سلمان بن عبد العزيز: جامع القبائل السعودية ومعالج عثراتها

حرص بحكمته وصبره طيلة توليه إمارة الرياض على الالتقاء بهم

TT

هي الرياض في كل حالة لونا، ومزنا همالا، هي رياض النمو العمراني المتفرد في إطلالة الصباح، هي رياض الكوادر والشموخ، هي الرياض خمسون وفي بطنها حكايات ولوحات، ولوحة الإنسان وقصصه تغطي كل الزوايا.

كثيرا هي خصال وصفات الأمير سلمان بن عبد العزيز التي نعلمها، من الكرم والجود، للعدل والحكمة، وكثيرا هي أفعال خير لا نعلمها، ولعل من تلك الصفات لتسليط الضوء لا للحصر، أن الأمير سلمان ومنذ توليه إمارة الرياض كان حريصا على الالتقاء بشيوخ القبائل المنتشرة في المملكة وعلى وجه الخصوص قبائل منطقة نجد بحكم منصبه وعمله، وهذه اللقاءات تعقد للاستماع وحل الخلافات التي قد تنشب بين قبيلة وأخرى، أو أفراد القبيلة الواحدة.

وأسهم الأمير سلمان وفقا لشيوخ القبائل في حل الكثير من النزاعات والخلافات في مجلسه، قبل أن تصل دوائر الحكم والجهات المعنية في ذلك، واستطاع الأمير سلمان بجاهه ومكانته في تقريب الكثير من وجهات النظر، وكان يناقش في كافة وأدق التفاصيل، وفي لقائه المعتاد من المواطنين كان كذلك حريصا على النقاش والاستماع وحل ما كان يجول في خاطر أي مواطن.

ومن تلك الوقائع أن الأمير سلمان بن عبد العزيز لا يكتفي بإحالة الشكوى أو الطلب المقدم من المواطنين له إلى مكتبه لا أي شيء، بل يعمد الأمير الإنسان إلى مناقشة ما قدم له من طلب ويتخذ الإجراء حياله وتعميد معاونيه على تنفيذ ما ورد من توجيه فوري من الأمير على خطاب المواطن.

ويسكن الرياض التي نشأت قبل نحو ثلاثة قرون على جزء من موقع مدينة حجر القديمة التي ظلت عشرات القرون قاعدة لإقليم اليمامة ومركزا لالتقاء طرق قوافل التجارة، وقد كان لموقعها المتميز بالأودية والآبار ذات المياه الوفيرة، والنخيل، والزرع والثمار دافعا للنمو والتكاثر، إذ كانت قرية صغيرة، يطوف حولها قرى عدة في موقع مدينة حجر المندثرة، وكل تلك القرى تحيطها صحراء مترامية فوق هضبة نجد، وعدد من القبائل الكبيرة التي لها تاريخ يمتد إلى آلاف السنين.

وكانت الرياض على هيئتها تلك قبل تصدير النفط من المملكة، زامنه تنفيذ خطة عامة لتوطين البدو الذي كان في بدايته مستحيلا لحب الترحال والخروج عن المدينة، كذلك دخول الكهرباء للمدينة، وافتتاح سكة حديد الرياض الدمام لربط العاصمة بالمنطقة الشرقية، وافتتاح المطار القديم، وكانت حنكة الأمير سلمان واهتمامه بالقبائل وعموم المواطنين عاملا هاما في لجوئهم لحل خلافاتهم مع ما يتمتع به الأمير سلمان داخل الأسرة الحاكمة.

وبدأ التطور العمراني في مدينة الرياض يأخذ منعطفا جديدا فانطلقت حركة التعمير، وخطط ضخمة لإقامة مختلف المشاريع البلدية من الطرق والجسور والتقاطعات الحديثة والإنارة وأنفاق السيارات والمشاة، والحدائق والمتنزهات، والبنية التحتية المتكاملة، ليتوافق ذلك مع موقعها في قلب المملكة بين دائرتي عرض 30.19 و30.27 درجة شمالا وبين خطي طول 42 و48 شرقا، وترتفع 600 متر تقريبا فوق سطح البحر.

وعرف عن الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اهتمامه بالقبائل والأنساب، مع اهتمامه الكبير بحل قضايا المواطنين ومساعدتهم بما يتوافق وحاجتهم، وفي هذا أجمع من التقت «الشرق الأوسط» بهم أن أهم ما يتميز به ولي العهد أنه وقدر المستطاع أن لا يخرج الخلاف عن حدود المحيط الذي نشأ فيه، وهو التوجيه الدائم لشيوخ القبائل في هذا الصدد، للعمل على احتواء أي خلاف أو مشكلة في موقعها، وإن حدث يسعى لأن تحل في مجلسه.

يقول خالد محيسن العاكور العميد متقاعد في الحرس الوطني قائد لواء الملك سعود، إنه وفقا لطبيعة عملي في تلك الفترة سنحت لي الفرصة أن أتواجد على فترات متعددة في مجلس الأمير سلمان بن عبد العزيز لدى استقباله لجموع المواطنين ومن المواقف المتكررة والتي سجلته ذاكرتي أن الأمير سلمان بن عبد العزيز لا يكتفي بتسلم ما يطلق عليه «المعروض» الخطاب من المراجعين أو الزائرين للسلام عليه، بل كان حريصا على مناقشة صاحب الشكوى ومعرفة أسبابها والاستماع لرد المواطن، يضع على الخطاب توجيها ويطلب من مساعده أو مدير مكتبه تنفيذ توجيهه، في تلك الواقعة كل ذلك يحدث أمام صاحب الطلب، كي يطمئن أن ما جاء فيه سيتم اتخاذ ما يلزم وهو محط أنظار ولاة الأمر ممثلا في الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد.

