الكويت: المحكمة الدستورية تبطل مجلس الأمة 2012.. والمعارضة تهدد بالشارع

القرار يقضي بعودة البرلمان السابق و19 نائبا تقدموا باستقالاتهم

النائبان الكويتيان وليد الطبطبائي (يسار) وعبد الله البرقش يغادران مقر مجلس الأمة الكويتي أمس (أ.ف.ب)
TT

في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكويت، قضت المحكمة الدستورية أمس ببطلان انتخابات مجلس الأمة الحالي الذي تهيمن عليه المعارضة، وإعادة المجلس السابق.

ووسط حالة من الصدمة، أعلنت المعارضة استقالتها من المجلس، وهددت بالنزول للشارع، في حين حذر مراقبون سياسيون في الكويت من أن يؤدي قرار المحكمة الدستورية لتصعيد التوتر وإخراجه من قبة البرلمان. وتوقع محللون لـ«الشرق الأوسط» أن يتم حل مجلس 2009 بعد فترة قصيرة من عودته، بسبب المآزق السياسية والدستورية التي ستواجهه.

ومن أبرز تلك المآزق، إيجاد شرعية لعمل الحكومة الحالية، التي يتعين عليها التقدم مرة أخرى لنيل الثقة من المجلس، بعد أن كانت قد حصلت عليها من مجلس تم إسقاط شرعيته، وكذلك خروج نواب المعارضة الذين يمثلون أقلية داخله عبر الاستقالة.

ويعيد حكم المحكمة الدستورية في الكويت، للأذهان ما أقدمت عليه المحكمة الدستورية في مصر منتصف الشهر الحالي، لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور شفيق الغبرا رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحالة المصرية لا تتطابق مع ما جرى في الكويت.

ويوم أمس، هددت المعارضة التي قالت إنها تمهل الحكومة حتى اليوم، بالتصعيد والنزول للشارع، وقال النائب وليد الطباطبائي لـ«الشرق الأوسط» إن جميع الخيارات مفتوحة أمام المعارضة بما فيها العودة لقواعدها الشعبية والنزول لساحة «الإرادة». ويجتمع نواب الأغلبية صباح اليوم في ديوانية رئيس المجلس المنحل أحمد السعدون في الخالدية، بهدف تدارس خطواتها المقبلة.

ويوم أمس، قضت المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الأمة وبعودة المجلس المنحل. وهو المجلس الذي أمر الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، بحله في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ودعا لانتخابات جديدة جرت في فبراير (شباط) الماضي، أسفرت عن فوز ساحق للمعارضة التي يقودها الإسلاميون.

وجاء هذا التطور بعد أن علق أمير الكويت يوم الاثنين الماضي عمل مجلس الأمة لمدة شهر مع تصاعد الخلاف بين الحكومة وأعضاء البرلمان قبل استجواب مزمع في المجلس لوزير الداخلية الشيخ أحمد حمود الصباح بشأن قانون الجنسية.

وحكمت المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الأمة 2012 لبطلان حل مجلس الأمة 2009 وباستعادة المجلس المنحل سلطته الدستورية، وكأن الحل لم يكن. كما قررت إبطال عملية الانتخاب التي جرت في الثاني من شهر فبراير (شباط) الماضي في الدوائر الانتخابية الخمس وعدم صحة من أعلن فوزهم بتلك الانتخابات لبطلان حل مجلس الأمة 2009، وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة 2012 التي تمت على أساسها هذه الانتخابات.

وأكد الحكم أن المجلس المنحل 2009 يستعيد بقوة الدستور سلطته الدستورية، كأن الحل لم يكن.

وكان من المقرر أن تنظر المحكمة الدستورية في جلستها، أمس، في 35 طعنا في نتائج انتخابات مجلس الأمة 2012 وصحة ترشح بعض المرشحين لتلك الانتخابات بسبب انتفاء الخصومة نتيجة لعودة المجلس المنحل.

وبعودة المجلس السابق 2009، تعود للحياة البرلمانية الكويتية الوجوه النسائية التي أخفقت في دخول المجلس المنحل، حيث تعود النائبات الأربع: أسيل العوضي، وسلوى الجسار، والدكتورة معصومة المبارك، ورولا دشتي.

