مستشار كلينتون: نساعد الناشطين في سوريا لاستخدام الإنترنت بأمان وممارسة حقهم في التعبير

قال في حوار خاص لـ «الشرق الأوسط» إن وزيرة الخارجية الأميركية تفهم قوة تقاطع الاتصالات مع السياسة الخارجية

مستشار وزيرة الخارجية الاميركية الاعلى للابتكار اليك روس («الشرق الأوسط»)
TT

عملت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون منذ توليها منصبها على تطوير عمل وزارة الخارجية الأميركية من جوانب عدة، وعلى رأسها ما تسميه «الكفاءة السياسية للقرن الـ21» و«الدبلوماسية الرقمية».

ومن تدشين صفحتين باللغتين العربية والفارسية تابعتين للوزارة على موقع «تويتر»، إلى إطلاق «أجندة لحماية حرية الإنترنت»، شهدت السنوات الثلاث الماضية طفرة نوعية في تعامل السياسة الأميركية مع «الفضاء الإلكتروني». وجاءت الثورات العربية، واستخدام الناشطين الشباب العرب لوسائل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، ليرسخا الاهتمام الأميركي بالجانب «الرقمي» من الدبلوماسية. وكان على رأس الجهود المبذولة لتطوير الوجه الجديد للدبلوماسية الأميركية أحد أبرز مستشاري كلينتون، إليك روس.

وروس يشغل منصب «المستشار الأعلى لوزيرة الخارجية للابتكار»، وهو منصب مبتكر نفسه، ويشمل استراتيجيات مبتكرة عدة، من بينها جعل الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية يجيب عن أسئلة من أنحاء العالم عبر «تويتر». وبينما لا يعتبر روس الثورات والانتفاضات التي شهدتها دول عربية عدة «ثورات تويتر» مثلما يدعي البعض في الولايات المتحدة، فإنه يعتبر أن شبكة الإنترنت والاتصالات الحديثة «جعلت الأحداث تسير بشكل أسرع.. وسهلت نشر المعلومات بشكل أوسع.. وجعلت الحركات مبنية على المواطنين والأفراد بدلا من القيادات».

وهناك جانب مهم من عمل وزارة الخارجية متعلق بما يحدث في سوريا، وتطوير أساليب جديدة في دعم الناشطين فيها، بما في ذلك تزويد الناشطين بطرق لحماية أنفسهم عند نشر صور وتسجيلات من المظاهرات في سوريا، بالإضافة إلى مساعدة ناشطين على جمع أدلة عن جرائم النظام السوري. وفي حوار خاص مع «الشرق الأوسط» خلال زيارته إلى لندن، قال روس «نعمل مع أفراد ومنظمات لا أستطيع التحدث عنهم لحمايتهم، لكننا قمنا بدعم الكثير من التقنيات التي تستخدم حول العالم، بما في ذلك في سوريا، لاستخدام الإنترنت واستخدامها بشكل آمن». وأضاف «شبكة (سيرياتيل) للاتصالات مملوكة لابن خال الرئيس السوري (بشار الأسد) رامي مخلوف.. ولا يوجد فصل بين حكومة الأسد وشبكة الاتصالات في سوريا، مما يشكل تحديا حقيقيا، لأن الحكومة السورية لديها قدرات هائلة لمراقبة الاتصالات عبر شبكاتها ومعرفة المعارضين واعتقالهم». وامتنع عن إعطاء تفاصيل عن الدور الأميركي، مكتفيا بالقول «دورنا مساعدة الناس في ممارسة حقوقهم (في التظاهر والتعبير عن الرأي) وأن يكونوا آمنين عندما يفعلون ذلك».

ويرى روس أن دوره، بناء على رؤية كلينتون لدعم استخدام الإنترنت، هو «تعظيم الجوانب الإيجابية وتقليل الجوانب السلبية». ويكرر روس العبارة بأن شبكات التواصل الحديثة والسريعة شبيهة بالطاقة النووية «يمكنها أن تعمر مدينة أو أن تدمرها»، حسب طريقة الاستخدام.

