انتهاء اجتماعات القوى الست مع إيران من دون نتيجة ينذر بانهيار المفاوضات

مصادر دبلوماسية أوروبية: أعضاء بالمجموعة طالبوا بالانسحاب من لقاءات موسكو

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (يسار) يصافح أحد زعماء القبائل البوليفية في القصر الرئاسي في لاباز أول من أمس خلال زيارة إلى بوليفيا استمرت يوما واحدا (رويترز)
TT

كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية رافقت اجتماعات موسكو بين مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) وإيران، النقاب عن أن عددا من الوفود طالب بالانسحاب من الاجتماع نظرا للمواقف الإيرانية التي اعتبروها بمثابة «تراجع» عما كانت طهران أوحت بالقبول به في اجتماع بغداد قبل شهر. وأفادت هذه المصادر أن الاجتماع المقبل على مستوى الخبراء في إسطنبول في 3 يوليو (تموز) المقبل الذي تم التوافق حول عقده في موسكو غرضه «التعمق في تحديد المفاهيم والاقتراحات» التي تقدم بها كل جانب لرؤية ما إذا كانت ثمة فرصة للعودة إلى الاجتماعات على المستوى السياسي. وتم الاتفاق على أنه عقب اجتماع إسطنبول، سيتم التشاور بين مساعدي المفاوض الإيراني سعيد جليلي ومساعدي ممثلة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إما هاتفيا أو بالمراسلة لتفحص مثل هذه الإمكانية.

وأكدت المصادر الأوروبية أن آشتون وممثلي الدول الست توصلوا إلى انطباع بأن الطرف الإيراني عاد إلى المطالبة بـ«شروط مسبقة» من أجل الاستمرار في الحوار مركزا على أمرين: رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه حتى الآن، والاعتراف بحق إيران في التخصيب النووي (دون تحديد سقف لذلك) بوصفه حقا منصوصا عليه في معاهدة منع انتشار السلاح النووي التي وقعتها طهران. وفي المقابل، فإن آشتون، باسم الدول الست، عادت للاقتراحات الخمسة التي قدمتها المجموعة في اجتماع بغداد وقدمت شرحا مستفيضا لها وناقشتها بالتفصيل مع المحاور الإيراني. وفي المقابل، قام الأخير بإعادة طرح أفكاره المضادة وقدم لها شرحا وافيا.

وبحسب المصادر المشار إليها، فإن الدول الست وجدت أن «الهوة» القائمة بين الموقفين عميقة لدرجة أنها لا تسمح بحصول تقدم، كما أن عودة جليلي إلى ما فهم منه على أنه معاودة طرح الشروط المسبقة، حملت دولا من المجموعة على الانسحاب من الاجتماع. لكن تم التخلي عن الفكرة لصالح قبول الاجتماع الفني بداية الشهر المقبل مما يسمح بالمحافظة على قناة اتصال. وقالت المصادر الأوروبية إن الهدف يكمن في «محاولة إحداث اختراق» عبر تحديد أدق للمفاهيم والأفكار التي يطرحها كل جانب لأن «مهمة» المجموعة «المحافظة على الخيط الرفيع الذي يمكن أن يقود إلى تسوية دبلوماسية لأن البديل عنها قد تكون الحرب». لكن يبدو أن نسبة التفاؤل لدى الدول الست ليست قوية.

وتطالب المجموعة إيران بأن توقف كل نشاطاتها النووية في موقع فوردو النووي (القريب من مدينة قم) ووقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة (وهو يتم في فوردو وفي موقع ناتانز) وقبول إخراج كل اليورانيوم المخصب بهذه النسبة إلى بلد آخر. وتقدر الوكالة الدولية للطاقة النووية هذه الكميات بـ140 كيلوغراما. وفي المقابل، تقترح مجموعة الدول الست تقديم الوقود النووي «فورا» للمفاعل التجريبي الموجود في جامعة طهران وتقديم النظائر الطبية المستخدمة في بعض الحالات المرضية ومنها السرطان فضلا عن بدء العمل ببرنامج تعاون في ميدان الطب النووي وآخر لبناء مفاعل نووي جديد للبحوث العلمية والأمن النووي. ووعد المجموعة كذلك طهران بالامتناع عن اللجوء إلى مجلس الأمن لإدانة إيران بسبب جهودها في ميدان أسلحة الدمار الشامل. ويقوم العنصر الأخير على وعد أميركي بتليين العقوبات الأميركية في ميدان الطيران المدني والحصول على قطع غيار أميركية للطائرات الإيرانية المدنية.

