طبيب فلسطيني قتلت إسرائيل بناته الثلاث: الانتقام انتحار

قال إن الكراهية مرض وسم قاتل تحول دون العلاج والسلام

TT

يسجل طبيب فلسطيني كيف يمكن للضحية أن يصبح داعية سلام بدلا من السعي للانتقام على الرغم من مقتل بناته الثلاث خلال قصف قطاع غزة في الحرب التي شنتها إسرائيل بين ديسمبر (كانون الأول) 2008 ويناير (كانون الثاني) 2009 وأدت إلى مقتل نحو 1400 فلسطيني و13 إسرائيليا.

ويقول عز الدين أبو العيش في كتابه «لن أكره.. رحلة طبيب فلسطيني من غزة على طريق السلام والكرامة الإنسانية»، إن الانتقام نوع من الانتحار على الرغم من إطلاق دبابة إسرائيلية قذيفتين «على غرفة البنات»، مما أدى إلى مقتل بناته الثلاث وابنة أخيه أيضا إضافة إلى إصابة بعض أفراد العائلة.

ولكنه في الوقت نفسه يبدي دهشته من «الهجوم المميت على الرجال والنساء والأطفال مدنيي غزة الأبرياء» والذي شنته إسرائيل على القطاع ويتساءل: «كيف سيعيد علماء النفس وعلماء الاجتماع والأطباء وخبراء الاقتصاد تأهيل الأشخاص الذين عاشوا جنون هذه الإبادة؟!».

والكتاب الذي يهديه مؤلفه إلى أبويه وزوجته نادية وبناته بيسان (21 عاما)، وميار (15 عاما)، وآية (14 عاما)، وإلى الأطفال في كل مكان.. الذين لا سلاح لهم سوى الحب والأمل، أصدرته في الآونة الأخيرة «دار بلومزبري» (مؤسسة قطر للنشر)، ويقع في 221 صفحة كبيرة القطع.

ويصف أبو العيش بيته بعد القصف الإسرائيلي قائلا إن ابنته شذا كانت «الوحيدة الواقفة على قدميها.. جسمها مغطى بجروح دامية غائرة وكان أصبع يدها اليمنى معلقا بخيط من الجلد. ووجدت جثة ميار على الأرض. كانت مقطوعة الرأس وكانت هناك أجزاء من المخ على السقف وكانت أيدي البنات وأقدامهن على الأرض.. جريت إلى باب الشقة لأطلب المساعدة.. وبينما كنت عند الباب اخترق صاروخ آخر الغرفة».

والكتاب الذي صدر بالإنجليزية في كندا عام 2010 نقله إلى العربية المترجم المصري أحمد محمود ويحمل غلاف الطبعة العربية كلمة يقول فيها الروائي اللبناني أمين معلوف «يحتاج الأمر إلى شجاعة لرفض الكراهية والامتناع عن الدعوة إلى العنف». أما الغلاف الخلفي فيحمل كلمات لرموز منهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي اعتبر المؤلف وكتابه «مثلا رائعا للعفو والمصالحة. يوضح أساس سلام دائم في الأراضي المقدسة»، وسجل إيلي ويزل وهو يهودي أميركي حاصل على جائزة نوبل للسلام، أن «هذه السيرة درس ضروري ضد الكراهية والانتقام».

والمؤلف الذي ولد في مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة عام 1955 حصل عام 1975 على منحة لدراسة الطب في جامعة القاهرة ثم أكمل دراساته التخصصية في كل من بريطانيا وإسرائيل وإيطاليا وبلجيكا والولايات المتحدة، وقبل أن تقتل بناته الثلاث في يناير 2009 كان يعمل كبير باحثين في معهد «جرتنر» بمستشفى شيبا في تل أبيب، ويقول إنه «أول طبيب فلسطيني ضمن هيئة مستشفى إسرائيلي»، هو مستشفى «سوروكا» في إسرائيل.

ويعيش المؤلف حاليا في تورونتو بكندا، حيث يعمل أستاذا مشاركا في كلية الطب بجامعة تورونتو.

ويروي أنه رد على سؤال عما إذا كان يكره الإسرائيليين بسؤال آخر هو: «أي إسرائيليين يفترض أن أكره؟!».. موضحا أنه يوجد ممرضات وأطباء يحاولون إنقاذ حياة أطفاله المصابين ويوجد أطفال إسرائيليون ولدوا على يديه، أما الجندي الذي أطلق القذائف القاتلة وقصف منزله، «فأنا أعتقد أن ضميره سيستيقظ في يوم من الأيام»، حين يصير أبا ويعرف كم هي ثمينة حياة طفله.

ويضيف «أقول لمن يسعون إلى الانتقام إنه حتى إذا انتقمت من كل الشعب الإسرائيلي، فهل سيعيد هذا بناتي؟!.. إن الكراهية مرض وسم قاتل وهي تحول دون العلاج والسلام».

ويشدد على أنه يؤمن بالتعايش السلمي، «لا بحلقات الانتقام والعقاب التي لا تنتهي.. لست نبيا. أنا إنسان مؤمن أتقبل قدري».

ويقول أبو العيش إنه طوال حياته يضع «رجلا في فلسطين والأخرى في إسرائيل، وهو وضع غير معتاد في المنطقة»، مضيفا أنه وجد صعوبة لكي يصل إلى هذا الاستنتاج، فهو لاجئ محبوس في قطاع غزة المحروم من حقوقه الأساسية ويتعرض لـ«مهانة نقاط التفتيش والحواجز والمعابر الإسرائيلية.. أؤكد أن الانتقام والانتقام المضاد انتحار متبادل»، مشددا على ضرورة أن تسود قيم المساواة والتعايش.

ويصف أبو العيش قطاع غزة بأنه «أعلى كثافة سكانية في العالم»، حيث يضم نحو 1.5 مليون نسمة منهم 80 في المائة فقراء يعيشون في مخيمات للاجئين منذ عقود، وأكثر من نصف سكان القطاع دون الثامنة عشرة. وبسبب الزحام والفقر والتلوث والبطالة تصبح «غزة قنبلة موقوتة في سبيلها إلى الانفجار»، ففي رأيه أن المعاناة والحرمان يؤديان إلى الانتقام.

ويرى أن الظروف الصعبة التي يعيشها أهل غزة جعلت «الجميع هنا يعانون مشكلات نفسية من نوع أو آخر. والكل في حاجة إلى إعادة تأهيل»، وسط توتر وإحباط لا يبالي بهما الضمير العالمي، «فحتى منظمات المساعدات الإنسانية تعتمد على إذن من إسرائيل كي تدخل قطاع غزة وتغادره».

ويقول إن صاروخ «القسام» محلي الصنع الذي تطلقه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من القطاع نحو إسرائيل، «أغلى صاروخ في العالم»، نظرا لتبعاته من قتل الأرواح البريئة وتدمير المنازل والمزارع في غزة التي يقول إن إسرائيل تسيطر على كل شيء فيها من الهواء والماء والأرض والبحر.