحدد الاسم مساحة المنطقة وعدد سكانها، فإدارة شرطة، تطلق على المديريات الرئيسية في الملحقات، وهي تربط بمدير الأمن العام تنظيميا وماليا، وترتبط بالحكام الإداريين إداريا وجنائيا. أما المراكز والمناطق والمخافر وأقسام المرور وعمد المحلات وشرطة الحرم فهي تمثل فروع الشرطة الداخلية في المدينة الواحدة أو في القرية، وهي ترتبط بمدير شرطة المنطقة.

وتحديدا للمسؤوليات قسم النظام العاملين في جهاز الأمن العام إلى قسمين: السلك العسكري ويمثله رتب الضباط وضباط الصف والجنود، ويقوم هذا القسم بإجراءات الضبط والتحقيق والعمل الميداني، والسلك المدني ويمثله الموظفون، ويتولى هذا القسم العمل الإداري، وأحكام هذا النظام كانت تطبق على العسكريين والمدنيين، وفصل النظام في واجبات رجال الأمن العام بدءا من مدير الأمن العام حتى أصغر رتبة في جهاز الشرطة.

واستحدث عام 1949 تشكيلات جديدة في أقسام وإدارات الأمن العام بالعاصمة والملحقات، فوضع نظام جديد صدر في ذات العام باسم النظام السابق، وعرف هذا النظام الأمن العام بأنه «القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير أسباب الراحة العامة، بمنع الجرائم قبل وقوعها وضبطها بعد ارتكابها وتنفيذ كل ما يطلب منها تنفيذه من أنظمة وتعليمات ولوائح وأوامر».

* مرحلة النضوج الإداري: يعتبر نظام مديرية الأمن العام، عام 1949، أفضل نظام صدر للأمن العام حتى الآن على الرغم من صدور نظام قوات الأمن الداخلي عام 1964؛ فنظام عام 1949 هو الأفضل من حيث الشمول والتفصيلات وتحديد الواجبات لكل من يباشر أعمال الضبط العام. ولم يترك النظام الأمور الجنائية تباشر من دون ضوابط، أو أن تدار اجتهادا، ولهذا تجده فصل كل شيء له علاقة بالقضايا من وقت تلقي البلاغ إلى أن تنتهي الإجراءات، وذلك منعا للتجاوزات التي قد يقع فيها رجال الأمن العام نتيجة للاجتهاد أو عدم التحرز من الوقوع في الخطأ، وسدا للذرائع التي قد تتخذ حجة لتبرير الخطأ. وهذا التفصيل في الواجبات من الأسباب التي جعلت رجال الأمن العام في المملكة قليلي الوقوع في الأخطاء المسلكية والإدارية، لأن الوضوح في التعليمات يؤدي إلى التطبيق السليم لمعطيات التعليمات. وهذه النظرة الواعية تمثل مرحلة النضوج الإداري للأجهزة الأمنية التي وضعت النظام، ثم طبقته بكفاءة عالية بعد إجازته من الهيئة التشريعية.

وقسم النظام واجبات رجال الأمن العام إلى أقسام؛ عامة وقضائية وإدارية. فالواجبات العامة لرؤساء الوحدات في الأمن العام تشتمل على صلاحيات واختصاصات مدير الأمن العام ومديري الشرطة ورؤساء المناطق والمخافر وضباط الخفر وأقسام المرور والادعاء العام، أما الواجبات القضائية فتتضمن القواعد النظامية والإجراءات الإدارية التي يجب على رجال الأمن العام التقيد بها عند مباشرة التحقيق في الحوادث والقبض على مرتكبيها وتقديمهم للقضاء بعد جمع الأدلة ضدهم، وعن كيفية استقبال البلاغات، ومحاضر التحقيق، وتفتيش المنازل، وتوقيف المتهمين، وكل ما له علاقة بحقوق المجني عليه والجاني.

وتتلخص الواجبات الإدارية لرجال الأمن العام في حفظ النظام وصيانته، واتخاذ الأسباب التي تؤدي إلى منع الجريمة والتخفيف من آثارها على المجتمع، وحفظ الآداب العامة التي تمثل الوظيفة الاجتماعية للشرطة. وهناك واجبات ملكية تتمثل في الحث على الصدق والأمانة والنزاهة في العمل وحسن الخلق والتعامل الطيب مع الجمهور وتنفيذ الأوامر بإخلاص مع التضحية في سبيل الواجب وعدم المبالغة أو تهويل الأمور.