وفي أول رد فعل على قرار المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الحالي وعودة المجلس السابق المنحل، أعلن نواب المعارضة في المجلس المنحل استقالتهم من مجلس الأمة، وقال النائب وليد الطباطبائي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن 19 نائبا يمثلون نواب المعارضة في المجلس المحل قرروا في إعلان جماعي الاستقالة وعدم المشاركة في المجلس السابق.

وقال الطباطبائي إن الأعضاء الموقعين على الاستقالة أبدوا رفضهم الاستمرار ضمن المجلس الذي أعادته المحكمة الدستورية.

وقال إن أمام الحكومة خيارين، إما إجراء انتخابات تكميلية، أو حل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة.

وقال الطباطبائي، إن قرار المحكمة الدستورية استبق جلسة للنواب كانت مخصصة لتعديل قانون المحكمة الدستورية «بحيث تتشكل المحكمة من ثلاثة أطراف هي مجلس الأمة، ومجلس القضاء، ومن الحكومة»، وأضاف: «كأن المحكمة الدستورية استبقت إصدار مثل هذا القانون بقرارها الأخير، مما يحمل شبهة أو أغراض وراء هذا الحكم».

وحذر الطباطبائي من أن النواب يتدارسون فعليا خيار النزول للشارع، وقال إن المعارضة «أجلت اتخاذ خطوات أخرى للغد (اليوم) لانتظار رد فعل الحكومة، ولكن جميع الخيارات على طاولة النقاش». وأضاف: «من بين الخيارات مقاطعة الانتخابات المقبلة». وأضاف ملمحا إلى خيار الشارع: «إن مقاطعة الانتخابات لا يعني البقاء داخل صومعة، فسيكون هناك حراك سياسي والعودة لقواعدنا الشعبية».

ورفض الطباطبائي، القول بأن اللجوء للمحكمة الدستورية كان آخر الدواء لمعالجة الأزمة التي تسببت فيها المعارضة في المجلس، وقال: «غير صحيح، فقد اجتمعنا يوم أمس (أول من أمس) مع رئيس الوزراء - الشيخ جابر المبارك - واتفقنا على فتح صفحة جديدة للتعاون مع الحكومة». وكشف الطباطبائي أن رئيس الحكومة عرض على النواب الذين التقاهم أول من أمس الدخول مجددا في الحكومة، وقال: «عرض علينا يوم أمس (أول من أمس) الدخول للحكومة، وطلبنا فترة لكي نجتمع ومن ثم الرد على هذا الطلب». وأضاف: «أبلغنا رئيس الوزراء أنه (لا يهمنا عدد الوزراء، ولكن يهمنا وجود برنامج عمل واضح)». وأضاف: «إن نوايا الحل كانت مبيتة من أول يوم من عمر المجلس والأمر لم يكن مفاجئا».

وقال، إن هناك من الأغلبية من يؤمن اليوم بعدم جدوى العملية السياسية برمتها، «فإذا كنا أغلبية يتم حل المجلس، وإن كنا أقلية ووجهنا بالتهميش». وقال إن الحراك الشعبي والنزول لساحة الإرادة سيكون إحدى وسائل الرد.

إلى ذلك، قال النائب مسلم البراك: «ما حصل اليوم انقلاب على الدستور، ويجب أن يكون تحرك الأغلبية جماعيا، وما جرى في مصر أمس جرى في الكويت اليوم».

من جانبه، قال النائب صالح عاشور إن حكم المحكمة الدستورية «نزل كالصاعقة، علينا أن نحافظ على أمن واستقرار البلد والوحدة الوطنية، وفي حالة عودة المجلس السابق على أعضائها تقديم استقالاتهم تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة وبنظام انتخابي جديد لفشل النظام الانتخابي الحالي بالحفاظ على استقرار السياسي والتعاون الإيجابي بين السلطتين».

وأضاف عاشور: «المجلس السابق تم حله بمرسوم غير دستوري، والانتخابات جاءت بمجلس جديد، وعلينا احترام الأحكام القضائية، وفي حالة استمرار المجلس السابق تجرى انتخابات في المقاعد الشاغرة بعد تقديم أي نائب استقالته وقبولها رسميا».

