حمص: مدينة انقسمت إلى مدينتين

أحياء العلويين عامرة.. وأحياء السنة خراب

أحد شوارع القصير بحمص أول من أمس بعد أن أحرقه القصف المتواصل من طرف القوات النظامية وتبدو البنايات فيه خالية من سكانها (أ.ف.ب)
TT

حين تتطلع من فوق الأسطح في مدينة حمص السورية يتجلى ميزان القوة بوضوح ففي بعض الأحياء هناك حركة دائبة للأفراد والسيارات وفي أخرى لم يعد هناك سوى منازل خاوية اخترقتها القذائف.

فبعد شهور من الهجمات العسكرية الشرسة والكمائن التي ينصبها مقاتلو المعارضة في حمص قلب الانتفاضة السورية على حكم الرئيس السوري بشار الأسد انقسمت المدينة بالفعل إلى مدينتين. فإلى جانب المنازل المحترقة والمتداعية هناك أحياء محمية جيدا تعيش فيها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.

ويقول أبو علي الذي يبلغ من العمر 60 عاما وهو يجلس في متجره الصغير في حي الزهراء العلوي «نحن دائما متوترون لكننا سنظل وسنبقى».

وأضاف أبو علي في إشارة إلى الأحياء التي أيدت الانتفاضة التي يقودها السنة ضد الأسد «المناطق السنية هي الخاوية.. على الأقل المناطق التي طالبت بالحرية». حسب «رويترز».

وأصبحت أحياء المعارضة التي كان يعيش فيها السنة كمدينة أشباح، وشنت قوات الأسد هجمات عسكرية على أحياء السنة بالمدينة وعددها 16 حيا باستثناء ثلاثة أحياء فقط تقريبا.

ويقول الكثير من العلويين إنهم يشعرون أنه لا يوجد أمامهم أي خيار سوى دعم الأسد خوفا من أعمال قتل انتقامية لمجرد انتمائهم إلى طائفة الرئيس مع تحول الانتفاضة بشكل متزايد إلى صراع طائفي. وقال أحد أفراد الطائفة العلوية «السنة تعرضوا للاضطهاد لكن العلويين سيكونون الضحايا».

وكانت مدينة حمص في يوم من الأيام مركز الصناعة في سوريا وتقع على الطريق السريع الرئيسي بين الشمال والجنوب وعلى بعد 30 كيلومترا شرقي الحدود مع لبنان.

وأصبحت معقل المعارضة المسلحة التي بدأت قبل عدة أشهر بعد احتجاجات سلمية على حكم عائلة الأسد الممتد منذ 42 عاما.

ومع قصف المناطق السنية وانتشار الدمار فيها لا يجد النازحون الفقراء الذين لا يمكنهم مغادرة حمص أمامهم خيارات كثيرة. وينتهي الحال بمعظمهم في حي الوعر وهو عبارة عن مساكن خرسانية كانت تعيش فيها النخبة السنية. وفر السكان السنة الأثرياء من الوعر هربا من الفوضى في المدينة وسرعان ما اقتحم النازحون الحي وأقاموا في الشقق التي تركها الأثرياء.

وسيطر نازحون على المتاجر واقتحموا أيضا المراكز التجارية التي أصبحت محلاتها الآن مليئة بالأغطية والمواقد. أمام المتاجر وقف أبو عمر لطلب الصدقة من أجل أطفاله الستة الذين وفر لهم أحد المساجد مأوى. وقال أبو عمر «نعيش على الصدقة.. نحن محظوظون فهناك أناس في الشوارع». وكان يعيش في حمص نحو مليون شخص أما الآن فيقول سكان المدينة إن ما لا يقل عن نصف عدد السكان على الأقل فروا.

وفي تلك الأثناء تبدو أحياء للعلويين مثل منطقة الزهراء كقواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية. ولم يعد مكان المدفعية ثكنات الجيش على مشارف حمص وإنما وسط أحياء العلويين وتكون القوات مستعدة لتحريكها وإطلاق النار على مناطق سكنية قريبة للمعارضة. وقام الجيش بتأمين شوارع تربط بين أحياء العلويين لكن سيطرته على حمص ضعيفة.

ولا يجرؤ الجنود على دخول معظم المناطق السنية لأن هناك مباني ملغومة بالقذائف كما يختبئ مئات المعارضين الذين يطلقون القذائف الصاروخية بشكل عشوائي.

وقال ضابط في الجيش «إذا أردنا إنهاء مشكلة حمص فعلينا أن نسوي المكان كله بالأرض. سيموت مئات الجنود».