وكانت مديرية الأمن العام تشرف على جميع الخدمات الأمنية، علاوة على واجبات الشرطة الأساسية، فأعمال إدارات كل من الجوازات والجنسية والدفاع المدني (المطافئ سابقا) والمباحث العامة وكلية الشرطة.. كانت جميعها ضمن مسؤولية الأمن العام قبل أن تصبح هذه الإدارات قطاعات مستقلة تتبع وزارة الداخلية مباشرة بعد فصلها عن الأمن العام نتيجة لتوسع أعمال هذه الإدارات من جهة، ولتعاظم مسؤوليات جهاز الأمن وكثرة واجبات الشرطة من جهة أخرى.

وكانت مديرية الأمن العام تمد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأفراد عسكريين وضباط لمساعدة الهيئة في أداء مهامها لأن الهيئة كانت وما زالت تؤدي خدمات تساعد الأمن العام من أهمها حفظ الآداب العامة.

ونتيجة لتوسع أعمال الأمن العام وتعاظم مسؤولياته، ليس بمستغرب أن يحتاج مديره إلى من يساعده في تصريف الشؤون الإدارية، فأحدث عام 1952 منصب وكيل الأمن العام لشؤون المباحث والجوازات والجنسية، وأصدر مجلس الشورى تعليمات تحدد مسؤوليات وصلاحيات وكيل الأمن العام.

ومع توسع تشكيلات الشرطة احتاجت إجراءات الضبط الجنائي والإداري فيها إلى دعمها بضباط شبان مؤهلين ومتخصصين في العلوم الجنائية، وتحقيقا لهذا الهدف أنشئت مدرسة الشرطة عام 1935 في مكة المكرمة لتغذية جهاز الشرطة بضباط ومحققين، وكان مؤهل القبول فيها الشهادة الابتدائية وكانت مدة الدراسة سنتين، يتخرج فيها ضباط وضباط صف ويتم منح الرتب حسب المؤهل الدراسي ومدة الدراسة، ثم نقلت المدرسة بعد 31 عاما إلى الرياض وتحولت إلى كلية للشرطة بعد أن تخرج فيها ما يقرب من 900 ضابط، ثم فصلت عن الأمن العام وألحقت بوزارة الداخلية وسميت كلية قوى الأمن الداخلي وأصبحت مدة الدراسة فيها 3 سنوات مع رفع مستوى القبول إلى الثانوية العامة.

* السيطرة على الحدود برا وبحرا: يعتبر أمن الحدود من أقوى دعامات الأمن الداخلي، فالحدود المحمية تضمن سلامة الدولة من تسلل العناصر المخربة وتحول دون دخول الممنوعات والمحرمات إلى أراضيها، وتسهم في قوة اقتصاد الدولة ومواردها، وذلك باستيفاء الرسوم المقررة على البضائع، فإذا جاز مثل هذا القول على أي دولة، فهو بالنسبة للمملكة أوجب لأن حدودها واسعة ومفتوحة لا تحكمها نقاط عبور ثابتة يمكن السيطرة عليها.

وعلى الرغم من ضعف إمكانات المملكة في بداية تكوينها فقد استطاع مؤسسها السيطرة على الحدود برا وبحرا بصورة جيدة؛ ففي البر، أقام الملك عبد العزيز المراكز، وأنشأ المخافر على المنافذ وسير الدوريات على الحدود وكلف مراكز الإمارات والجمارك والشرطة والهجانة وبعض وحدات الجيش أمن الحدود، واهتم بحماية ساحلي المملكة الشرقي والغربي نظرا لأهميتهما، وذلك لأن المنطقتين الشرقية والغربية لهما أهمية خاصة في اقتصاد الدولة وأمنها؛ فالمنطقة الشرقية تشكل أهم مورد للدولة في بداية تكوينها، وازدادت أهميتها بعد اكتشاف النفط، إما المنطقة الغربية، فإن تسلل الأجانب إليها باسم الحج والعمرة كان يشكل خطرا على سلامة الحرمين، علاوة على تهريب البضائع.

