اليمين الفرنسي تمزقه النزاعات بعد هزيمتين ساحقتين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية

4 ملفات قضائية تلاحق ساركوزي بعد انتهاء فترة الحصانة الدستورية

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى حضوره حفل تأبين في مونت فاليريان في سوران، بالقرب من باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

أيام سوداء تنتظر اليمين الفرنسي عقب هزيمتين سياسيتين رئيسيتين: الأولى في الانتخابات الرئاسية يوم 6 مايو (أيار) الماضي التي خسرها الرئيس نيكولا ساركوزي، والثانية أول من أمس مع الانتصار الساحق للحزب الاشتراكي في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي منحه أكثرية مطلقة لقيادة شؤون الدولة على هواه طيلة خمس سنوات، ولتطبيق برنامج فرنسوا هولاند داخليا وأوروبيا. ووصل الأخير إلى لاس كابوس (المكسيك) للمشاركة في قمة العشرين من موقع قوة وبشرعية شعبية متجددة. وستلي ذلك القمة الأوروبية التي ستكرس للنظر في مصير منطقة اليورو ومسألة الديون، وذلك على خلفية خلاف مستحكم بين الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إزاء الخط الواجب اتباعه. وخرج اليمين الفرنسي مثخنا من المنافسة الانتخابية، حيث تراجع عدد نوابه في الجمعية الوطنية من 317 إلى 220 نائبا، بحيث سيطر اللون الوردي (لون الحزب الاشتراكي) على المجلس النيابي الجديد. وبذلك يكون اليسار الفرنسي قد حقق إنجازا غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة، حيث تمكن، عبر صناديق الاقتراع، من السيطرة على كل مفاصل الدولة، الأمر الذي لم يتحقق حتى لفرنسوا ميتران، أول رئيس اشتراكي. وسيكون على اليمين القيام بجردة حساب لجلاء الأسباب التي أدت إلى هزيمته وإعادة النظر في تركيبته وفي خطه السياسي وفي إظهار المسؤوليات. وطالب ألان جوبيه، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، بـ«إعادة إرساء أسس الحزب» فيما سارع جان بيار رافاران، رئيس الوزراء السابق وأحد أركانه، إلى التنديد بذهاب الحزب إلى «خيارات اليمين المتشدد» الممثل بالجبهة الوطنية، الأمر الذي بدأ مع ساركوزي في حملته الرئاسية واستمر في الحملة التشريعية. ولم ينفع تخويف الفرنسيين من مشروع الرئيس هولاند بإعطاء الأجانب حق التصويت في الانتخابات المحلية، ولا من السياسة «المتسامحة» مع الأجانب، ولا من نيته زيادة الضرائب والعودة عن عدد من الإصلاحات التي جرت في عهد ساركوزي، مثل تأخير سن التقاعد. كذلك لم يجد نفعا قيام أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني بإطلاق صفارات الإنذار من «الإفلاس الحتمي» الذي ينتظر فرنسا وتحولها إلى «اليونان الأخرى»، أو التخويف من الخلاف المستحكم مع ألمانيا ونتائجه على مستقبل البناء الأوروبي. وجاءت نتيجة انتخابات الأحد لتبدد آمال آخر المتفائلين في معسكر اليمين من قدرتهم على إعادة تعبئة أنصارهم وجمهورهم لتفادي «الكارثة» التي تسير فيها فرنسا. ويضاف إلى «مآسي» اليمين ظهور ملامح معركة طاحنة بين قادته على زعامة الحزب بعد انسحاب زعيمه «الطبيعي» الرئيس السابق نيكولا ساركوزي مؤقتا من الحلبة السياسية. وحتى الآن، يتنافس على رئاسة الحزب أمينه العام الحالي جان فرنسوا كوبيه، وهو وزير سابق إبان عهد الرئيس جاك شيراك، الذي لا يخفي عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017، ورئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون الذي شغل هذا المنصب طيلة خمس سنوات. وفاز فيون بمقعد نيابي عن إحدى الدوائر الباريسية بأكثرية مريحة. وتنسب له الرغبة في التنافس على منصب رئاسة بلدية باريس عام 2014 العائد حاليا للاشتراكي برتراند دولانويه. وأمس، أعلن وزير الاقتصاد السابق فرنسوا باروان عزمه، هو الآخر، على الترشح لرئاسة الحزب التي ستحسم في مؤتمره العام في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وبحسب استطلاعات الرأي، فإن فيون يتمتع بأكبر شعبية من المتنافسين. ولا يستبعد، في حال حمي الوطيس، أن يتم اختيار الوزير جوبيه «مرشح تسوية» بين المتنافسين الرئيسيين. وتكمن أهمية رئاسة الحزب في أن صاحب المنصب يمكن أن يكون «المرشح الطبيعي» للرئاسة في الدورة المقبلة. ولا تنتهي مآسي اليمين عند هذا الحد؛ فيوم الجمعة الماضي، انتهت فترة الحصانة الدستورية التي كان يتمتع بها الرئيس ساركوزي التي كانت تحميه من الملاحقة القضائية، وذلك بعد مرور شهر كامل على تسليمه السلطات الرئاسية إلى خليفته في قصر الإليزيه وفق نصوص الدستور. وبذلك يعود ساركوزي إلى حالة الشخص العادي الخاضع للمساءلة القضائية. والحال أن أربعة ملفات على الأقل تنتظر ساركوزي؛ إذ تحوم شكوك بصدد تمويل حملته الانتخابية في عام 2007 بشكل مخالف للقانون من قبل ثرية فرنسا الأولى ليليان بتنكور. كذلك يرد اسم ساركوزي في صفقات وعمولات تتناول بيع أسلحة (غواصات وفرقاطات) إلى باكستان والخليج إبان تسلمه وزارة الاقتصاد في حكومة إدوار بالادور (أواسط التسعينات) وهو ما يسمى بـ«فضيحة كراتشي»، ناهيك بظنون بوجود دور مالي لليبيا في الحملات الرئاسية، وفق مراسلات كشف عنها مؤخرا في باريس، أو مخالفات ارتكبها الإليزيه أثناء رئاسة ساركوزي في تلزيم استطلاعات للرأي لشركة يمتلكها أحد مستشاري ساركوزي لشؤون الرأي العام.

هكذا، تلج فرنسا مرحلة جديدة مع خريطة سياسية وتوجهات جديدة في الداخل والخارج. غير أن العهد الجديد لن يحظى بـ«فترة سماح»، كما أن البرلمان الجديد سيبدأ أوائل الشهر المقبل دورة استثنائية للنظر في أول مشاريع القوانين التي ستنقل إليه والتي وعد هولاند بالإسراع فيها. لكن الأنظار ستبقى مركزة على تطور موضوع الديون وحالة العملة الأوروبية الموحدة ومنطقة اليورو. وفيما سيبدأ الفرنسيون التوجه إلى الشواطئ والمنتجعات في عطلتهم الصيفية، لن يستطيع هولاند وفريقه الحكومي التنعم بما يوفره الحكم من امتيازات؛ إذ إن الزمن لشد الأحزمة ولعصر النفقات، وخصوصا للعمل الجدي سعيا لتكذيب ما يتوقعه اليمين وما يروج له من أن البلاد، في زمن الاشتراكيين، ستسير إلى الهاوية.