أوكرانيا تكافح للخروج من المأزق

الرئيس معزول و«انتقامه» من تيموشينكو أبعد عنه حتى حلفاءه الروس

مشجعون للفريق السويدي لكرة القدم يمرون أمام صورة كبيرة تدعو لوقف ملاحقة يوليا تيموشينكو في كييف (رويترز)
TT

الثورة المضادة في أوكرانيا أصبحت وشيكة.. فقد أمضى الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي أطاحت به «الثورة البرتقالية» من الحكم في عام 2004 لكنه تمكن من الحصول على فرصة ثانية عندما فاز بأصوات الناخبين في عام 2010، عامين في محاولة إعادة إنشاء «السلطة الرأسية» التي حافظت على وجود جاره الروسي فلاديمير بوتين في السلطة.

لم يطرأ أي تغيير على السمات الرئيسية لحكمه، حيث لا تزال مظاهر الفساد والمحسوبية والاستغلال السيئ للقضاء، منتشرة في البلاد. وفي الوقت الذي تفتقر فيه أوكرانيا إلى ثروات النفط والغاز التي دعمت حكومة بوتين، لا يعد العثور على كوكايين أمرا صعب المنال في البلاد. ويقول أركادي باشيتشينكو، المدير التنفيذي لـ«اتحاد هلسنكي لحقوق الإنسان» في أوكرانيا: «بالقطع أوكرانيا ليست روسيا».

كانت أوكرانيا هي من حدد مصير الاتحاد السوفياتي عندما رسمت مسارها الخاص في عام 1991، وكانت هي أيضا من ظهرت بعد «الثورة البرتقالية» كدولة على وشك تبني القيم والأساليب الغربية مقابل أن تحظى باعتراف الغرب، حيث كانت هناك بعض الأحاديث حول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وعلى الرغم من تمكن يانوكوفيتش من إخراج البلاد عن هذا المسار، فإنه لم يتمكن بعد من تعزيز قبضته على البلاد، حيث قاومت منظمات المجتمع المدني محاولاته بشدة، وهو ما قامت به وسائل الإعلام، إلى حد ما. وتسيطر أحزاب المعارضة على الحكم في بعض المناطق، بينما يتوقع أن يلقى حزب يانوكوفيتش، «حزب المناطق» الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في البلاد، هزيمة ساحقة في الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

تتمثل الورقة الرابحة التي يملكها يانوكوفيتش حاليا في حالة الاشمئزاز المنتشرة بين المواطنين من السياسة، التي تطوله شخصيا، فضلا عن كل أحزاب المعارضة المنقسمة على حد سواء. وتعني خسارة الانتخابات البرلمانية، إذا حدث ذلك، سقوط حكومة يانوكوفيتش، الذي سيستمر في منصب رئيس البلاد حتى عام 2015.

ولكن هذه الخسارة ستزيد من سخونة المشهد السياسي في البلاد، حيث قامت السلطات على مدار الشهور الـ10 الماضية بالتخفيف من وطأة كل أنواع المداهمات العنيفة، بينما انخرط المسؤولون بهدوء في محادثات مع منظمات المجتمع المدني المعنية حول الإصلاحات والكثير من الأمور الهامة الأخرى. ويقول باشيتشينكو: «لا يمكنني القول إن من المستحيل العمل مع هؤلاء الأشخاص، حيث إننا لسنا في بيلاروسيا أو كازاخستان».

تقول يفجينيا تيموشينكو، ابنة المنافسة الرئيسية ليانوكوفيتش في أوكرانيا وأشهر سجينة في البلاد، يوليا تيموشينكو، إننا لسنا أيضا في أوروبا الغربية، مضيفة أن المناقشات تضمنت: «إجراء بعض الإصلاحات الزائفة التي تلتزم بالقليل من المعايير الأوروبية». ويؤكد بعض المحللين أنه إما أن تقوم الحكومة بإجراء إصلاحات حقيقية أو لا، حيث إن هذه الحوارات ما هي إلا انعكاس للضغوط التي تمارسها أوروبا على أوكرانيا، والتي لا تستطيع البلاد تجاهلها.

لا تشعر الطبقة الحاكمة في أوكرانيا بالسعادة من أداء الحكومة، حيث شاهدوا عائلة يانوكوفيتش والمقربين منه، القادمين من مركز للفحم في مقاطعة دونيتسك، وهم يقومون بخطف المشاريع التجارية الواحد تلو الآخر، وهو الأمر الذي يحدث عادة بالتواطؤ مع سلطات الضرائب في البلاد، فضلا عن زيادة ثروة ابن الرئيس بنحو 18 ضعفا منذ تولي والده منصبه.