وظهرت الأهمية الأمنية للسواحل عندما قام ابن رفادة عام 1351هـ بحركته في الشمال الغربي، وكانت الإمدادات تصل إليه عن طريق البحر، ولا غرابة بعد هذا كله أن تنشأ مصلحتان لخفر السواحل في فترة مبكرة من تاريخ المملكة في كل من الأحساء وجدة. وعندما استرد الأمير عبد العزيز الأحساء عام 1912 أقام مراكز ودوريات للمراقبة البحرية، وكانت الدوريات البحرية عبارة عن سفن شراعية صغيرة تسير بمحاذاة الشاطئ وتساندها دوريات من راكبي الهجن للمراقبة على الساحل ثم وحدت الدوريات البرية والبحرية عام 1936 تحت قيادة واحدة سميت «خفر السواحل»، وعين عبد العزيز الرشيد مديرا لها، وكانت لها مراكز في المنافذ البحرية في كل من الخبر والعقير ورأس تنورة ومنيفة، وهذه المراكز تراجع أمير المنطقة التي توجد فيها.

وعندما أصبحت خدمات الرقابة الأمنية التي يقدمها خفر السواحل غير كافية للمنطقة الشرقية بعد تدفق النفط وهجرة الأيدي العاملة إلى مدن الساحل الشرقي ونتيجة لزيادة حركة التصدير والاستيراد، أعادت وزارة المالية التي تولت الإشراف على مالية المنطقة تشكيل «خفر السواحل» باسم «مصلحة حرس خفر السواحل»، وذلك عام 1940، وجعل مركز المصلحة الرئيسي في العقير، لكنها بقيت مرتبطة بمدير جمارك المنطقة وربطت فروع المصلحة في المنافذ البرية والبحرية بمدير «مصلحة حرس خفر السواحل»، ودعمت الدوريات البحرية بالسفن الشراعية وباللنشات وزودت الدوريات البرية بالسيارات، وكانت مهمة هذه المصلحة كما ورد في قرار إعادة تنظيمها، منع التهريب والتسلل إلى المملكة والمحافظة على حقوق الخزينة العامة بمساعدة المالية على استيفاء الرسوم الجمركية.

وأمر الملك عبد العزيز في 1925 بتشديد الرقابة على السواحل الغربية لمنع التهريب والتسلل، فقد جمع رؤساء العشائر الموجودة على طول الساحل من العقبة إلى جنوب جيزان وقسم المنطقة بينهم أمنيا، كل رئيس عشيرة كلف منع التهريب والتسلل في المنطقة التي تقطنها عشيرته وأراد الملك عبد العزيز من هذا التكليف المباشر لرؤساء العشائر أن يشعرهم بمسؤولياتهم، وأن عليهم المساهمة في حفظ الأمن بمناطق نفوذهم، وفي الوقت نفسه، يحذرهم بطريقة غير مباشرة بعدم التغاضي عن قيام أتباعهم بالتهريب أو التسامح مع المهربين مقابل ما يدفعه المهربون لشيخ القبيلة التي يمرون بأرضها كما كان في عهد الحكومات السابقة.

وكان ميناء جدة يخضع للرقابة من قبل دوريات بحرية وبرية، فقد نصت واجبات مفرزة جدة البحرية على أن تقوم بالأعمال البحرية ومراقبة البواخر والقيام بالدوريات البرية والبحرية.

وبعد انتهاء الحرب في الحجاز عام 1925، بقي قسم من القوات التي كانت مع الملك عبد العزيز، فوزع بعضها على المناطق الرئيسية في الحجاز ومنها جدة، وكلفت هذه القوات أعمال الدوريات البرية والبحرية، وهذا واضح من سجلات الرواتب التي تشير إلى أن هناك فرقا تعمل في الدوريات الأمنية في جدة؛ فقد دون أمام أسماء كثير من أفرادها عبارات مثل: «يسلم راتبه لـ... لأنه يعمل في دوريات جدة، أو سلم راتبه للقائد لأنه يعمل في دوريات جدة... أو يعمل في اللنشات بجدة». وكانت في جدة إدارة تسمى «دائرة المرافئ والموانئ»، مهمتها استقبال السفن وإنهاء إجراءات معاملاتها في الميناء واستيفاء رسومها. ولم تقم رابطة بين هذه الدوائر حتى عام 1928 عندما صدر أمر ملكي بتوحيدها تحت قيادة سميت «مصلحة خفر السواحل»، وفي عام 1931 عين سليمان النانيه مديرا لها. وأنشأت المصلحة عددا من المراكز على الساحل من العقبة شمالا إلى جيزان جنوبا.

وارتبطت مصلحة خفر السواحل بالحجاز بالنيابة العامة، ولكن عندما صدر نظام المصلحة عام 1934 نص على ارتباطها بوزارة الداخلية، ولكن إلغاء وزارة الداخلية في العام نفسه جعل مصلحة خفر السواحل تلحق بمجلس الوكلاء. وانتشرت فروع المصلحة في مناطق الحجاز الإدارية حتى بلغت عام 1949 (37) فرعا. وبقيت مصلحة خفر السواحل في المنطقة الغربية مرتبطة بالنائب العام إلى أن تأسست وزارة الداخلية عام 1950، عندما ألحقت المصلحة بالوزارة وأصبحت من تشكيلاتها.