وأضاف أنه شارك في حصار حي بابا عمرو بحمص عندما أسفر هجوم بالدبابات والقوات عن طرد المعارضين من معقلهم الأساسي. وإلى جانب القوات فإن المئات من الميليشيات الموالية للأسد والتي تعرف باسم الشبيحة تنتشر في مناطق العلويين. ويجوب الشبيحة الشوارع مرتدين زيا عسكريا للتمويه ويتحدثون بازدراء عن الجنود ويرون أنهم يتعاملون مع العدو بحذر شديد. وأشار أحد شبان الشبيحة إلى برج يطل على منطقة للمعارضة اعتاد الجنود استخدامه لقنص المعارضين. وقال «الآن يستخدمه الشبيحة. لا يمكنك أن ترى الناس من هناك فلا جدوى من القنص.. نأخذ رشاشا ونفتح النار».

ويسود التوتر الأجواء دائما ويقطع الهدوء دوما صوت تحطم زجاج واجهة متجر بعدما سقطت قذيفة (آر بي جيه) في الشارع. ويتلقى أحد المارة الإسعافات الأولية سريعا وتنقله سيارة إسعاف. وتحاول الحكومة السورية إظهار الوضع على أنه طبيعي في خضم الفوضى. وفتحت جامعة البعث في حمص أبوابها الأسبوع الماضي بعدما ظلت مغلقة لفترة طويلة ولأول مرة منذ شهور جلس زملاء من السنة والعلويين جنبا إلى جنب للدراسة.

لكن الانقسام واضح لأن هناك مدينة منقسمة. ويلتزم الطلبة السنة والعلويون بمناطقهم ويجلسون في أماكن مختلفة في الكافيتريات وفي ساحة الحرم الجامعي حيث يوجد تمثال حجري للرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار.

وقال أحمد وهو طالب هندسة يبلغ من العمر 22 عاما «اعتدت أن يكون لي الكثير من الأصدقاء العلويين لكننا الآن لا نتبادل التحية، ليس لدينا ما نقوله.. لكنني لست خائفا.. لا يمكن أن يزداد الوضع سوءا». لكن زميله حسن وهو طالب هندسة أيضا قال إنه يخشى من أن الأسوأ لم يحدث بعد.

وقال حسن «حتى أقاربي أصبحوا شبيحة الآن وأنا أكره هذا.. لا يستحق أي طرف السلطة». ويعتقد حسن أن المستقبل لن يكون رحيما مع العلويين. وقال «المذبحة قادمة إلينا». وعلى الرغم من عسكرة الصراع في سوريا فإن السكان العلويين يحاولون أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي فمعظم المدارس مفتوحة كما يقف الباعة بالخضراوات والفاكهة في الشوارع.

وأخذت امرأة تتجول بين متاجر أصبح يطلق عليها اسم «السوق السنية» لأن الشبيحة يجلبون إليها أثاثا وملابس مسروقة من مناطق سنية يداهمونها بعد أن يقصفها الجيش.

ومع تساقط الصواريخ وتردد أصوات إطلاق النار في مدينة حمص يسرق موالون متشددون من الطائفة العلوية بضائع من أحياء محطمة يعيش فيها السنة. وأصبحت محلات البقالة والمتاجر أسواقا للبضائع المنهوبة.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 50 عاما وهي تسير في متجر يبيع الآن أثاثا مسروقا «قد أقتنص صفقة.. وجدت طاولة مطبخ جيدة بالفعل ومصنوعة من خشب قديم رائع.. لكنه يريد 200 دولار ليبيعها».

وعادة ما تكون أسعار قطع الأثاث حول 50 دولارا أو أقل. وتباع الملابس والأحذية بسعر يتراوح بين خمسة دولارات و20 دولارا. وكل شيء قابل للمساومة.

وتجادل المرأة البائع وتقول له «هذه هي غنائم الحرب ومن حقنا أخذها».

وحتى التسوق أصبح له بعد طائفي في حمص، وقال أيمن وهو شاب يبلغ من العمر 25 عاما «هذه ليست سرقة.. إنه حقنا.. هؤلاء يدعمون الإرهاب وعلينا القضاء عليهم».

وساعد أيمن شبانا آخرين خارج المحل في نقل أجهزة تلفزيون من شاحنات.

وقال أيمن «أرسلنا قائدنا في اليوم التالي إلى مكان بالقرب من المركز الثقافي.. كان متجرا لبيع الأجهزة الإلكترونية مثل أجهزة التلفزيون والثلاجات وما شابه».

وأضاف «عملنا فيه لثلاث ساعات ننقل الأشياء ونخزنها. حصلنا على عشرة آلاف ليرة (147 دولارا) وجهاز تلفزيون فلم لا». ويقول محمود وهو بائع خضراوات خارج المتجر الذي يبيع سلعا مسروقة إنه ليس الكل سعيدا بهذا الأمر وارتسم العبوس على وجهه.

وقال «إنهم حثالة المجتمع.. والآن سينظر إلى العلويين على أنهم لصوص». لكن مع تضرر الاقتصاد السوري بالصراع المحتدم يقول بعض الباعة العلويين إنهم سعداء لأنهم وجدوا طريقة لجني بعض النقود.