إلى ذلك، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أمس، الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، فقال إن قرار المحكمة الدستورية الكويتية «أدخل الكويت في مأزق سياسي، وهو يعكس إشكالات كبيرة في طريقة صنع القرار في الكويت».

وحذر الغبرا من عودة الصراع السياسي إلى الشارع بعد أن كان محكوما داخل قبة البرلمان. وقال إن «سقف الشعارات هو الآخر سوف يرتفع، وسيرتفع سقف المطالبات، وهو ما يمهد لمواجهة لم تكن ضرورية».

وقال إن الجميع يتحمل المسؤولية، وأعضاء المجلس المنحل «لم يضعوا ضمن أولوياتهم ما يساعد على التقدم بالآليات الضرورية بالإصلاح في الواقع السياسي الكويتي».

وقال الغبرا، إن الأزمة السياسية في الكويت التي انتهت بإجراء دستوري ببطلان مجلس الأمة «كانت نتيجة صراع قوي داخل مؤسسة الحكم، وقوى أخرى داخل تكوينات المجتمع، ولكن المحصلة لا تأتي دائما حسب ما ترسمه القوى المتصارعة».

وتوقع الغبرا أن يتم اللجوء لحل مجلس 2009 بعد برهة من انعقاده بسبب استفحال الأزمة السياسية. وقال: «ما كان ينبغي أن نذهب لانتخابات تأتي بنتائج ثم تُحل».

وقارن الغبرا بين نموذج حل مجلس الشعب المصري الذي قضت المحكمة الدستورية هناك ببطلانه، وقرار المحكمة الدستورية في الكويت يوم أمس، وقال: «إن ما حدث في مصر كانت نتيجته الكثير من الحراك وهو يمهد لثورة جديدة. فهذه الأمور لا تمر من دون نتائج».

لكنه قال إن النموذجين المصري والكويتي ليسا متطابقين، «فهناك فرق كبير بينهما، فالحالة المصرية كانت حالة ثورية غيرت طبقة كاملة وهي في الطريق لمزيد من التغييرات، وهناك ثورة لم تكتمل ونتوقع في الشهور المقبلة أن تشهد مصر احتمالات جولة ثانية من الثورة». وأضاف: «أما في الكويت، فنحن نتحدث عن نظام أميري، دستوري، يمر بإرهاصات التحول نحو مزيد من الديمقراطية، وهو يعيش في عنق الزجاجة، وغير قادر على تكملة الطريق الديمقراطي، وغير قادر كذلك على التراجع عن هذا الطريق، مع وجود نخب منقسمة، وشارع منقسم، والإرهاصات العامة تقود لمزيد من الديمقراطية ولتطوير الأداء السياسي».

كما توقع المحلل السياسي الدكتور عايد المناع ألا يعمر طويلا مجلس 2009 الذي قضت المحكمة بعودته للحياة السياسية، وقال إن ثمة مخرجا يمكن للسلطة السياسية أن تسلكه عبر حل المجلس بعد عودته بحكم المحكمة.

وقال المناع لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نتوقع أن تقضي المحكمة ببطلان مجلس 2012، لأن قرار حل المجلس السابق لم يكن دستوريا، وكانت المعارضة التي تشكل أغلبية المجلس الجديد تعلم ذلك»، وتساءل: «لماذا وافقوا على المضي قدما في مجلس يفتقد الشرعية..».

وقال إن قرار استقالة الأعضاء المعارضين لن يفقد المجلس القادم النصاب القانوني، متوقعا إيجاد مخرج قانون، قد يؤدي بإصدار مرسوم بحل المجلس وبدء انتخابات جديدة.

ولم يستبعد المناع أن يكون اللجوء للمحكمة الدستورية جاء «بتدبير من أطراف داخل السلطة التنفيذية، أو قوى أخرى راغبة في وجود مثل هذه الأزمات».

وقال مناع: «إن مؤشرات الشارع بدأت، والمجاميع الشبابية أصبحت تتطلع إلى الشارع، ولا نتوقع أن تمر الأزمة على خير.. فالأيام حبلى بالتطورات».