«جنرالات مصر» يتعهدون بنقل السلطة.. والأميركيون يبدون تخوفهم من الاستيلاء عليها

قرارات «العسكري» الأخيرة ربما كانت رهانا على تعب المصريين من الفترة الانتقالية المضطربة

TT

سعى جنرالات المجلس العسكري الحاكم في مصر أول من أمس للتقليل من أهمية قيامهم بتقليص صلاحيات الرئيس القادم بصورة كبيرة، في الوقت الذي أعرب فيه المسؤولون الأميركيون عن «قلقهم العميق» من المحاولة الواضحة لاغتصاب السلطة.

تأتي محاولة الجنرالات لإعطاء بعض التطمينات في الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات على فوز محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بالانتخابات الرئاسية التاريخية في مصر، وهو الفوز الذي سيجعل جماعة الإخوان المسلمين المنافس الرئيسي للعسكر على السلطة. وفي الوقت الذي يزعم فيه المرشح الرئاسي أحمد شفيق، والذي كان آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بأنه هو المرشح الفائز في الانتخابات، حث أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية الشعب المصري على التريث حتى إصدار النتائج الرسمية، المتوقع الإعلان عنها غدا الخميس.

وفي مؤتمر صحافي استمر لساعتين، لم يتطرق جنرالات المجلس العسكري إلى نتائج الانتخابات، ولم يقوموا بالكثير أيضا لدحض الرسالة الرئيسية التي تفهم من وراء الإعلان الدستوري الذي أصدروه يوم الأحد الماضي، بعد دقائق معدودة من إغلاق مراكز الاقتراع. وبموجب هذا الإعلان، أصبحت القوات المسلحة غير خاضعة عمليا للمساءلة أمام الحكومة المدنية، وتولت السلطة التشريعية، فضلا عن منح جنرالات المجلس العسكري حق الاعتراض على اللجنة المكلفة بكتابة الدستور الجديد وكامل الصلاحيات فيما يخص ميزانية الجيش وإعلان الحرب.

وقالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سوف تعيد النظر في كافة جوانب العلاقات التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بمصر، بما في ذلك المعونة الاقتصادية والعسكرية، إذا لم يقم جنرالات المجلس العسكري بتحركات سريعة لتسليم السلطة إلى رئيس جديد بكامل الصلاحيات والسماح بانتخاب برلمان جديد.

تضيف نولاند: «إن القرارات التي يتم اتخاذها في هذه المرحلة الحرجة سوف يكون لها تأثير كبير بالقطع على طبيعة علاقاتنا مع الحكومة والقادة العسكريين في مصر».

وأعربت نولاند وبعض الشخصيات الأخرى عن الشعور بعدم اليقين والارتباك حول الأوضاع الراهنة وتصريحات المجلس العسكري التي تبدو متناقضة، حيث قالت: «ينبع القلق من حقيقة أن الوضع غير واضح تماما في الوقت الراهن، حتى إن كثيرا من المصريين لا يفهمونه أيضا».

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية لطالما كانت الداعم الأكبر لمصر، فإن الخبراء يؤكدون أن المعونة الأميركية لمصر ليست من بين المخاوف الكبيرة التي يولي لها العسكر بالا في الوقت الراهن.

تقول مارينا أوتاوي، كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الأوسط التابع لـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» والتي يقع مقرها في واشنطن: «إنهم يقاتلون من أجل البقاء على الساحة السياسية كما يعتقدون.. ولمنع شتى أنواع النخب من الوصول إلى الحكم. ليس هناك شيء تستطيع الولايات المتحدة الأميركية القيام به من أجل مصر أكثر سوءا للمجلس العسكري من الدفع من أجل وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم».

وأصدرت المحكمة الدستورية العليا في مصر في الأسبوع الماضي حكما يقضى بحل البرلمان الذي سيطر عليه الإسلاميون. وعلى الرغم من أنه من المعتقد أن الجنرالات يدعمون هذا الحكم بشدة، فإن اللواء محمد العصار، عضو المجلس العسكري، قد أعرب في المؤتمر الصحافي عن أسفه لهذه الخطوة، مؤكدا أن الانتخابات البرلمانية الماضية كانت أهم إنجازات المجلس العسكري منذ أن تولى السلطة في شهر فبراير (شباط) عام 2011.

