«القاعدة» في اليمن تغير استراتيجيتها وتعود للاغتيالات بعد خسارتها في أبين

سياسيون وعسكريون: الجهود القادمة تتركز على الجانب الأمني والاستخباراتي.. والتنظيم الإرهابي لجأ للجبال وذابت في القبائل

جنود يمنيون يشاركون في تشييع القائد العسكري المقتول الجنرال سالم علي قطن في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

قال مصدر في الشرطة، أمس، إن اليمن أحبط مخططا لمهاجمة سفارات أجنبية في العاصمة صنعاء، وهو ما يأتي بعد أيام من نجاح الجيش في طرد المتشددين المرتبطين بـ«القاعدة» من معاقلهم في جنوب البلاد. وقال المصدر إن الشرطة في صنعاء أوقفت سيارة تقل ثلاثة أشخاص معهم أسلحة ومتفجرات وخرائط مبين عليها مواقع سفارات أجنبية وبيوت شخصيات عسكرية ومدنية. وأضاف أن التحقيقات الأولية كشفت عن أن المجموعة كانت تخطط لاستهداف مصالح أجنبية. واستعادت القوات اليمنية الأسبوع الماضي السيطرة على عدة بلدات في محافظة أبين بجنوب البلاد كان المتشددون قد سيطروا عليها العام الماضي أثناء الاضطرابات السياسية التي أطاحت في وقت لاحق بالرئيس السابق علي عبد الله صالح. لكن اغتيال قائد عسكري كبير في جنوب اليمن بمدينة عدن الساحلية، أول من أمس، أظهر أن المتشددين ما زالوا قادرين على شن هجمات، وسلط الضوء على ضعف سيطرة السلطات المركزية اليمنية على جنوب البلاد.

وهددت جماعة «أنصار الشريعة» المتشددة بنشر القتال في شتى أنحاء اليمن بعد طردها من أبين. وقالت وزارة الداخلية اليمنية إنها عززت الأمن ردا على ذلك. وتشعر الولايات المتحدة بقلق متزايد بشأن قوة الجماعات المتشددة في اليمن في ما يبدو وتدعم الجيش اليمني بالتدريب والمعلومات وزيادة المساعدات. وتستخدم كذلك طائرات بلا طيار لاستهداف من يعتقد أنهم من أعضاء «القاعدة».

وكانت «القاعدة» قد قتلت يوم الاثنين الماضي إحدى أبرز الشخصيات العسكرية في اليمن، وهو اللواء سالم علي قطن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية ورأس حربة عمليات الجيش اليمني ضد «القاعدة» في محافظة أبين التي استعادت الحكومة اليمنية السيطرة عليها كاملة بعد دحر مسلحي «القاعدة» في زنجبار وجعار وشقرة. وفي اليوم ذاته تعرضت حملة عسكرية برفقة محافظ شبوة لكمين مسلح وهي في طريقها إلى عزان آخر معاقل «القاعدة» في محافظة شبوة، والتي انسحبت منها وسلمتها للجنة من وجهاء المنطقة باتفاق يقضي بتجنيب عزان مصير أخواتها في أبين، وسقط في الكمين قتلى وجرحى، ونجا المحافظ علي حسن الأحمدي من الكمين الذي يعتقد أن وراءه عناصر «القاعدة».

وقبل ذلك بيوم واحد، قتل مسؤول أمني كبير بالمكلا في انفجار عبوة ناسفة. وقال مصدر أمني إن تنظيم القاعدة زرع عبوة ناسفة أمام بوابة مركز الشرطة بمنطقة روكب بمدينة المكلا عاصمة حضرموت، تسببت في مقتل مدير المركز العميد أحمد الحرملي. وقبل ذلك، وأثناء المعارك التي بدأت تميل لصالح الطرف الحكومي ضد «القاعدة»، نفذ التنظيم يوم الاثنين 21 مايو (ايار) الماضي ضربة موجعة ضد القوات الحكومية، وذلك بعملية انتحارية وسط عدد كبير من الجنود الذين كانوا يتدربون في بروفة لعرض عسكري كان مقررا اليوم التالي للاحتفاء بذكرى الوحدة اليمنية في ميدان السبعين بالقرب من القصر الرئاسي وسط صنعاء. وقتلت العملية أكثر من مائة عسكري وأصيب ثلاثمائة آخرون بجراح في مؤشرات قوية على عودة تنظيم القاعدة إلى استراتيجيته القديمة المتمثلة في الاغتيالات والعمليات الانتحارية التي قتل بها الكثير من القادة والضباط الأمنيين خلال العامين الماضيين.

ويذكر محمد قحطان، القيادي البارز في التجمع اليمني للإصلاح الذي يقود تحالف اللقاء المشترك في حكومة الوفاق الوطني في اليمن، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «تنظيم القاعدة قد قتل 42 ضابط أمن خلال العامين الماضيين في المحافظات الجنوبية، معظمهم من الأمن السياسي، ونحو 30 ضابطا منهم اغتيلوا في عدن وحدها، بما يشير إلى محاولات سابقة من النظام السابق لتصفية جهاز الأمن السياسي أو إضعافه لصالح جهاز الأمن القومي، وكانت (القاعدة) قد استفادت من محاولات كهذه».

