العالم يسعى لاستشفاف ما وراء ضبابية «الوضع المصري».. و«كارتر» يبدي قلقه من صلاحيات الجيش الواسعة

نولاند: لحظة حاسمة والعالم يتابع عن كثب * هيغ: نشعر بالقلق ونتطلع للأفضل * فاليرو: نريد انتقالا «سريعا ومنظما للسلطة»

TT

بين تصاعد في تصادمات الأوضاع السياسية والقضائية، وقبل ساعات من حسم موقعة ساخنة وشديدة الحساسية لاختيار أول رئيس مصري منتخب عقب ثورة «25 يناير»، لتبدأ معه الدولة المصرية عهد جمهوريتها الثانية، تتسمر أنظار العالم على تلك اللحظة الاستثنائية في مصر، والتي قد تسفر عن انفراجة كبرى في تاريخها وتاريخ منطقة الشرق الأوسط بالكامل، أو قد تؤدي إلى وضع معقد لا يعلم أحد مداه.

وتجمع كل التصريحات الدبلوماسية الغربية والتحليلات الإخبارية على وجود قلق بالغ من التطورات الأخيرة، وهو ما يتضح من خلال تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند ليلة أول من أمس، والتي قالت فيها إن العالم يتابع «اللحظة الحاسمة» في مصر، داعية المجلس العسكري المصري إلى تنفيذ تعهداته بتحقيق انتقال ديمقراطي بعد جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية.

وقالت نولاند إن «ملايين المصريين صوتوا في انتخابات لاختيار رئيس جديد بطريقة ديمقراطية، مما يعكس تطلعاتهم لرئيس وحكومة يختارهما الشعب المصري، وسوف يعملان من أجله»، مضيفة أن «هذه لحظة حاسمة في مصر؛ والعالم يتابع عن كثب». لكن نولاند، لم تخف قلق الولايات المتحدة والغرب على وجه العموم، وبخاصة في ظل تراشق الحملتين الانتخابيتين لمرشحي الرئاسة، وكذلك قرار حل البرلمان المنتخب، والإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري الحاكم في مصر، والذي اعتبر الغرب أن المجلس قام فيه بـ«تقليم أظافر» مؤسسة الرئاسة المصرية المقبلة، واحتفظ فيه لنفسه بصلاحيات واسعة؛ ضمت التشريع وحق الاعتراض على ما يراه من قوانين.

وقالت نولاند إن واشنطن «قلقة بصفة خاصة من القرارات التي تبدو أنها تطيل قبضة الجيش على السلطة في مصر»، ودعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى «استعادة الثقة الشعبية والدولية في عملية الانتقال الديمقراطي»، من خلال تنفيذ الالتزامات بشأن صياغة الدستور وتنصيب برلمان منتخب ديمقراطيا ونقل السلطة بشكل دائم إلى حكومة مدنية. وأضافت نولاند «لا يمكن التراجع عن الانتقال الديمقراطي، والولايات المتحدة تقف مع الشعب المصري في تطلعه لاختيار قادته»، واصفة الموقف الحالي بأنه «شديد الضبابية».

وتأتي تصريحات نولاند في الوقت الذي خرجت فيه مراكز حقوقية دولية ومحلية - قامت بدور رقابي في الانتخابات الرئاسية المصرية - بتصريحات شديدة اللهجة تدين المجلس «العسكري» واللجنة المشرفة على الانتخابات. وأعرب مركز «كارتر» الأميركي للسلام عن بالغ قلقه إزاء التحول السياسي والدستوري في مصر، مبديا اندهاشه من «حل البرلمان المنتخب ديمقراطيا وعودة قرارات شبيهة بالأحكام العرفية، ولدت إحساسا من عدم اليقين بشأن مستقبل الديمقراطية في مصر»، مؤكدا أنها تبعث أيضا على «الشك في المعنى والهدف من الانتخابات».

وأصدر المركز، الذي يرأسه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، البيان التمهيدي له بشأن جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، في مؤتمر صحافي عقده أمس بأحد فنادق القاهرة، وقال فيه كارتر «إن الإعلان الدستوري المكمل الذي أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة متخذا امتيازات خاصة للجيش، كما خص نفسه في عملية صياغة الدستور، يشكل انتهاكا لالتزاماته نحو الشعب المصري لجعل النقل الكامل للسلطة لحكومة مدنية منتخبة، لأن الدستور هو أساس دائم للأمة، ويجب أن يكون شاملا للجميع، وكان يجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة ألا يتدخل في عملية صياغة الدستور».

من جانبه، أكد جايسون كارتر، عضو مجلس الشيوخ بجورجيا وعضو بعثة مركز كارتر التي تابعت الانتخابات الرئاسية بمصر، أن «الشعب المصري أظهر مرة أخرى مدى التزامه العميق بالعملية الانتخابية، وأن الشعب المصري قام بدوره وعبر عن رأيه في العملية الديمقراطية»، مضيفا أن «المركز يعلن عن قلقه العميق إزاء السياق الدستوري والسياسي الأوسع والذي يشكك في جدوى ومعنى هذه الانتخابات، لكن المركز لم يلاحظ مدى تأثير هذا السياق على العملية الانتخابية»، مشيرا إلى أنه من المبكر تقييم العملية الانتخابية بشكل كامل نظرا لعدم صدور النتائج الرسمية حتى الآن، والتي ستعلن المرشح الفائز.

وعلى الجانب الأخر من الأطلسي، رحب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بما سماه «السلوك السلمي» للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مصر، مشيرا إلى أنها «لحظة حاسمة في العملية الرامية إلى حكومة مدنية ديمقراطية». وقال هيغ في بيان له إنه «من المهم - أيا كان الفائز - أن يكون ذلك من خلال عملية نزيهة وذات مصداقية»، لكنه تابع أيضا «ونشعر بالقلق إزاء الإعلانات التي صدرت أخيرا بحل البرلمان، وإعادة صلاحيات الاعتقال والاحتجاز للجيش».

وعلى المنوال ذاته، قالت صحيفة «تايمز» البريطانية في مقال افتتاحي بعنوان «الشتاء العربي» أمس إنه «ليس السؤال المهم هو ما إذا كان مرشح (الإخوان المسلمين) محمد مرسي قد فاز فعلا في الانتخابات أم لا، بقدر أهمية التساؤل عما إذا كانت لهذه الانتخابات أي أهمية، وذلك لأن الحقيقة هي أن المجلس العسكري بدأ وبشكل استباقي انقلابا غير دموي ضد العملية السياسية». ورأت الصحيفة أنه على الحكومات الغربية أن تحتج بقوة على ذلك، وأنه «من الخطأ الجسيم قبول الحكم العسكري كحالة طبيعية انطلاقا من شعور مضلل بالسياسة الواقعية».

وفي فرنسا، قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، في لقاء صحافي «نعبر عن قلقنا حيال القرارات التي اتخذت وتؤثر في استمرار الانتقال الديمقراطي»، داعيا إلى نقل «سريع ومنظم» للسلطة إلى «سلطات مدنية منتخبة ديمقراطيا».

كما طالب غيدو فسترفيلي، وزير الخارجية الألماني، الرئيس المقبل لمصر بالاعتراف الواضح بالديمقراطية وبإجراء المزيد من الإصلاحات. وقال فسترفيلي مساء أول من أمس «يجب أن يكون الرئيس الجديد ممثلا لكل المصريين»، مطالبا «بإعادة لم شمل الشعب المصري الممزق للغاية في الوقت الراهن».

أما في تل أبيب، فنقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قوله إنه يتوقع من الرئيس المصري القادم، أيا كان، أن يستعيد السيطرة على شبه جزيرة سيناء ويطهرها من البنية التحتية الإرهابية، وذلك عقب توترات تشهدها المنطقة الحدودية بين البلدين منذ نحو 3 أيام.