سلمان: يتحدث فينهض «المؤسس» في صدره.. يتذكر فيستيقظ الطفل

تقمص طفلا مشاعر الأبوة مدفوعا بحب والده عبد العزيز فقرر ضمنا أن يكون هو

TT

إذا صنع كل طفل من أبيه أسطورة يتمثلها، فقد وجد الطفل سلمان في والده أسطورة حقيقية صنعها التاريخ، فتعلق بها بكل جوارحه. تشرب ملامح العظمة بشغف وإجلال، فانتهى الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى عبد العزيز آخر. لم يستطع إلا أن يكون أبا جديدا للجميع صغارا وكبارا، أمراء ومواطنين.

تقمص الطفل سلمان مشاعر الأبوة مدفوعا بحب والده الملك عبد العزيز وإجلاله، فقرر ضمنا أن يكون هو. أن يعيش حياته الأسطورية بتفاصيلها، في المنزل مع الأسرة، مع الأصدقاء الصغار، ثم الكبار، مع أصحاب الحاجة ومن يقضونها، فلا عجب بعد ذلك أن يكون مجلس سلمان للقاء الناس امتدادا لمجلس المؤسس، وإحياء لسيرته.

عندما يتحدث ولي العهد «الجديد» الأمير سلمان بن عبد العزيز عن والده يستيقظ الطفل داخله فجأة، ويخلع رداء الأبوة والمسؤولية الذي لبسه مبكرا، ثم تخونه الدموع حنينا للأب والمعلم القدوة. فإذا انتقل بالحديث عن أي شيء أو شخص، استيقظ الملك المؤسس في صدره، فيتجلى ما تحمله شخصيته من زخم ومعرفة كبيرين، وحكمة بالغة وإدارة متميزة. ويمكن اختزال هاتين الحالتين الإنسانيتين في موقفين نادرين للأمير سلمان، أولهما جرت أحداثه في مجلسه الأسبوعي في إمارة الرياض حين كان أميرا لها، ورصده أحد الصحافيين العرب، إذ رفض أحد ضيوف مجلس الأمير من كبار السن القيام إلى الأمير لعرض حاجته، وقال لمساعدي الأمير سلمان: اطلبوا من سلمان يأتي إلي، وأخبروه أن هذا ما كان يفعل والده الملك عبد العزيز (رحمه الله) إذا حضرت مجلسه. نقل مساعدو الأمير سلمان ما يقوله الضيف بكثير من الحياء وبعض الامتعاض، إلا أن الأمير سلمان ابتسم وقام حتى جلس بين يدي ضيفه المسن بإنصات وتوقير وحياء ولم يغادره حتى قضى حاجته وأرضاه.

أما الموقف الآخر فرسمته دموع سلمان ونشيج الشوق الذي أثر في حضور إحدى الأمسيات التي كان يتحدث فيها الأمير الابن إلى والده الملك عبد العزيز ويسرد بعض سيرته في إحدى الجامعات السعودية.

يجسد الأمير سلمان بن عبد العزيز فن التواصل مع الناس، سواء في تواصله مع المواطنين أو الأسرة المالكة، ما جعله يمثل رابطا قويا بين الأسرة والمجتمع، فبات الجميع يتحدث عن سلمان كأسطورة خيالية في الحياة والعمل والتعامل؛ والحقيقة أن ذلك البدوي البسيط في حياته اليومية صنع أسطورته الشخصية من خلال معادلة بسيطة ومرهقة في آن معا، ولا يتحمل تطبيقها إلا قلة مميزة.

فولي العهد السعودي الجديد، كما يقول كل من عرفه أو كتب عنه، تمرس على فن الإصغاء بشغف يملك من يحدثه قبل أن يكون متحدثا بارعا، وهو يضيف إلى ذلك مزيجا متنوعا من الاطلاع النهم في مختلف الفنون، مع الكثير من إرخاء الجانب وإبداء الاهتمام الشخصي بمن أمامه، فتكون الشخصية المتميزة لسلمان محصلة طبيعية لهذه المعادلة المرهقة.

سلمان الطفل والشاب وأمير الرياض ووزير الدفاع وولي العهد؛ صندوق تاريخ الأسرة السعودية المتنقل، ومكتبة مراحلها الطويلة والمتباينة، منذ ما قبل تأسيس نواتها الأولى على يد الأمير محمد بن سعود وحتى عصرها الحالي، وهو مرجع الأسرة السعودية الحاكمة وأمين سرها وأمير أمرائها الساعي دوما بين أفرادها بالمودة والنصح والتوجيه.

وسلمان المسؤول، أيضا، ملاذ أخير لمظالم المواطنين من مناطق السعودية كافة، إذا ضاقت السبل وأغلقت أبواب المسؤولين عن إنهاء مظلمة أو قضاء حاجة فزع طالبها إلى سلمان، حتى أصبحت كوصية يتواصى بها المواطنون فيما بينهم: فإذا غلبك الهم وتعلقت حاجتك في درج مسؤول فلك بعد الله فرج عند سلمان.

يقول مستشار التنمية البشرية والخبير في تحليل الشخصيات الدكتور سامي الأنصاري: إن «الحديث عن فكر الأمير سلمان وحكمته مثير»، فهو «قارئ نهم، لديه مكتبة كبيرة جدا ومتنوعة، ويحرص على كل كتاب يخاطب الفكر والوجدان، وهذا يدعم قوة التواصل التي يمتلكها مع مختلف الأطياف».

ويؤكد أن الأمير سلمان يمتلك قدرة وصاحب طراز فريد في الوصول إلى قلب من أمامه، ويعود ذلك إلى تطبيقه قاعدة الاستماع قبل إبداء الرأي، فهو مستمع جيد بإصغاء وانتباه، وهذا ما يمكنه من استيعاب من يخاطبه ثم التسلل إلى قلبه بسهولة.

ويلفت إلى أن ولي العهد الجديد يستخدم في ناحية التواصل لغة الجسد قبل الكلام، وربما أوصل إليك ما يريد من دون أن يتحدث، ويقول: «بحسب تحليل متكامل أجريته للأمير سلمان أثبت لي أنه يطبق برنامج استخدام لغة الجسد بحذافيره، فهو يتواصل أولا بالعينين قبل الكلام، ثم بعد ذلك يستخدم إيماءات الوجه أيضا، فتعرف أنه يريد أن يوصل معلومة أو فكرة قبل أن ينطقها».

ويشدد الدكتور الأنصاري على تمسك الأمير سلمان بفكر والده المؤسس ونهجه، وبساطته في اجتماعاته ومجالسه مع الناس التي تخلو من البهرجة والحواجز، فيحضر إلى مجلسه إنسانا بسيطا محبوبا يترك المجال للجميع صغيرا وكبيرا لإبداء الرأي، ثم بعد ذلك يعلق، ولذلك تزخر مجالس الأمير سلمان بمختلف الأطياف والأعمار، وهذا من الأمور التي كان يحرص عليها الملك عبد العزيز في مجالسه.