ويعتبر روس أن «التهديد» الأكبر الذي يواجه الابتكار، بما في ذلك الابتكار الذي تسهله شبكة الإنترنت، يأتي من الحكومات. وهنا لا يعني فقط الحكومات الديكتاتورية أو الاستبدادية، بل الحكومات بشكل عام. وقال روس «بالتأكيد، التهديدات الأساسية تأتي من الحكومات غير الديمقراطية، لكن قلقي هو أن الحكومات حول العالم ستسعى لتنظيم الإنترنت بطريقة تنقص من طبيعة الشبكة المنفتحة». وأضاف «هناك الكثير من الجهود لإدارة الإنترنت وغير ذلك، وفي رأيي الكثير من تلك الأفكار غير بناءة، و(الحكومات) ترى أنه من الأفضل أن تكون هي المسؤولة عن إدارة الإنترنت، لكن في الوقت الراهن هناك أسلوب يجمع جهات عدة لها مصلحة في هذا الشأن، مثل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرها في التعامل مع هذه المسألة. لا أعتقد أنه على الحكومات أن تسيطر على الإنترنت». لكن يقر روس بأن التطورات السريعة والجذرية في مجال الإنترنت تتطلب نوعا ما من الإدارة، خاصة عند استخدام الإنترنت في مجال الجريمة، معتبرا أن التوصل إلى «توازن» بين الحرية والأمن في مجال الإنترنت، مثلما في الحياة إجمالا، هو «الأمر الصعب». وقال «أعتقد أن التوازن الصائب لن يأتي من الحكومة، بل يأتي من الانضباط الذاتي من بعض الشركات الخاصة، فعلى سبيل المثال إذا كان المستخدم لا يعجبه ما تقوم به شركة معينة بالمعلومات الخاصة به، فبإمكانه استخدام شركة أخرى أو موقع آخر، ففي هذا المجال أنا أفكر مثل الرأسمالي»، أي أن المنافسة تحل مثل هذه التحديات.

وردا على سؤال حول تشجيع انتشار «الابتكار» في الشرق الأوسط بينما هناك حكومات عدة تخشى من آثار حرية التعبير عن الرأي وربطها بالمطالب السياسية، ضرب روس مثالا من الولايات المتحدة، قائلا «40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعادل حركة اقتصادية بقيمة 6 مليارات دولار، يأتي من شركات لم تكن قائمة قبل 30 عاما، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تظل قوة اقتصادية عالمية بعد 30 عاما، فيجب أن يكون 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك من شركات غير قائمة اليوم، وهنا دور الحكومة يقع في تطوير بيئة تسمح لريادة الأعمال». وأضاف «الأمر ليس متعلقا فقط بالاتصالات والتقنية الإلكترونية، بل بكل المجالات، ودور الحكومة هو تسهيل إجراءات إقامة الشركة وعدم زيادة التنظيم في القدرة على العمل، كما يجب أن تسهل الحكومة الإجراءات في حال فشلت الشركة»، في إشارة إلى قوانين الإفلاس وحماية المستثمر، بالإضافة إلى العار الاجتماعي المرتبط بالفشل. وتابع «على الحكومة بناء بيئة تسمح بمخاطر أكبر.. على حكومات الشرق الأوسط تطوير بيئة تشجع الاستثمار والابتكار وعدم معاقبة الفشل بشكل قاس». وربط بين الابتكار وحرية التعبير، قائلا «أقول لحلفائنا ما أقوله لخصومنا في المنطقة، عليكم السماح بحرية التعبير وبحرية الإنترنت، إذا كنتم تكبلون بيئة المعلومات، فإنكم ستكبلون الابتكار».

وتواجه الولايات المتحدة حاليا، مثل المملكة المتحدة، نقاشا حادا حول الحريات المدنية المتعلقة بالإنترنت، من حيث مراقبة حسابات البريد الإلكتروني مثلما تتم مراقبة الاتصالات الهاتفية. وعبر روس عن دعمه لـ«الاعتراض القانوني»، أي التنصت، للحسابات الإلكترونية بناء على القانون وعدم استغلال تلك الصلاحيات. وقال روس «الجانب الأساسي هو العملية القضائية التي تحمي الحقوق المدنية والعالمية بينما تبقي على تطبيق القانون، ونحن في الولايات المتحدة لدينا التوازن السليم، لكني أقلق من استغلال حكومات أخرى» هذه القضية.

وفي دلالة على الاهتمام الذي يحظى به روس، عادة ما تشمل زياراته الخارجية لقاءات مع جهات مختلفة لها أهميتها الخاصة، من كبار المسؤولين في الدول المعنية خاصة الدبلوماسيين إلى خبراء في مجال تقنية المعلومات وممثلي المجتمع المدني. والتقى روس بمسؤولين بريطانيين في رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية البريطانية، بالإضافة إلى مشاركته في مؤتمر «لا ويب» السنوي والخاص بكل ما يتعلق بشبكة الإنترنت.