وتبرز هناك عدة علامات استفهام في الأفق في الوقت الراهن، حيث كانت يوليا تيموشينكو خصما ليانوكوفيتش في الشارع أثناء «الثورة البرتقالية»، ومنافسة له في صناديق الاقتراع أثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2010، وكانت لها اليد العليا في البلاد، ولكنه رماها في غياهب السجن إلى جانب 3 من وزراء حكومتها. ترقد تيموشينكو تحت الحراسة في المستشفى في الوقت الراهن، حيث تمت إدانتها بتهمة سوء استغلال منصبها لعقد اتفاق الغاز الطبيعي مع روسيا عندما كانت تشغل منصب رئيسة الوزراء في عام 2009. ويقول باشيتشينكو: «كان من الضروري بالنسبة لهم أن يقوموا بوضع تيموشينكو في السجن»، حيث إنها تمثل هاجسا كبيرا بالنسبة ليانوكوفيتش. وعلى الرغم من أنه أكد أنه كان يود العفو عنها، فإنه تحدث أيضا عن اتهامها بتهم قتل أخرى.

وندد الزعماء الأوروبيون بالاضطهاد السياسي الذي تتعرض له تيموشينكو، بينما يشهد الكونغرس الأميركي تحركات لمنع المسؤولين الأوكرانيين المتورطين في قضيتها من الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة الأميركية. وحتى روسيا، التي كانت الداعم الرئيسي ليانوكوفيتش ضد تيموشينكو أثناء «الثورة البرتقالية»، انقلبت ضده نظرا للطريقة التي تعامل بها مع تيموشينكو. ويقول إيغور بوراكوفسكي، رئيس «المعهد الأوكراني للدراسات الاقتصادية والاستشارات السياسية»: «من الناحية العملية، يعتبر الرئيس الأوكراني معزولا عن أوروبا وروسيا».

تعتبر تيموشينكو، بجدائلها الشقراء المميزة، شخصية قادرة على الاستقطاب بصورة كبيرة. وبينما كانت تيموشينكو، التي أصبحت ثرية من صفقات الغاز في تسعينات القرن الماضي، لا تحظى بثقة الكثيرين، أثارت طريقتها الميلودرامية للتعامل مع السياسة حماس مناصريها، وأدت في الوقت عينه إلى زيادة أعداد معارضيها بين صفوف الناخبين. وعلى الرغم من ذلك، أدى قيام يانوكوفيتش بسجن تيموشينكو إلى زيادة التعاطف الذي تحظى به بين طبقات عريضة من السكان.

وتقود يفجينيا تيموشينكو (31 عاما)، حملة الدفاع عن والدتها لإخراجها من مقر سجنها الفخم والمبطن بالرخام الأخضر حيث تحيطه حراسة مشددة. وهناك صور عملاقة في كل مكان في البلاد ليوليا تيموشينكو وهي تضحك وتستمع وتتحاور مع الناس. حثت يفجينيا بعض البلدان الأخرى على فرض حظر لدخول أراضيها على الدائرة المقربة من يانوكوفيتش، حيث قد يؤدي تكثيف الضغوط في بعض المجالات الحساسة إلى تقويض الحكومة الحالية. وتؤكد يفجينيا أنها ليست متأكدة كم من الوقت ستحتمل صحة والدتها هذا السجن. وتقول يفجينيا: «نحن لا نرى أي سبيل لإخراجها من السجن بسبب حالتها الصحية، كما أننا لا نرى أي فرصة للدفاع عن أنفسنا سواء من الناحية القانونية أو غيرها من النواحي. شيئا فشيئا يزاد قلقنا وتزداد الأمور سوءا مما يضع يانوكوفيتش في مأزق حقيقي».

وأكدت يفجينيا أن وقت التحرك قد حان قبل أن يتمكن يانوكوفيتش من العثور على طريقة لإحكام سيطرته على البلاد، مضيفة: «نظرا لضعف مؤسساتنا الديمقراطية، نحن لسنا واثقين من إمكانية صمود الديمقراطية في أوكرانيا من عدمه».

أثبت الأوكرانيون أنهم يتمتعون بذاكرة سياسية قصيرة، حيث تحاول الآن تيموشينكو، التي كان ينظر إليها يوما على أنها تتمتع بشعبية جارفة، تذكير مواطنيها بالوعد الذي يبدو أن بلادها قد أضاعته والرئيس الذي يحركه الانتقام في السيطرة على السلطة في البلاد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»