أما الجانب الإيراني، فإنه كان قد طرح مقترحات مضادة من خمس نقاط، هي في واقعها خمس مطالب؛ كالتالي: الاعتراف بحق إيران «غير المشروط» بالتخصيب، وقبول تناول التخصيب بنسبة 20 في المائة شرط أن تحصل طهران «على ثمن»، والاعتراف بأن إيران «حرمت» دينيا السعي للسلاح النووي، والاعتراف بأن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة «يسير في الطريق الصحيح»، وتناول المواضيع الإقليمية خلال المناقشات التي يمكن أن تشمل الإرهاب، ومكافحة القرصنة وتهريب المخدرات وخصوصا الأوضاع في بلدان مثل البحرين وسوريا.

وبعكس بعض التصريحات الإيرانية؛ ومنها الصادر عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التي توحي بقبول طهران وقف التخصيب بنسبة 20 في المائة، فإن جليلي تمسك بالتخصيب بوصفه حقا مطلقا، وطالب بالتخلي عن العقوبات المفروضة على بلاده مقابل تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي وصفه بأنه «إيجابي» بعكس ما هو وارد في التقرير الأخير للوكالة. وبعكس ما يطالب به جليلي، فإن عقوبات أوروبية إضافية في الميدان النفطي ستصبح سارية المفعول منذ 1 يوليو (تموز) المقبل، وسيمنع بموجبها شراء النفط الإيراني على كل البلدان الأوروبية؛ الأمر الذي سيقرره وزراء خارجية الاتحاد في اجتماعهم ببروكسيل يوم الاثنين المقبل.

وأفهمت آشتون المفاوض الإيراني أن مقترحات المجموعة التي يوجد حولها إجماع كلي «سلة متكاملة؛ إما يؤخذ بها، أو لا يؤخذ بها»، وبالتالي فإنها «غير قابلة للمساومات» وفق تعبير المصادر الأوروبية. أما عن سبب نصها فقط على وقف التخصيب بنسبة 20 في المائة، فمرده إلى الرغبة في السير «خطوة خطوة» في التعاطي مع إيران. وتتمسك المجموعة بأن الغاية النهائية للمفاوضات هو الوصول إلى تطبيق كامل لقرارات مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة التي تنص على وقف التخصيب نهائيا بحيث تعد المقترحات المقدمة بمثابة «تدابير ثقة» من الجانب الإيراني.

ولم يتم خلال اجتماعات إسطنبول وموسكو التداول في الملفات الإقليمية؛ وأولها الملف السوري وهو ما كانت قد سعت إليه طهران في اجتماع بغداد الشهر الماضي بالنظر إلى «الرفض المطلق» للغربيين الذين يعتبرون أنه «لا يجوز» مناقشة حالة بلد ما من غير حضور ممثلين عنه، كما أن الاجتماع غرضه بحث الملف النووي الإيراني و«ليس شيئا آخر».

وجرت جولة المفاوضات الجديدة في موسكو، التي انتهت مساء أول من أمس، قبل أقل من أسبوعين على دخول حظر نفطي أوروبي على إيران حيز التنفيذ، في وقت عادت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل مؤخرا إلى طرح إمكانية شن ضربة عسكرية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن المفاوضات حول برنامج إيران النووي لن تستمر إلى ما لا نهاية، وأن على طهران أن تنتظر المزيد من العقوبات إذا أخفقت في التعامل مع الشكوك الدولية بشأن طبيعة برنامجها. وأدلى المسؤول الأميركي بهذا التصريح بعد أن فشلت القوى العالمية وإيران في تحقيق انفراجة في محادثات استمرت يومين في العاصمة الروسية موسكو. وقال المسؤول إن إيران بحاجة لاتخاذ خطوات ملموسة لتفادي التعرض لمزيد من الضغوط الاقتصادية. وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «ستزداد العقوبات. قلنا للإيرانيين إن المزيد من الضغوط سيحدث إذا استمر هذا الوضع» مع عدم إحراز تقدم.