أسلوب العمليات الانتحارية ليس جديدا على «القاعدة»، بل هو الأصل في استراتيجية حربها ضد الحكومة اليمنية والمصالح الغربية في اليمن، غير أنه لوحظ بشكل واضح أن «القاعدة» هدأت كثيرا خلال فترة امتدت لأكثر من عام، شهد فيها اليمن ما بات يعرف بـ«ثورة الشباب» لعدة أسباب، منها حالة الإرباك التي أصابت «القاعدة» إزاء ثورة الربيع العربي بشكل عام، ومنها وذلك هو الأهم أن «القاعدة» فضلت استغلال الفراغ الأمني الذي حدث بعد سحب أعداد كبيرة من عناصر الجيش والأمن من محافظة أبين، وذلك لتحقيق نصر سهل من دون أن يقتل أفرادها في العمليات الانتحارية التي تلجأ إليها عندما يضيق عليها الخناق الأمني والتي تشير مؤشرات قوية إلى أن القاعدة قد بدأت التحول إلى اعتمادها مجددا بعد المعارك الأخيرة في محافظة أبين جنوب البلاد.

يقول قحطان «ستعود (القاعدة) إلى أسلوبها القديم المتمثل في تنفيذ العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة لاستهداف المصالح الحكومية والغربية، وستعود إلى أسلوب الاغتيالات بعد الهزيمة التي أوقعها الجيش بها في أبين».

وقد نقلت وسائل إعلام يمنية عن زعيم «القاعدة» في أبين جلال بلعيدي المرقشي تأكيده أن ما يصرفه التنظيم من أموال في المحافظة وخارجها يصل إلى 400 مليون ريال. وهدد المرقشي بتخصيص هذا المبلغ للحرب مع الحكومة في حال قررت «القاعدة» العودة للاستراتيجية القديمة، أي «المفخخات والعمليات الانتحارية»، قائلا إن ذلك «سيحدث فارقا في الحرب القادمة يفوق أمر السيطرة على الأرض أو خسارتها».

جولة جديدة من المعارك يرى المراقبون أنها بدأت بين «القاعدة» والحكومة اليمنية، بعد أن أخفى تنظيم القاعدة مقاتليه بعيدا في الملاذات الجبلية، وذوبهم في مناطقهم التي وفدوا منها على ما يبدو، وانسحب من المدن التي أنشأ فيها إماراته، وخبأ أسلحته مع مقاتليه بعيدا عن الأنظار.

يقول العميد محمد الصوملي، قائد اللواء 25 ميكا الذي دخل زنجبار عاصمة محافظة أبين، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «الحقيقة أننا كنا نتوقع أن تقوم (القاعدة) بمثل هذه الأعمال بعد الهزيمة التي منيت بها في أبين. شيء معروف أن (القاعدة) ستلجأ لاستهداف شخصيات رسمية وعسكرية وأمنية، وأن تعود إلى سياسة الهجمات الانتحارية ضد مواقع أو دوائر حكومية أو مصالح غربية في البلاد». ويبدو أن عناصر «القاعدة» بدأت تعد لمثل هذا التطور في خططها لإدارة المعركة في المراحل القادمة، وذلك بالعودة إلى الاختفاء عن الأنظار، والذوبان في النسيج الاجتماعي.

يقول الصوملي «أعتقد أن هذه العناصر بعد أن خرجت من أبين توزعت: الكثيرون عادوا إلى مناطقهم التي جاءوا منها، والأجانب ربما لجأوا إلى المناطق الجبلية النائية بعيدا عن الأنظار».

ويؤكد محمد قحطان الفكرة ذاتها بقوله «(القاعدة) كأي قوة إرهابية عندما تنهزم، وتؤخذ منها الأرض، فإنها تلجأ إلى أسلوب حرب العصابات، والهجمات المباغتة، وهذا يتطلب رفع كفاءة الأجهزة الأمنية التي يتوجب عليها الاصطفاف لمواجهة التحديات القادمة تماما كما حدث الاصطفاف في مؤسسة الجيش خلال معركة طرد (القاعدة) من أبين». وتشير الدلائل إلى أن المرحلة القادمة ربما كانت أكثر خطورة على مستوى المواجهة، وأن جهودا كبيرة اقتصادية وثقافية وأمنية واجتماعية لا بد من تضافرها في المواجهة. يقول قحطان «أعتقد أن تكثيف الوعي الديني، بموازاة الحلول العسكرية والأمنية مطلوب، والجانب الإنمائي مهم، ودعم دور اللجان الشعبية في غاية الأهمية خاصة وقد كان لها دور مميز في دحر تنظيم القاعدة في محافظة أبين» وفي حين يرى العميد الصوملي أن «الجهود ينبغي أن تتركز خلال الفترة القادمة على الجوانب الأمنية والاستخباراتية لانتهاء الجيش من مهمة طرد (القاعدة) من المدن التي سيطرت عليها»، يقول محمد قحطان «مع أن الجهد القادم هو جهد أمني فإنه تنبغي الإشارة إلى أن الحاجة للمجهود العسكري ما زالت قائمة في ظل وجود بعض البؤر والجيوب التي ما زالت (القاعدة) تتمركز فيها هنا وهناك على الرغم من الانتهاء من المهام الكبرى التي أداها الجيش بنجاح». وقد أسفرت المعارك بين قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية التي ساندته من جهة وعناصر «أنصار الشريعة» المرتبط بتنظيم القاعدة من جهة أخرى عن مقتل 567 بينهم 429 من مقاتلي «القاعدة» و78 جنديا، بحسب تعداد وكالة الصحافة الفرنسية. وفي حين يبدو العدد مرتفعا فإنه لا يبدو أنه سيتوقف عند حد معين في ظل إصرار اليمن على مواجهة «القاعدة» بدعم لوجيستي أميركي يتمثل في الدعم الاستخباراتي والتدريب، وهجمات الطائرات من دون طيار، وفي ظل إصرار «القاعدة» على نقل المعركة إلى المدن كما هددت من قبل، ولجوئها إلى تغيير استراتيجيتها في المواجهة التي لا تبدو نهايتها قريبة بين الطرفين في اليمن.