يضيف العصار: «لم نكن سعداء بقرار حل البرلمان، ولكن لا يستطيع أي شخص التعليق على أحكام السلطة القضائية العليا في مصر»، مشيرا إلى أنه على الرغم من تولي المجلس العسكري للسلطة التشريعية في البلاد حتى يتم انتخاب برلمان جديد في غضون 5 أشهر على الأكثر، فإن الرئيس الجديد سوف يكون له الحق في الاعتراض على القوانين التي يصدرها المجلس العسكري.

وأكد بعض الإسلاميين والليبراليين والشخصيات الأخرى أن حل البرلمان ليس من بين صلاحيات المجلس العسكري، بينما تعهد بعض نواب البرلمان من الإسلاميين والمستقلين بعقد جلستهم القادمة يوم أمس كما كان مقررا لها، ولكن تم منع النواب من دخول مبنى البرلمان، مما يزيد من احتمال وقوع مصادمات.

وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا يوم الاثنين، وصفت فيه الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري بـ«الانقلاب»، وحثت أعضاءها على المشاركة في المظاهرات المناهضة لقرار حل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل.

وخلال المؤتمر الصحافي، حاول اللواء العصار طمأنة المصريين بأن المجلس العسكري سوف يدير عملية الانتقال نحو الديمقراطية، مضيفا: «دعونا ننظر إلى المستقبل وليس الماضي، فنحن جميعا نريد الأفضل لهذا البلد».

يؤكد بعض المحللين أن القرارات الأخيرة لجنرالات المجلس العسكري ربما توضح رهانهم على شعور المصريين بالتعب من الفترة الانتقالية المضطربة التي استمرت 16 شهرا، وأنهم لم يعودوا راغبين في التظاهر ضدهم.

يقول مارك لينش، أستاذ في جامعة جورج واشنطن: «الأمر وما فيه هو اقتراب موعد نهاية المرحلة الانتقالية وشعور الجنرالات بالقلق حول الامتيازات والسلطات المخولة لهم، ولكن حقيقة وصول الإسلاميين للسلطة تجعل من السهل تبرير هذه القرارات أمام الرأي العام المصري والغرب أيضا».

يقول روبرت سبرينغبورغ، خبير في شؤون الجيش المصري في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا، إنه يجب أن لا يتوقع أحد أن يخضع هؤلاء الجنرالات لسلطة حكومة مدنية قوية منتخبة، مضيفا: «دائما ما كان الهدف النهائي واحدا».

على الرغم من لهجة التحدي التي استخدمتها جماعة الإخوان المسلمين لوصف الإعلان الدستوري المكمل، بدا محمد مرسي سعيدا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في وقت مبكر من صباح الاثنين للإعلان عن فوزه.

يؤكد مرسي أنه يسعى لنشر «الاستقرار والمحبة والأخوة في دولة مصرية مدنية قومية ديمقراطية دستورية حديثة»، ولكنه لم يقم بالإشارة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.

وبعد فجر يوم الاثنين الماضي، قام أنصار مرسي بالزحف إلى ميدان التحرير في القاهرة للاحتفال بالانتصار المزعوم للمرشح الإسلامي المحافظ. ثبتت صحة توقعات جماعة الإخوان المسلمين حول نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث تصدر مرسي سباق الانتخابات الرئاسية بعد أن تمكن من حصد 51.6 في المائة من أصوات الناخبين، وذلك وفقا للنتائج الأولية التي أوردتها جريدة «الأهرام» المملوكة للدولة على موقعها على الإنترنت.

وانتقد البيان الذي أصدرته حملة شفيق قيام جماعة الإخوان المسلمين بالترويج لنتائج عير رسمية، بينما أكد مستشارو الحملة يوم الاثنين أن مرشحهم يتصدر السباق الرئاسي بفارق 250,000 صوت، وذلك طبقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط، وكالة الأنباء الرسمية في مصر.

* ساهمت كارين دييونغ من واشنطن في كتابة هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست»