الليلة التي لم يمت فيها مبارك

وكالة الأنباء الرسمية أعلنت وفاته والصحف الأجنبية أعادته للحياة

TT

«مبارك توفي إكلينيكيا»، ثلاث كلمات موجزة عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك بثتها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية في وقت متأخر من مساء أول من أمس الثلاثاء، كانت أهميتها كافية لجعل العالم كله ينقلها عنها، خاصة الصحف والفضائيات العربية التي فتحت ساعات طويلة على الهواء مباشرة لتناول الخبر بعيدا عن تطورات المشهد السياسي الساخن في مصر، اعتمادا على تأكيدات الوكالة الرسمية، وهو الأداء الإعلامي الذي تباين مع أداء الصحف الأجنبية التي حاولت الوصول لمصادر خاصة لها لتأكيد الخبر أو نفيه.

ومنذ تنحيه عن السلطة في فبراير (شباط) 2011، لاحقت شائعات الموت مبارك مرات كثيرة، لكن الخبر بدا أمس حقيقيا للغاية للمرة الأولى بعد أن بثته وكالة الأنباء الرسمية في الحادية عشرة مساء؛ بعد خمسة أخبار متتالية عن تدهور صحة الرئيس السابق ونقله من مستشفى سجن طرة، حيث يقضي عقوبة السجن بخمسة وعشرين عاما، إلى مستشفى المعادي العسكري.

وفور بث الخبر، أدارت البرامج الحوارية السياسية في الفضائيات المصرية بوصلتها نحو مستشفى المعادي وحولت كاميراتها بعيدا عن ميدان التحرير، حيث احتشد آلاف المصريين المعترضين على الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الجيش قبل أيام.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الارتباك ساد إدارة وكالة الأنباء الرسمية في مصر فور تلقيها الخبر من مراسلها، لتتم استشارة رئيس تحرير الوكالة الذي وافق على بث الخبر الخطير على الفور، وهو ما علق عليه خبراء إعلاميون بأن «اللهاث خلف الخبطة الإعلامية تغلب على الاحترافية الإعلامية».

بعدها بدقائق، كانت كل الفضائيات المصرية تُعنون شريط أخبارها «(أ.ش.أ): مبارك توفي إكلينيكيا»، محولة مادتها الإعلامية الرئيسية للحديث حول صحة مبارك ونهايته بينما يتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم، كما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي لصالات عزاء أو أخرى لاستقبال التهاني.

اللافت، أن المراسلين الأجانب في مصر لم يستخدموا خبر الوكالة بشكل كامل، حيث قام مراسلو صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في القاهرة ببث الخبر كالتالي «الوكالة الرسمية تقول مبارك مات إكلينيكيا ومحاميه ينفي»، كما قام مراسلوها بالتواصل مع مصادر خاصة داخل المستشفى التي أكدت أن مبارك لم يمت على الإطلاق، وأنه قضى ليلته واعيا في جناحه، وذلك نقلا عن ضباط أطباء تحدثت معهم الصحيفة. بينما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن «مبارك في حالة حرجة»، مشيرة إلى خبر وفاته إكلينيكيا في متن موضوعها الرئيسي، بعدما فشلت في التواصل مع أي مصدر داخل المستشفى الذي يقبع فيه مبارك.

وكان لافتا ليلة الأربعاء أن تأكيد أخبار الوفاة جاء على لسان عدة مصادر أمنية في البلاد، بينما كان النفي يأتي عبر المصادر الطبية في المستشفى العسكري.

وبينما أرجع مراقبون سياسيون انتشار شائعة مبارك إلى رغبة بعض الجهات في نقل «التركيز الإعلامي» من الاعتراض على الإعلان الدستوري المكمل إلى اللهاث وراء «وفاة مبارك»، قال الدكتور أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «لا أميل إلى تحليل نقل الضغط من الإعلان الدستوري لوفاة مبارك.. باعتقادي الأمر يرجع لعدم احترافية وكالة الأنباء الرسمية».

وخرجت معظم الصحف المصرية صباح أمس دون الإشارة إلى واقعة مبارك، باستثناء صحيفة «الشروق» الخاصة، التي قالت على صدر صفحتها الرئيسية «وفاة مبارك إكلينيكيا بعد نقله لمستشفى المعادي»، ناقلة ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية.. بينما كانت صحيفة «الأخبار» الحكومية أقل تحفظا، بعد أن قالت «مبارك يحتضر» استنادا إلى مصادرها الخاصة.

ويعتقد الدكتور فاورق أبو زيد، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن حالة البلبلة الإعلامية التي حدثت حول وفاة مبارك طبيعية ويتحملها مسؤولو الدولة وليس الإعلام، وقال أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»: «ما حدث كان طبيعيا لأن أيا من المصادر الرسمية لم يعلن شيئا عن الموضوع، بدءا من المجلس العسكري ووزارة الصحة أو وزارة الداخلية.. وبالتالي، الإعلام استخدم المصادر المتاحة بسبب اختفاء المصادر الرسمية»، موضحا أن الإعلام العربي يعتمد منذ عقود على الوكالات، دون إعادة البحث خلف مصادرها.