موسكو ودمشق تنفيان أنباء عن مناورة عسكرية روسية وإيرانية وصينية في سوريا

ترجيح قيام طهران بإعلان النبأ لـ«عرض القوة العسكرية»

السفينة الهجومية الروسية «نيكولا فليشنكوف» في طريقها إلى ميناء طرطوس السوري أمس وعلى متنها عدد غير محدد من مشاة البحرية لـ«حماية الروس في سوريا» (رويترز)
TT

قالت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء، أمس، إن وزارة الدفاع الروسية اعتبرت تقارير عن مناورة عسكرية روسية وإيرانية وصينية في سوريا «كذبا». ونقلت «إنترفاكس» أيضا عن بثينة شعبان مستشارة الأسد قولها في موسكو أمس (الثلاثاء): «لن يحدث شيء كهذا. هذه واحدة من تلك المعلومات الزائفة التي توزع بشأن سوريا».

وكانت وكالة «فارس» للأنباء، شبه الرسمية المقربة من الحرس الثوري الإيراني أعلنت عن قيام كل من إيران وروسيا والصين وسوريا بمناورة عسكرية مشتركة قوامها 90 ألف جندي بعد شهر من الآن في سوريا، وصفت بأنها «الأكبر في منطقة الشرق الأوسط». ونفت المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، في وقت لاحق أمس وجود أي «خطط لمناورات عسكرية ستجرى في سوريا بمشاركة روسيا والصين وإيران»، وقالت إنه «لن يكون هناك شيء من هذا القبيل»، مؤكدة أن «هذه المعلومات لا تمت للواقع بصلة وأبعد ما تكون عن الحقيقة».

ونسبت الوكالة الإيرانية الخبر إلى مصادرها، مشيرة إلى أن «مصدرا رسميا سوريا رفض الكشف عن هويته سبق أن أعلن قبل أسبوعين أن الأراضي السورية ستشهد مناورة عسكرية مشتركة، بحضور قوات إيرانية وروسية وصينية إلى جانب القوات السورية قريبا».

واعتبرت مصادر قيادية رفيعة في الجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط» أن «المناورة إذا حصلت فهي تشكل احتلالا للأراضي السورية وليست مناورة»، وقال إنه «لا يمكن للجيش الحر التصدي لمناورة مماثلة»، لافتا إلى «اننا نخوض حرب استنزاف ضد أي قوى مسلحة على الأرض».

وفي حين سألت المصادر عينها «كيف سنواجه هذه المناورة إذا كنا غير قادرين كـ(جيش حر) على شن حرب ضد النظام؟»، مجددة الإشارة إلى أن «عملنا ليس إلا عمليات دفاعية»، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، المقرب من حزب الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن المناورة «تأتي في إطار ظهور (مجموعة استراتيجية مشرقية) في مواجهة التكتل الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي يشكل حلف شمال الأطلسي عاموده الفقري إلى جانب امتداداته العربية والخليجية تحديدا». ورأى أن «هذه المجموعة تبلور نفسها من خلال عناوين رئيسية، فبعدما أثبتت وجودها اقتصاديا من خلال قمة شنغهاي، وسياسيا من خلال الفيتو الروسي - الصيني المزدوج في مجلس الأمن، فإنها تسعى اليوم لتكريس العنوان الثالث الذي تندرج المناورة العسكرية في إطاره».

واعتبر حطيط أن «الأزمة السورية تشكل المدخل مع سعي المجموعة للتأكيد على أن سوريا ليست جزيرة معزولة، وهي تحتضنها من خلال إجراء المناورة على أرضها»، مؤكدا أن المناورة «تأتي ردا على مناورات أجرتها المجموعة الأخرى كـ(الأسد المتأهب) في الأردن و(النسر المحلّق) في تركيا، بمعنى أنها مناورة مقابل مناورة».

وفي حين قال حطيط إن «المناورة تأتي في إطار جمع الأوراق وعرض القوة، ويندرج في إطارها الصاروخ الباليستي الروسي، والتأكيد على السير في عقود الأسلحة المبرمة مع سوريا وتوجه الأسطول الروسي إلى طرطوس»، أعرب أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر، لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده أن «المناورة تتعدى عرض العضلات إلى عرض القوة العسكرية». وأشار إلى أن «الأزمة السورية تتخطى اليوم حدود الربيع العربي ومسألة الثورات إلى تغيير هندسة موازين القوى في الشرق الأوسط وحتى العالم باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط هي الخزان النفطي الأول في العالم ولها وقعها المهم على المستوى الجيو - استراتيجي».

وأوضح نادر أن سوريا «تعد ورقة مهمة بأيدي روسيا لأسباب عدة، أولها أنها تشكل القاعدة العسكرية الأخيرة لروسيا على البحر المتوسط، ومنه لديها ممر إلى البحر الأحمر، الذي يعد مهما جدا للروس وامتدادهم استراتيجيا»، كما أنه «من خلال سوريا يمكن لروسيا الدخول إلى ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي الدخول إلى سياسة الشرق الأوسط من الباب العريض».

وشدد نادر على «أهمية تحالف سوريا مع إيران بالنسبة للروس، انطلاقا من أن سقوط محور سوريا - إيران يطلق يد الولايات المتحدة في اتخاذ القرار خصوصا في المنطقة، خصوصا تحديد أسعار النفط، وبالتالي فإن لروسيا مصلحة في أن يستمر الصراع الأميركي الإيراني، ومن هنا يأتي إصرارها على مشاركة إيران في المؤتمر الذي اقترحته روسيا لحل الأزمة السورية».

وفي حين أكد نادر على أن روسيا «ليست مستعدة إطلاقا للتفريط في الورقة السورية قبل حصولها على ثمن أنسب، وهو ما يبرر قبولها بمعاداة العالم العربي السني على الأقل مقابل دعمها لنظام أقلوي في سوريا وتكبدها تبعات ذلك اقتصاديا وسياسيا»، رأى حطيط أن «روسيا تتخذ اليوم موقفا هو الأقصى من أزمة سوريا، من خلال اعتبارها أن الوضع السوري لصيق بأمنها القومي». وأضاف حطيط «تتجه روسيا لوضع حد نهائي للتفكير في أي تدخل عسكري إلى سوريا سواء عبر مجلس الأمن المقفل بالفيتو أو أي تدخل آخر، من خلال إعلان استعدادها العسكري للرد بما قد يؤدي إلى حرب عالمية لا يبدو أن أي طرف مستعد لها».

وفي هذا السياق، توقف نادر عند توقيت الإعلان عن هذه المناورة، مذكرا بأن «الخيار العسكري في سوريا فرض نفسه عمليا بعد سقوط خطة (المبعوث الأممي إلى دمشق) كوفي أنان وتعليق عمل بعثة المراقبين الدوليين، على ضوء المجازر التي ترتكب يوميا». ومن المقرر، وفق ما نقلته وكالة «فارس»، أن تضم المناورة وحدات برية وبحرية وجوية وصاروخية ودفاعات جوية. وأفادت بأن الصين حصلت على موافقة مصر لعبور قطعها البحرية، وعددها 12، قناة السويس للمشاركة في المناورة، وستصل هذه القطع التي تشمل وحدات بحرية وجوية بعد أسبوعين إلى ميناءي اللاذقية وطرطوس. وذكرت أن وحدات صاروخية سورية «أرض – بحر» و«أرض – جو» ستشارك في هذه المناورة، على أن يشارك فيها 90 ألف جندي و400 طائرة و1000 دبابة ومئات الصواريخ من الوحدات العسكرية المختلفة للبلدان الأربعة.