ويذكر أن روس كان مقربا جدا من عضو فريق التخطيط السياسي في مكتب كلينتون جارد كوهين، قبل انتهاء عقد الأخير العام المقبل وانتقاله ليترأس المعهد المرتبط بالمحرك «غوغل» واسمه «غوغل آيدياز» (أفكار غوغل). ووضع روس وكوهين في بداية إدارة أوباما بصمات ملحوظة على طريقة تعامل الإدارة وبشكل أخص وزارة الخارجية الأميركية مع الإنترنت في كل المجالات خاصة مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن هناك وجها آخر لتعامل الإدارة الأميركية مع الإنترنت واستخدامها في تحقيق أهدافها الخارجية وتأمين ما تعتبره مصالحها القومية. ويندرج في هذا السياق موضوع «حرب الفضاء الإلكتروني» والتقارير الإخبارية، وآخرها تقرير صحيفة «واشنطن بوست» قبل يومين، والذي يفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل طورتا فيروسا إلكترونيا يدعى «فلايم» (لهب) لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وبينما تعتبر وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أن «الفضاء الإلكتروني» أصبح ميدانا من ميادين الحروب، مثل البر والبحر والجو، فإن روس وغيره من مشجعي الدبلوماسية «الرقمية» يمتنعون عن الحديث عن هذه القضية. وفي لقاء مع عدد من الصحافيين الأجانب في لندن أمس، تم طرح هذه القضية، بالإضافة إلى قضية حرية نشر المعلومات المرتبطة بـ«ويكيليكس» والبرقيات الأميركية المسربة، فرفض روس الحديث عن القضيتين، قائلا إنه غير مخول له الحديث عنهما. لكنه قال «بشكل عام، ميدان الفضاء الإلكتروني سيصبح ميدان نزاع بشكل متصاعد في المستقبل المنظور». وهنا تعمل الولايات المتحدة، مثلما تفعل في مجالات النزاع بشكل عام، على الاعتماد على القوة الناعمة والدبلوماسية من جهة، والقوة العسكرية والتصدي الشديد من جهة أخرى. وعند سؤال روس عن اهتمام كلينتون شخصيا بالإنترنت والدور الذي يلعبه عدد من مستشاريها الشباب في تشجيعها على دعم حرية الإنترنت، ابتسم روس وقال «لا تحتاج من يعلمها عن قوة وأهمية تقنيات التواصل.. كما أنها تتلقى المعلومات وتتناولها بدقة وبسرعة، وهي تفهم أهمية وقوة الإعلام الرقمي والإلكتروني خاصة من حيث السياسة الخارجية». وأضاف «هي فهمت قوة تقاطع هذه الشبكات مع السياسة الخارجية ومصالحنا الخارجية قبل الكثير من الناس»، لافتا إلى أن الدور المتطور للإنترنت وتقنيات التواصل «لا توجد سابقة له ونحن نشهد التاريخ وهو يكتب أمامنا». وبينما قال إنه يجب انتظار بعض السنوات قبل الحكم على هذه التطورات، اعتبر أنه «في النهاية هذه الظاهرة تخدم مصالحنا، حتى إن كانت تجعل بعض الظروف أصعب». ومن بين الصعوبات ظهور قيادات واضحة من بين الناشطين الذين ظهروا خاصة في السنتين الأخيرتين، إذ قال روس «في عصر الشفافية المفرطة من الصعب ظهور قيادات تصبح أيقونية، خاصة في أوساط الناشطين حيث توجد هناك ميول لمعاداة أي شخص يكبر كثيرا عن رفاقه، كما أن أخطاء الجميع تظهر بسرعة، وبات من الصعب تطوير صورة محمية» وخالية من الانتقادات التي تتسرب وتتناقل بشكل سريع.

ومن غير المعلوم إذا كان روس سيبقى في منصبه بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أم لا، خاصة أن كلينتون أعلنت عدم رغبتها في البقاء في منصبها بعد الولاية الأولى من إدارة أوباما حتى وإن فاز الرئيس الحالي بولاية ثانية. وبما أن منصب روس يعتبر «تعيينا سياسيا»، مستقبله مرتبط مباشرة مع وزيرة الخارجية، فإنه بغض النظر عن بقاء روس في منصبه أو لا، من المؤكد أن طريقة عمله وتأثيره على الدبلوماسية الأميركية سيظلان باقيين. ويقول روس باعتزاز «لقد أحببت خدمة بلدي في هذه المهام.. وسأفكر في المستقبل اليوم ما بعد الانتخابات».