خبراء: التضخم يبلغ نسبا «غير مسبوقة».. ولا حلول في الآفاق

انتقدوا الحكومة التي «فشلت في إدارة الأزمة الاقتصادية»

TT

يخشى محللون تأثير استمرار ارتفاع معدل التضخم في سوريا، الذي بلغ نسبا غير مسبوقة, ويجمع الخبراء على أن التضخم يعود إلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية بنحو 50 في المائة، وضعف الموارد الإنتاجية والاستثمارية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على هذا البلد الذي لا يعاني من مديونية خارجية بل من أعمال عنف أودت بحياة أكثر من 14 ألف شخص، وأضرار مادية بالغة في البنى التحتية.

ورأى المحلل الاقتصادي نبيل السمان أن نسبة التضخم المرتفعة تعود إلى عدم وجود حل في الأفق للأزمة»، مؤكدا أن «صلابة الاقتصاد تعتمد على الثقة والأمان» بالمستقبل.

وقد أعلن المكتب المركزي للإحصاء الأسبوع الماضي أن نسبة التضخم السنوي لأبريل (نيسان) الجاري ارتفعت بمقدار 31.45 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.

وأظهر تقرير أعده المصرف المركزي حول التضخم استنادا إلى بيانات الرقم القياسي لأسعار المستهلك حتى مارس (آذار) 2012، أن معدل التضخم خلال الأشهر الثلاثة الأولى بلغ 22.54 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من 2011 التي بلغ فيها معدل التضخم 4.68 في المائة. وانتقد السمان أداء الحكومة التي «فشلت في إدارة الأزمة الاقتصادية».

من جهته، توقع المحلل الاقتصادي، فراس حداد، هذه النسبة «غير المسبوقة» بسبب «عدم وجود آليات حكومية للتدخل في السوق التي غيبت 80 إلى 90 في المائة منها في 2005، عندما بدأ العمل بسياسة السوق الاجتماعية».

وأضاف أن سياسة المصرف المركزي لم تكن مجدية إذ تخلى عن تمويل الواردات وترك أسعار القطع بأيدي السوق السوداء والصرافين، «قبل أن يقوم مؤخرا بالتدخل عبر سعر تأشيري حافظ فيه على تحديد السعر، لكنه لم يخفضه بالقدر المطلوب».

وأثرت أسعار الصرف على أسعار منتجات القطاع الصناعي والزراعي؛ «كون معظم موادها الأولية مستوردة، وافتقار القطاع الإنتاجي إلى المرونة وعدم مقدرته على زيادة الإنتاج بالاعتماد على مواد أولية محلية بديلة»، بحسب حداد.

كما عزا المحلل الاقتصادي جهاد يازجي نسبة التضخم التي ترتفع بشكل مستمر منذ أشهر إلى «إقرار رفع الضرائب الجمركية وانعدام الأمن في عدد من مناطق البلاد، ما عقد من شبكات التوزيع والإنتاج».

وارتفعت التعرفات الجمركية من 40 إلى 80 في المائة، وفقا لمرسوم حكومي صادر في فبراير (شباط)، وشمل 39 صنفا من المنتجات الغذائية والأدوات الكهربائية واللحم المستورد والأدوات المنزلية وبعض الكماليات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وأكد السمان أن التضخم «سينعكس على المدى القصير شحا في بعض المواد المعيشية والمحروقات، وقيام اقتصاد مواز مبني على الاحتكار بصورة غير مسبوقة».

ويشكو المستهلكون خلال الفترة الأخيرة عدم تناسب الأجور مع المعيشة؛ فبعد أن كان الناس سابقا يتدبرون أمورهم على الرغم من ضيق الحال، اختلف الأمر الآن بعد تقلص الموارد ولجوء المواطنين إلى إنفاق مدخراتهم.

ونشطت السوق السوداء ولجأ التجار إلى احتكار البضائع الرئيسية، ليصار إلى بيعها بأضعاف أثمانها في غياب الرقابة التموينية.

وأكد أستاذ الاقتصاد تيسير الرداوي أن استمرار الأزمة انعكس سلبا على عالم الأعمال، موضحا «توقف الكثير من المنشآت عن الإنتاج وتدني حجم استخراج النفط ومردود المنتجات الزراعية والصناعية».

وقدر نسبة النمو الاقتصادي للعام الماضي بنحو 2 في المائة، مشيرا إلى أن «بعض المراقبين يعتبرون أنها سالبة».

ولم يصدر المكتب المركزي للإحصاء حتى الآن أرقامه حول معدل النمو الاقتصادي.

وأثرت العقوبات الأوروبية على تصدير النفط السوري، ما أدى إلى «انخفاض مأساوي» للعائدات من العملة الصعبة، بحسب يازجي الذي يدير نشرة «سيريا ريبورت» الاقتصادية.

وتشتري أوروبا نحو 90 في المائة من صادرات النفط الخام السوري، ما أدى إلى خسارة قطاع النفط السوري نحو أربعة مليارات دولار نتيجة هذه العقوبات.

وأقر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات ضد النظام السوري احتجاجا على ما وصفوه بـ«العنف الشائن» في سوريا.

واعتبر حداد أن فرض العقوبات الاقتصادية في 2011 أثر بشكل مباشر على واردات القطاع العام بشكل غير مباشر، من خلال منع البنوك من التعامل مع سوريا، وما ترتب على ذلك من تعقيدات ترافق أي عملية استيراد خاصة بالقطاع الخاص.

وفي ظل هذا التضخم «الجامح»، عمد المصرف المركزي هذا الأسبوع إلى طرح أوراق نقدية جديدة للتداول «لاستبدال الأوراق التالفة والمهترئة»، دون الإشارة إلى حجم هذه الكتلة المطروحة.

وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، في تصريح بثته وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن طرحها للتداول «ليس له أي أثر على التضخم».

إلا أن الرداوي قال إن «أي زيادة في حجم الكتلة النقدية بنسبة تتجاوز 4 في المائة سنويا سوف يؤثر على التضخم»، موضحا أن ذلك «لن يؤثر فيما لو كانت الكتلة دون هذه النسبة».

وفي غياب أي حل سحري لمشكلة التضخم المتفاقمة، يرى حداد أنه يمكن إيجاد «حلول آنية وسريعة وآلية جديدة للدولة تسمح لها بالتدخل المباشر بالسوق الرقابية وضبط سعر الصرف لتخفيض الأسعار الناتجة عن أسباب وهمية، وحلول استراتيجية طويلة لتخفيض الأسباب الحقيقية» على المدى البعيد.