ويضيف الكاعور أن من أبرز ما يتذكره من مواقف للأمير سلمان تدخله المباشر للنظر في قضيته، بعد أن تلقيت عدة إنذارات من إحدى الجهات بترك منزلي في أحد الأحياء الراقية، تحت ذريعة أن المنزل يعيق إتمام المشروع، فمثلت أمام الأمير وشرحت له ما تلقيته من إنذارات تطالبني بالإخلاء لا إزالة المنزل، فما كان منه إلا أنه استدعى الجهة المنفذة للمشروع، طالبا مني إحضار «صك المنزل»، مع تحديد موعد في مكتبه مع الجهة المعنية، وفي اليوم الذي حدد سلفا طلب الاطلاع على وثائق المنزل، وسأل الجهة عن موعد تنفيذ المشروع، وبعد الاطلاع تبين أن البناية قائمة قبل المشروع فقال الأمير سلمان مدافعا عن حقي: «إن رغبتم (الجهة المنفذة) في إكمال المشروع فاشتروا منزل المواطن إن كان يؤثر على المشروع، أو أن يتم إلغاء المشروع» وكانت كلماته واضحة في رد حق المواطن ولن أنسى هذا الموقف من الأمير الإنسان.

ويتذكر العميد متقاعد في الحرس الوطني تطوع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد في عام 1948 في احتلال فلسطين، وكان آنذاك حاملا للعلم، ومتميزا منضبطا في التدريب يعمل بإخلاص، وهو ديدنه منذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا فهو حريص على الوقت والانضباط.

واستطاع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد بحكمته وصبره طيلة توليه آنذاك إمارة الرياض أن يكون صديقا لكافة القبائل السعودية من أقصاها إلى أقصاها، وحريصا في كل محفل على الالتقاء بهم داخل إمارته وفي باقي المدن السعودية، كما تعود شيوخ القبائل أن يستمعوا توجيهات فيما يخدم القبائل، وأن يحرصوا على الوحدة والترابط والالتفاف حول ما يجمعهم والابتعاد عما قد يتسبب في وقوع أي خلاف.

يؤكد ذلك الشيخ محمد بن فيصل بن زنان شيخ قبائل بني جندب أن الأمير سلمان بن عبد العزيز ومنذ أن كان أمير الرياض كان لديه توجه ومنطلق يعتمد عليه في جمع القبائل على الوحدة، ولعل من أبرز ما كان يعتمد عليه هو الالتقاء المباشر بشيوخ القبائل، وإن كانت خارج إمارته، فقد تعودنا أثناء زياراتنا للعاصمة الرياض والسلام على خادم الحرمين أن يكون هناك لقاء موسع مع الأمير سلمان يتباحث فيه معنا عن أحوال أبناء القبيلة وكيفية التعامل والتواصل معهم لحل أي خلاف قد يحدث.

وقال شيخ قبائل بني جندب إن اختيار الملك عبد الله الأمير سلمان ولي العهد هو ثقة ملكية في دور الأمير سلمان وما قدمه إداريا وإنسانيا على المستوى المحلي والخارجي، وعرف عن الأمير سلمان دعمه لمسارات التنمية وكان واضحا وجليا في تطوير الرياض ونقلها من المدينة الصغيرة إلى أهم وأجمل العواصم العالمية، وفي الجانب الإنساني فمواقفه متعددة ومنها دفع ماله ووقته لحل الخلافات والمشاكل بين القبائل، وقد شاهدت عددا من الخلافات التي لم تحل إلا في مجلسه وإن طالت فترة النقاش في حلها. وعرف عن الأمير سلمان منذ توليه وزارة الدفاع حرصه لزيارة المناطق السعودية، منها زيارة منطقة عسير، وجازان لتلمس احتياجات أسر الشهداء وأبنائهم وتخفيف مصابهم، في حين سجلت الأعين والذاكرة تقبيل أبناء شهداء الحد الجنوبي في مثل قائم عن التلاحم بين الشعب والقيادة.

وهنا يقول عاطي الجدعاني شيخ قبيلة جدعان غرب السعودية إن الأمير سلمان عرف عنه تقدير شيوخ القبائل في كافة أرجاء المملكة، والاهتمام بالتواصل معهم ومعرفة ما يحدث من مشاكل يسعى إلى حلها، وفي حال معرفته لمشكلة ما يعمل على الفور لحلها بعد أن يفقد المشايخ للتوصل لنتائج ترضي طرفي النزاع أو الخلاف، ويكون متابعا خطوة بخطوة لما تم التوصل إليه.

وأضاف الجدعاني أن الأمير سلمان بن عبد العزيز يعمد وكما هو معتاد ومعروف عنه إلى حكمته في حل الخلاف، فهو الإداري المتمرس في ذلك منذ توليه إمارة منطقة الرياض، كما أن له أيادي بيضاء في الأعمال الخيرية وعتق الرقاب، وهذه الأعمال الخيرية لا يمكن حصر ما هو معلوم، ناهيك عن أعمال الخير السرية والتي تصب في مصلحة المواطن.