وعرف النظام مديرية مصلحة خفر السواحل بأنها: «الدائرة المكلفة المحافظة على السواحل وضبط المهربات برا وبحرا وبداخل الموانئ أو بواسطة الدوريات البرية والبحرية والمراكز التابعة بالثغور»، وهذه الدوريات 3 أنواع: بحرية، وبرية راكبة، وبرية راجلة؛ فالدوريات البحرية تستخدم السفن الشراعية واللنشات الصغيرة، وتقوم بالتغطية الأمنية والتجوال ضمن حدود المياه الإقليمية للمملكة، والمحافظة على الخط الجمركي وضبط المهربات والممنوعات ومنع التسلل واعتراض السفن إذا دخلت مياه المملكة الإقليمية، أو كان هناك شك في حمولتها، ما عدا السفن البحرية. ومن مهامها أيضا إصلاح العلامات البحرية التي تتعرض للتلف لسلامة الملاحة البحرية.

والدوريات البرية الراكبة تستخدم السيارات والهجن، ومهمتها التفتيش في البراري ضمن الخط الجمركي بالمملكة، وإيقاف وتفتيش ومطاردة كل من يشتبه في حيازته مهربات أو ممنوعات.

أما الدوريات الراجلة، فتعمل بالموانئ، وتقوم بحراسة السفن الراسية في الميناء لضمان عدم تسرب شيء من الممنوعات أو المحرمات مما تحتويه السفن إلى داخل البلاد، كما تقوم بحراسة البضائع في الساحات الجمركية في الموانئ.

وتشرف الدوريات بأنواعها على تطبيق مواد نظام صيد الأسماك والأصداف البحرية ونظام الصعود إلى البحر، واستيفاء الرسوم المقررة بموجب نظام التجديف والفسح، بالإضافة إلى مهام الدوريات الأساسية، وهي أمن الحدود.

ويلاحظ أنه لم تقم رابطة إدارية بين الدوائر التي أوكل إليها أمن الحدود لأن هذه الدوائر يرتبط كل منها بالحاكم الإداري في منطقته؛ فمصلحة حرس خفر السواحل في الأحساء تتبع أمير المقاطعة، ومصلحة خفر السواحل في الحجاز تخضع لإشراف النائب العام.. ثم ربطت بوزارة الداخلية بعد تأسيسها، وتراجع مراكز الحدود البرية أمير المنطقة التي تعمل فيها.

وعندما كلف الجيش بالانتشار في بعض مناطق الحدود كان ارتباطه بوزارة الدفاع. ونتج عن ذلك التنظيم إرباك في التوجيهات وتضارب في الصلاحيات وتفاوت في التطبيق العملي لإجراءات ضبط أمن الحدود نتيجة لاختلاف مصادر التوجه، فكان لا بد من ربط هذه الدوائر المتعددة بإدارة واحدة، فدمجت مصلحتا خفر السواحل في جدة والأحساء في إدارة واحدة عام 1962 باسم «مصلحة خفر السواحل والموانئ» التي جعلت تحت إشراف وزارة الداخلية.

من هذا يتضح أن القطاعات العسكرية حظيت باهتمام كبير من الملك عبد العزيز، وخير ما يبرهن على اهتمامه ببناء القوة العسكرية هو أنها حظيت بنسبة 45 في المائة تقريبا من موازنة الدولة عام 1954، ونتيجة لهذا الدعم والرعاية اتسعت تشكيلاتها وكبرت مسؤولياتها، فتطلب الأمر توحيدها وربطها بقيادة واحدة تشرف عليها وتنسق جهودها وتوجه نشاطها لخدمة المملكة فصدر مرسوم ملكي عام 1952 يقضي بربطها جميعا بولي العهد، بالإضافة إلى أن مرجعها الأعلى، الملك نفسه كقائد أعلى لها. وبهذا الربط والاندماج وصلت التنظيمات العسكرية إلى الغاية في التطور خلال تلك الفترة بما يتناسب وطموحات وإمكانات الدولة في ذلك الوقت، وتوافقت بذلك مع التوحيد السياسي للمملكة.

