قوى الإسلام السياسي في مصر تعلن تمردها على السلطات القضائية والعسكرية

يقوده نواب إخوان وسلفيون في القاهرة وعدة محافظات.. بمشاركة ائتلافات شبابية

مصري معارض للقرارات الدستورية والإعلان المكمل يتظاهر أمام مبنى مجلس الشعب المحاصر بقوات الأمن أمس (إ.ب.أ)
TT

في تصعيد خطير بمصر، أعلنت قوى الإسلام السياسي في القاهرة وعدة محافظات أمس تمردها على السلطات القضائية والعسكرية. وقاد نواب من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، بمشاركة ائتلافات شبابية بالقاهرة وعدة محافظات، مظاهرات ودعوات لعدم الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، أو بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم القاضي بتنفيذ حكم المحكمة بحل البرلمان ووضع إعلان دستوري مكمل يمنحه سلطات إضافية مع تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل.

يأتي ذلك وسط مخاوف من أن يسفر التصعيد عن اقتحام مقر البرلمان الذي تحرسه قوات من الشرطة والجيش. وقالت مصادر برلمانية إن الحملة التي تبنتها قيادات في جماعة الإخوان المسلمين لعقد جلسة في البرلمان الذي تم حله الأسبوع الماضي، فشلت، بعد رفض غالبية النواب من التيارات الليبرالية واليسارية، الانضمام إلى الدعوة الإخوانية التي يتبناها رئيس البرلمان المنحل، الإخواني الدكتور سعد الكتاتني. وحلت المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس الماضي مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) لعدم دستورية القانون الذي جرت عليه الانتخابات البرلمانية مطلع هذا العام.

وتابعت المصادر البرلمانية قائلة إن عددا من أعضاء البرلمان الإسلاميين مصحوبين بعشرات من المتظاهرين الذين كانوا يحتجون في ميدان لتحرير المجاور، توجهوا إلى مقر البرلمان، لكن الحرس الخاص بمجلس الشعب منع فتح الأبواب لهم، على الرغم من توجيه الكتاتني دعوة للنواب عبر وسائل الإعلام قبل يومين، للتوجه إلى مقر البرلمان لعقد جلسة خاصة يبحث فيها حكم المحكمة الدستورية بحل البرلمان.

وأكد مصدر أمني رفيع المستوى بوزارة الداخلية المصرية أن قيام شرطة مجلس الشعب بمنع دخول الأعضاء جاء بناء على قرار من الأمانة العامة للمجلس بحظر دخول الأعضاء إلى المجلس وقصر الدخول فقط على العاملين بداخله والمحررين البرلمانيين؛ وذلك في أعقاب صدور قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب، وما تبعه من قرار أصدره المجلس العسكري بتنفيذ حل المجلس.

وقال المصدر الأمني لـ«الشرق الأوسط» إن وزارة الداخلية ليست طرفا في منع الأعضاء من دخول مجلس الشعب، ولكنها جهة تنفيذية لما يصدر من قوانين أو قرارات، لافتا إلى أنه عندما توجه النائب السابق محمود الخضيري رئيس اللجنة التشريعية بالمجلس والنائب السابق محمد العمدة وكيل اللجنة أول من أمس وحاولا دخول مقر اللجنة بالبرلمان، تم توضيح التعليمات لهما وتقبلاها في هدوء، لعلمهما التام بأن وزارة الداخلية ليست طرفا في الأمر.

وفي تصعيد لها، طالبت قيادات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان، وغالبيتها ذات توجهات إسلامية، باعتبار حكم المحكمة الدستورية كأن لم يكن و«منعدم الأثر». وقالت مصادر في البرلمان إن اللجنة الدستورية والتشريعية في البرلمان رفعت مذكرة مفصلة عن الوضع القانوني لمجلس الشعب إلى رئيسه سعد الكتاتني، وأوصت فيه بإقامة دعوى مخاصمة ضد الجهة التي أصدرت حكم حل مجلس الشعب، وكذا العمل على اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف تنفيذ قرار المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخصوص حل البرلمان.

ودعت اللجنة الدستورية والتشريعية، وفقا للمصادر نفسها، إلى إبطال القرارات التي اتخذتها وزارة العدل بمنح الضبطية القضائية للمخابرات الحربية والشرطة العسكرية تجاه المدنيين.

واتهم المستشار الخضيري المجلس العسكري بالتواطؤ مع المحكمة الدستورية لإصدار قرار بطلان البرلمان من أجل «عودة السلطة له من جديد»، مشيرا إلى أن قرار حل البرلمان يشمل بطلان عضوية الثلث فقط ولا يشمل حل البرلمان بأكمله.

وفي مبنى البرلمان أيضا الذي تم غلق أبوابه الحديدية في وجه النواب، أشار مصدر أمني إلى أن النائب السابق أنور البلكيمي عضو مجلس الشعب عن حزب النور السلفي قام أمس أيضا بتحرير محضر إثبات حالة بقسم شرطة قصر النيل لقيام حرس البرلمان بمنعه أمس من الدخول، وتم اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة حيال الأمر.

من جانبه، أعلن حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، رفضه قرار الحل وطالب باستفتاء شعبي عليه، متهما المجلس العسكري بالرغبة في الاستحواذ على كل السلطات رغما عن الإرادة الشعبية، حسب قوله. وقال الدكتور الكتاتني إن الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس (آذار) من العام الماضي خلا من أي مادة صريحة أو تحتمل التأويل بأحقية أي جهة في تنفيذ حكم الدستورية بحل البرلمان. وأضاف أنه أحال الحكم إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس للتشاور مع أساتذة القانون الدستوري لدراسة كيفية التعامل مع هذا الحكم.

