وادي خالد تحت رحمة قذائف الجيش السوري ونزوح من المنازل المواجهة للمواقع العسكرية

خبير استراتيجي يتخوف من عمليات انتقامية للشبيحة في البلدات الحدودية اللبنانية

TT

لا تزال القرى والبلدات اللبنانية القريبة من الحدود السورية تدفع ضريبة الأحداث السورية المفتوحة على شتى الاحتمالات، بدءا من بلدة عرسال البقاعية وصولا إلى بلدة العريضة في الشمال.

فقد سقطت منتصف ليل أول من أمس عدة قذائف على منطقة البقيعة في وادي خالد والطريق العام وقرب الأمانة الجمركية عند معبر الريداني الحدودي مع سوريا، كما سجل إطلاق نار كثيف طاول معبر جسر القمار المؤدي إلى وادي خالد. وأكدت مصادر ميدانية سورية لـ«الشرق الأوسط» أن «سقوط هذه القذائف جاء بعد اقتحام مجموعة من الجيش السوري الحر، موقعا للجيش النظامي في منطقة العرموطة القريبة من جسر القمار الشرعي، الذي يقع على مرمى حجر وعلى بعد لا يتجاوز الـ200 متر عن الأراضي اللبنانية، ووقوع اشتباكات عنيفة بين الطرفين استمرت لأكثر من ساعة». ولفتت المصادر إلى أن «المعلومات الأولية تحدثت عن تدمير دبابتين للجيش النظامي الذي رد بإطلاق القذائف والرشقات النارية في كل الاتجاهات، لكن لم يبلغ عن وقوع إصابات بشرية».

أما من الجهة اللبنانية فأعلن ناشط من وادي خالد، أن «كل قرى الوادي تعيش حالة اضطراب ليلية بشكل يومي بسبب القذائف السورية وإطلاق النار على المنازل». وأكد الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن «أهالي وادي خالد لم يعرفوا طعم النوم ليلة أمس (أول من أمس) بسبب القصف والرصاص الغزير الذي استهدفهم، وحالات الاستنفار»، مشيرا إلى أن «حركة نزوح كبيرة حصلت من المنازل القريبة من الحدود ترافقت مع استنفار شعبي، لأن معظم المنازل المواجهة للمواقع السورية أصيبت بالرصاص».

وفي سياق التطورات المرتبطة بموضوع الحدود، أفادت قناة «الإخبارية السورية» أن «الجهات المختصة صادرت كمية من الأسلحة في منطقة جسر بغداد مهربة من لبنان، والأسلحة المصادرة عبارة عن 6 قذائف آر بي جي، 7 بنادق إم 16. رشاش بك سي، 25 حشوة آر بي جي وآلاف الطلقات».

وفي القراءة السياسية والعسكرية لاضطرابات الحدود، رأى الخبير الاستراتيجي والعسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر أن «هذه الحوادث تقع ضمن الإرث الكبير من التناقضات القائمة ما بين سنة لبنان والنظام السوري». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا التناقض كان قائما طيلة وجود الجيش السوري في لبنان، إذ لم يكن هناك من انسجام سياسي أو توافق على النظرة السياسية والأمنية للدور السوري». وأكد عبد القادر أن «عملية اغتيال الرئيس (الحكومة الأسبق) رفيق الحريري أحدثت انقساما عموديا بين سنة لبنان والنظام السوري وصلت إلى حد العداء». ولفت إلى أن «الموقف السياسي العام للقاعدة السنية وحتى للقيادات يعبر بوضوح عن التأييد التام للثورة السورية التي انفجرت بوجه حكم آل الأسد، وهذا ما تجلى باحتضان المناطق السنية الحدودية للنازحين السوريين، ومساعدة الذين فروا من سوريا من المعارضين، فكان من الطبيعي أن يترجم هذا التناقض بما نشهده من تجاوزات واعتداءات، وهي مرشحة أن تستمر وتتطور».

ولم يستبعد الخبير الاستراتيجي أن «يصل الأمر بالجيش السوري والشبيحة إلى أن ينفذوا عمليات انتقامية جماعية ضد القرى اللبنانية الحدودية سواء في عرسال أم عكار، سيما أن الاتهامات لهذه المناطق تجاوزت مسألة إيواء النازحين إلى حد تهريب الأسلحة والذخائر والمقاتلين إلى سوريا، فالنظام السوري لا ينفك يسوق فكرة أن ما يحصل عنده ليس ثورة شعبية، إنما مؤامرة فجرتها جهات خارجية وبعض الدول العربية من أجل تغيير النظام، وما أعلنه وزير الدفاع اللبناني (فايز غصن) عن تسلل عناصر لتنظيم القاعدة من بلدة عرسال إلى سوريا كان بطلب سوري، ورأينا كيف تلقفت وزارة الخارجية السورية هذا الكلام، وقدمته إلى الأمم المتحدة». وشدد عبد القادر على أن «واقع الحدود المتأزم لا يمكن تجاوزه بالمدى المنظور، لأن سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة عجزت عن احتواء هذه الاعتداءات، لذلك فإن هذه العمليات ستستمر». وقال: «ليس من مصلحة الحكومة نشر الجيش على الحدود مباشرة لأن ذلك قد يؤدي إلى احتكاكات بين الجيشين، وهذا ليس محمودا ولذلك فهذه الحكومة بوضعها الحالي لا يمكنها القبول بإرسال الجيش إلى الحدود».