مطالب بالقصاص من قتلة ضحية التعذيب «الوحشي» في سجون الشرطة المصرية

«شهيد الإسكندرية» سيد بلال يلهم الثورة بالاستمرار

سيد بلال
TT

يبدو أن عروس المتوسط «الإسكندرية» ستظل وقودا للثورة في مصر لسنوات قادمة، فبعد أن شكل موت أحد فتيانها الشاب خالد سعيد على يد شرطيين سريين، نقطة الإلهام الأولى لثورة «25 يناير»، التي أطاحت بنظام مبارك، كان مقتل شاب سكندري آخر هو «سيد بلال» جراء التعذيب على يد مجموعة من ضباط الشرطة، هو الشرارة الأخيرة التي أشعلت «نار غضب» المصريين ضد جهاز الشرطة القمعي، ورسخت دعوة العديد منهم للنزول في يوم الاحتفال بعيد الشرطة للتعبير عن غضبهم ضد تجاوزاته، لتتطور الأمور بعدها إلى 18 يوما من الثورة الشعبية الشاملة.

وحلقت صورة سيد بلال أمس بعمره الذي لم يتجاوز الثلاثين ربيعا على شواطئ الإسكندرية، واستجمع ملامحها بقوة السكندريون مع إسدال محكمة جنايات الإسكندرية (شمال غربي القاهرة) الستار على قضية مقتله بعد تعذيبه في أحد مقار جهاز مباحث أمن الدولة (المنحل) بالإسكندرية في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) 2011.

وقضت المحكمة بمعاقبة عبد الرحمن الشيمي، وهو ضابط شرطة اتهم بقتل سيد بلال، بالسجن المشدد 15 عاما، بالإضافة إلى السجن المؤبد غيابيا لأربعة ضباط هاربين.

ويمثل مقتل بلال إحدى الحلقات المؤثرة التي أحكمها المصريون حول نظام مبارك قبل الإطاحة به، فبلال ذلك الشاب الملتحي ذو الثلاثين ربيعا كانت كل جريمته أنه عضو بالدعوة السلفية.. الأمر الذي دفع رجال مباحث أمن الدولة لاعتقاله على خلفية تفجيرات كنيسة القديسين التي هزت الإسكندرية عشية أول أيام عام 2011.

وقع بلال في شرك قسوة تحقيقات جهاز مباحث أمن الدولة التي اشتهر بها، ولم يستطع جسده أن يصمد أمام وسائل التعذيب المتوحشة، التي يتفنن فيها رجاله بحق المتهمين والمشتبه فيهم للحصول على اعترافات غير حقيقية، في بعض الأحيان حسبما يقول حقوقيون مصريون. وهو ما دفع وزير الداخلية المصري السابق منصور العيسوي لحل الجهاز في مارس (آذار) عام 2011، وتشكيل جهاز الأمن الوطني بديلا له.

حصل سيد بلال على دبلوم الثانوي الصناعي، وعمل في إحدى شركات البترول، حتى اعتقل عام 2006 على خلفية انتمائه للجماعة السلفية. وعقب خروجه من المعتقل عمل لحاما للحديد، وكان متزوجا قبل وفاته ولديه طفل يبلغ عمره وقتها سنة وشهرين.

وفي الرابع من يناير 2011 تلقى بلال اتصالا هاتفيا من شخص مجهول يطلب منه الوجود في مقر مباحث أمن الدولة في منطقة «الفراعنة» بوسط الإسكندرية، وهو المقر الذي أطلق عليه السكندريون وصف «بيت الرعب» بسبب الممارسات الوحشية التي تتم داخله. وخضع بلال لتحقيقات متتالية، أعقبها اصطحابه لمنزله لتفتيشه ومصادرة بعض متعلقاته والقرص الصلب بجهاز الكمبيوتر الخاص به. وفي السابعة من صباح اليوم التالي تلقت أسرة بلال اتصالا هاتفيا من مركز طبي يدعوهم للحضور لتسلم جثته. وقال مسؤولو المستشفى إن مجهولين ألقوا بجثته أمام المستشفى عند الفجر ولاذوا بالفرار.

وقدمت أسرة بلال بلاغا للنيابة اتهمت فيه خمسة من ضباط جهاز مباحث أمن الدولة بالإسكندرية بقتله، هم المتهم الأول محمد عبد الرحمن الشيمي وهو الذي قضت المحكمة أمس بسجنه 15 عاما، بالإضافة إلى 4 ضباط هاربين عاقبتهم المحكمة بالسجن المؤبد غيابيا. وتعرضت أسرة بلال لضغوط أمنية لإجبارهم على التنازل عن القضية منذ اليوم الأول لإثارتها، إلا أنهم أصروا على المضي قدما في استعادة حق ابنهم القتيل وهو ما تحقق بحكم الأمس. وساعدهم في ذلك التقرير الطبي الذي أثبت الإصابات في جثة بلال، والتي أثبت الطب الشرعي أنها وقعت وقت اعتقاله.

واعتبرت الشرطة المصرية حادثة كنيسة القديسين مبررا كافيا لاعتقال المئات من الشباب المنتمين للحركات الإسلامية، ومنهم بلال، بحثا عن المتورطين في التفجيرات التي خلفت أكثر من 100 قتيل وجريح، وتركت وراءها آثارا لن تندمل بسهولة في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

ورغم أن مقتل بلال كان قبل انفجار الثورة المصرية بنحو 20 يوما، فإن تلاحق الأحداث التي واكبتها كان منصبا على الإطاحة بنظام مبارك والقبض على رموزه والزج بهم في السجون.. لكن اليوم بدأت الثورة تستعيد ذكرى مقتله، كدافع قوي على استمرارها.