وفي الإسكندرية، شدد نواب من التيار الإسلامي في بيان مشترك أمس على رفضهم حل مجلس الشعب. وقال النائب صابر أبو الفتوح رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب المنحل، الذي كان مشاركا بقوة في مسيرات بالإسكندرية أمس، إنه يرفض قرار حل البرلمان، ووصف القرار بأنه «انتقامي لسلب التيار الإسلامي قوته بأي شكل بعد فرض تفوقه في انتخابات الرئاسة».

وفي القاهرة، أعلنت الهيئة العليا لحزب الوفد احترامها الكامل لحكم المحكمة الدستورية العليا، ورفض الحزب في اجتماع لهيئته أمس الدخول في أي جدل دستوري أو قانوني حول حكم المحكمة الدستورية، قائلا إن حزب الوفد سيبذل كل يستطيع للبعد عما يمكن أن يتسبب في الفرقة بين المصريين.

وتجمع العشرات من المتظاهرين أمام مقر مجلس الشعب ظهر أمس احتجاجا على منع النواب من دخول المجلس، واحتجاجا على إصدار المجلس العسكري الحاكم إعلانا دستوريا مكملا. وردد المتظاهرون هتافات ضد المجلس العسكري محملة إياه مسؤولية حل البرلمان.

كما طالب المتظاهرون بتحركات شعبية لتمكين النواب من دخول مقر البرلمان عنوة. ونظم المتظاهرون عددا من الحلقات النقاشية في محيط المجلس حول التحركات التي يجب أن تتخذها القوى الثورية لإعادة عقد جلسات مجلس الشعب. وردد المتظاهرون هتافات مناوئة للشرطة والجيش، مطالبين بإعادة محاكمة قتلة الثوار وإبعاد بقايا النظام السابق عن السلطة.

وانضمت للمتظاهرين مسيرة قادمة من ميدان التحرير، تضم العشرات من الشباب، مطالبين بإنهاء الحكم العسكري في مصر بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد، كما طالبوا بإقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري وتشكيل حكومة جديدة.. قائلين إن ما قام به المجلس العسكري «انقلاب». وأعلنت عدة حركات وائتلافات ثورية؛ منها حركة 6 أبريل، والاشتراكيون الثوريون، عدم اعترافها بشرعية الإعلان الدستوري المكمل الصادر من المجلس العسكري. وقالت «6 أبريل» ليلة أول من أمس إن معركتها مع المجلس العسكري لم تنته، وإن الإعلان الدستوري المكمل «جاء لتأمين دولة العسكر»، داعية للتصعيد في هذا الاتجاه.

وقال يوسف شعبان القيادي في «الاشتراكيين الثوريين» بالإسكندرية إن ما قام به المجلس العسكري «فرض لأمر واقع بالقوة»، وإن المجلس العسكري «منح نفسه سلطات فوق رئيس الجمهورية المنتخب وكل السلطات الأخرى بحيث جمع في يده السلطات التنفيذية والتشريعية؛ بخلاف سلطته العسكرية». واجتاحت مدينة الإسكندرية مسيرات لقوى إسلامية غاضبة تحت شعار «مليونية الشعب مصدر السلطات» شارك فيها آلاف المواطنين. وشاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها والدعوة السلفية وحزب النور السلفي والجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية وحزب الوسط، وكذلك أعضاء حملتي عبد المنعم أبو الفتوح وحازم أبو إسماعيل الرئاسيتين السابقتين وحركة «حازمون» والهيئة التنسيقية للقوى الوطنية بالإسكندرية.

وقاد عدد من نواب جماعة «الإخوان» المسيرات، رافعين هتافات تعبر عن شعورهم بالانتصار بعد ترجيح فوز مرشحهم محمد مرسي بالرئاسة، وهم يرددون: «الحمد لله وحده.. صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده».

وفي الإسماعيلية، شرق العاصمة المصرية القاهرة، نظمت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها مسيرات احتفالية بتقدم مرشحها محمد مرسي في الانتخابات، وردد المشاركون هتافات ضد المجلس العسكري وضد الفريق أحمد شفيق والنظام السابق.

وفي سياق ذي صلة، أكدت الجماعة الإسلامية في مصر رفضها القاطع الإعلان الدستوري المكمل، الذي أصدره المجلس العسكري المصري أول من أمس، بوصفه خروجا سافرا على الشرعية والمبادئ الدستورية.

وقالت الجماعة في بيان لها أمس: «كنا ننتظر فيه تأكيدا قاطعا من المجلس العسكري على تسليم السلطة للمؤسسات المنتخبة أواخر شهر يونيو (حزيران) الحالي طبقا لتعهداته.. فإذا به يفاجئنا بإعلان دستوري جديد يؤكد فيه على تمديد الفترة الانتقالية؛ بل وينتزع صلاحيات دستورية وقانونية، مما يعتبر تغولا على قواعد الشرعية».

وشددت الجماعة الإسلامية على أنه «لا يصح بحال أن توضع السلطة التشريعية بيد المجلس العسكري حتى وإن كان من حق رئيس الجمهورية المنتخب الاعتراض على إصدار القوانين».

ودعت الجماعة المجلس العسكري وكل القوى السياسية والوطنية إلى تحكيم العقل واعتماد لغة الحوار لتجاوز الأزمة الراهنة منعا للصدام ووصولا لحلول تضمن الاستقرار وتصنع مستقبلا أفضل للأجيال المقبلة.