* 8 وزراء تولوا الوزارة: تعاقب على منصب وزارة الداخلية السعودية، منذ إنشائها وإلى اليوم، ثمانية وزراء؛ اثنان منهم أصبحا من ملوك الدولة لاحقا، حيث تولى الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل)، وزارة الداخلية عام 1350هـ (1931)، وبعد 3 سنوات من هذا التاريخ، تم دمج الوزارة في ديوان رئاسة مجلس الوكلاء الذي كان يترأسه الأمير فيصل، نائب الملك، ووزير الداخلية.

وبعد أن توسعت التشكيلات الحكومية وإنشاء فروع لكثير من الدوائر المشرفة على الإدارة المحلية وأصبح من الصعب على رئاسة مجلس الوكلاء متابعة أعمال هذه الدوائر وتقييمها وتلافيا لمزيد من السلبيات، تأسست وزارة الداخلية في الحجاز للمرة الثانية في 26/ 8/ 1370هـ الموافق 2/ 6/ 1951م، وعين الأمير عبد الله الفيصل، وزيرا للداخلية، وربطت بالنائب العام بموجب مرسوم ملكي صدر بهذا الخصوص في التاريخ ذاته.

وعاد الأمير فيصل بن عبد العزيز ليتولى وزارة الداخلية، وبالتحديد في 20/ 9/ 1378هـ، أعقبه الأمير مساعد بن عبد الرحمن في 8/ 1/ 1380هـ. وجاء الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز ليكون رابع من تولى وزارة الداخلية منذ إنشائها، وذلك بتاريخ 3/ 7/ 1380هـ. وبعد نحو 9 أشهر من هذا التاريخ، أسندت وزارة الداخلية إلى الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز، وفي 3/ 6/ 1382هـ تولى الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد) منصب وزارة الداخلية، وفي 8/ 10/ 1395هـ، تولى الأمير نايف بن عبد العزيز وزارة الداخلية، وتعد فترته العصر الذهبي لوزارة الداخلية، حيث شهدت الوزارة تطورات في ما يتعلق بأعمالها وأجهزتها المختلفة، وسنت قوانين تتعلق بالقبض والتحقيق والادعاء، إضافة إلى إقرار أنظمة تختص بحقوق الإنسان والأمن الفكري ومعالجة ظواهر اجتماعية وفكرية غير مألوفة لدى المجتمع.

ولعل إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام قبل عقدين، يعد تحولا كبيرا في مجال إقامة العدل، حيث تحددت مهمة الهيئة الرئيسية في التحقيق والادعاء العام في القضايا الجنائية، وتغطي أعمالها مناطق السعودية ومحافظاتها، كما تختص الهيئة بالجرائم الواقعة خارج البلاد والضارة بمصالحها الاقتصادية والأمنية.

ونجحت الوزارة في هذه الفترة في التصدي لأكبر تحد واجهته الدولة والمتمثل في الإرهاب الذي اكتوت بناره بلدان العالم؛ ومنها الدول الكبرى، حيث تمكنت الوزارة من إحباط خطط الفئة الضالة ومواجهتهم بالحزم، بعد أن ذهب أبرياء ضحايا لممارستهم الخاطئة التي لا يقرها دين أو عرف، واعتبرت السعودية نموذجا عالميا في مجال مكافحة الإرهاب، واستضافت عاصمتها، الرياض، مؤتمرا عالميا لبحث سبل مواجهة هذه الظاهرة العالمية. كما أقرت دول العالم تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب أعلن من الرياض.

امتلك الأمير نايف بن عبد العزيز تجربة طويلة في العمل الأمني، فقبل توليه منصب وزارة الداخلية كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الداخلية، وقبله كان نائبا لوزير الداخلية، ولمدة تقرب من 5 سنوات، وبذلك يعد الأمير نايف رجل الأمن الأول، كما يعد الأمير أحمد بن عبد العزيز المسؤول الثاني في تاريخ الوزارة الذي تقلد منصب نائب وزير الداخلية، حيث تقلد هذا المنصب قبله الأمير نايف في فترة الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد)، عندما كان وزيرا للداخلية، وتم تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز كنائب لوزير الداخلية في 13/ 2/ 1395هـ. وقبل أربعة عشر عاما، تم تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، وتم ربط القطاعات الأمنية به، وقاد الأمير محمد جهودا لافتة للقضاء على الإرهاب التي اكتوت بلاده بنارها، ونجح في القضاء على بؤرة الإرهاب وبسببه تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة قامت بها العناصر الإرهابية.