محتجون سودانيون يشتبكون مع الشرطة في الخرطوم لليوم الثالث

مجلس الأمن يعبر عن قلقه حيال تأخير تنفيذ الخارطة الأفريقية لحل النزاعات بين السودان وجنوب السودان

TT

اشتبك عدد من المحتجين مع الشرطة السودانية في الخرطوم لليوم الثالث أمس في مظاهرات ضد خطط الحكومة التقشفية للتعامل مع أزمة اقتصادية، حسب إفادة شاهد عيان لوكالة الصحافة الفرنسية أمس. ويواجه السودان عجزا في الميزانية وتناقصا في قيمة عملته وارتفاعا في التضخم منذ انفصال جنوب السودان قبل عام الذي حرم السودان من ثلاثة أرباع إنتاج البلاد النفطي والذي كان من قبل مصدرا رئيسيا لصادرات وإيرادات البلاد. ورغم أن السودان لم يشهد انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بزعيمي مصر وليبيا المجاورتين فإن مظاهرات صغيرة اندلعت بسبب أسعار الغذاء وقضايا أخرى خلال الشهور الأخيرة.

وقال شاهد طلب عدم نشر اسمه لحساسية الوضع إن أكثر من 100 متظاهر أغلقوا شارعا في الخرطوم اليوم واشتبكوا مع الشرطة وهم يهتفون «لا لا للتضخم» و«الشعب يريد إسقاط النظام». وأضاف أنه مثلما حدث في اليومين السابقين استخدمت الشرطة هراوات وغازات مسيلة للدموع لتفرقة الحشد.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إن المظاهرات ما زالت مستمرة في الخرطوم احتجاجا على الغلاء المتصاعد، إضافة إلى معارضة القطاعات الشعبية لرفع الدعم عن المحروقات الذي سيؤدي إلى رفع أسعار السلع الضرورية». وأضافت المصادر أن «معالجة المشكلة الاقتصادية تتطلب إجراءات حاسمة في تخفيض عدد الدستوريين الذين يشكلون عبئا ماليا باهظا على ميزانية البلاد». وتابعت «إن المتظاهرين بدأوا يرددون هتافات تندد بالغلاء وتدعو إلى إسقاط النظام».

وقالت الشرطة أول من أمس في بيان إن اشتباكات محدودة وقعت مع طلبة تم خلالها اعتقال بعض الأشخاص واتهمت المتظاهرين بمحاولة إثارة أعمال شغب. وقال نشطاء إن احتجاجات صغيرة أيضا اندلعت في حرمين جامعيين اليوم إلا أنه لم يتسن التأكد من الخبر بشكل مستقل.

وتأتي الاحتجاجات جزئيا ردا على إعلان الرئيس السوداني عمر البشير إجراءات تقشف صارمة أول من أمس لخفض العجز في الميزانية الذي قال وزير المالية إنه يبلغ 2.4 مليار دولار. ومن بين القضايا الشائكة خطة لإلغاء دعم الوقود تدريجيا وهي خطوة يخشى كثير من السودانيين أن تؤجج من التضخم الذي بلغت نسبته 30 في المائة في مايو (أيار). ولم تكتسب احتجاجات طلابية سابقة في الخرطوم والمدن الجامعية زخما كبيرا وقال سياسيون معارضون الأسبوع الماضي إنهم يعتزمون تنظيم احتجاجات ضد إلغاء دعم الوقود. وكان من المفترض أن يستمر السودان في تحقيق بعض العائدات من الإنتاج النفطي الذي يبلغ نحو 350 ألف برميل يوميا والذي ورثه جنوب السودان مع الانفصال بموجب اتفاق يدفع بمقتضاه جنوب السودان الذي ليس له موانئ رسوما مقابل استخدام خطوط الأنابيب ومنشات أخرى في الشمال. ولكن السودان وجنوب السودان أخفقا في التوصل لاتفاق بخصوص الرسوم ووصل الخلاف إلى ذروته عندما أوقفت جوبا إنتاجها بالكامل في يناير (كانون الثاني) لمنع الخرطوم من مصادرة بعض النفط. وزادت التداعيات الاقتصادية من معاناة الشعب الذي أرهقته بالفعل أعوام من الصراع والعقوبات التجارية الأميركية وسوء الإدارة الاقتصادية.

من جانب آخر، أجاز مجلس الوزراء السوداني في اجتماعه الطارئ اليوم برئاسة الرئيس عمر البشير مشروع قانون تعديل موازنة الدولة لعام 2012م والذي قدمه على محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني، وهي الإجراءات التي قادت إلى عمليات احتجاجات واسعة في البلاد. وقال الدكتور عمر محمد صالح الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء في تصريحات صحافية إن التعديل اقتضته جملة من التحديات تمثلت في تدني الإيرادات القومية بسبب توقف عائدات نقل بترول الجنوب عبر السودان، وأضاف أن زيادة الصرف على الأمن والدفاع سببه الاستهداف الخارجي وزيادة الدعم على المحروقات بسبب زيادة استيراد المواد البترولية، وقال «هذا التعديل يتضمن جملة من الإجراءات تتعلق بتخفيض الإنفاق الحكومي من خلال إعادة هيكلة الدولة على المستويين القومي والولائي وتقليص وتخفيض عدد الدستوريين».

من جهة أخرى، حث مجلس الأمن الدولي أول من أمس السودان وجنوب السودان على اتخاذ إجراءات ملموسة لحل خلافاتهما. وجاء في بيان لمجلس الأمن نشر بعد اجتماع حول هذه المسألة أن «أعضاء مجلس الأمن أشاروا إلى ضرورة أن يحل السودان وجنوب السودان خلافاتهما في إطار الجدول الزمني» الذي ينص عليه القرار 2046 الدولي وخارطة الطريق التي وضعها الاتحاد الأفريقي. وأضاف البيان أن مجلس الأمن اخذ علما بـ«تراجع أعمال العنف في المنطقة الحدودية وأشاد بتحقيق بعض التقدم من قبل الطرفين في تطبيق بنود القرار 2046». ولكن المجلس أعرب في الوقت نفسه عن «قلقه العميق حيال التأخير» في عملية التطبيق وأشار إلى أن «بنودا مهمة (في القرار) لا تزال معلقة». وحذر المجلس من أنه «سوف يراقب عن كثب» تطور الوضع. وكان جنوب السودان انفصل عن الشمال في يوليو (تموز) الماضي بموجب اتفاق سلام 2005 أنهى اثنين وعشرين عاما من الحرب الأهلية. ولكن هذا الانفصال حدث دون حل عدد من القضايا العالقة بين الجانبين.

من جانبه، أكد الدكتور برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» أن وفد بلاده جاهز للتفاوض مع الوفد السوداني. وأضاف «وفدنا سيصل أديس أبابا اليوم ونحن نؤكد على المضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق التي قدمها الاتحاد الأفريقي وبالقرار 2046 الصادر من مجلس الأمن الدولي»، مشيرا إلى أن بلاده توافق على الخريطة المؤقتة التي قدمتها الوساطة بشأن الحدود والمنطقة منزوعة السلاح. وقال «سنقدم خريطتنا ووثائقنا التي توضح حدود السودان في عام 1956 ورفض الخرطوم المتكرر لا يفيدها لأن مجلس الأمن الدولي حدد الثاني من أغسطس (آب) المقبل آخر موعد بالنسبة للطرفين».