الثوار السوريون: الشعور بالالتزام يحركهم.. وقمع النظام يقوي عزيمتهم

يطلقون النار على مروحية هجومية مسلحة تحلق على ارتفاع 2000 قدم بالبنادق فقط معتمدين على «مشيئة الله»

TT

كان الأطباء والممرضون يكافحون من أجل إنقاذ سيدة مسنة تعرضت لإصابة في صدرها جراء قصف بمدفع كلاشنيكوف قتل خلاله طفلان، عندما كانت مروحية هجومية تحلق في عنان السماء. وأجرى قائد الثوار المحلي اتصالا هاتفيا برفاقه في مدينة مضايا المجاورة طالبا مساعدتهم.

وحينما وصلت التعزيزات، ركزوا على المروحية، وانطلقت مجموعة بشاحنات تحمل مدافع رشاشة «دوشكا» ثقيلة، متسابقين بسرعة عبر الشوارع، بينما كانت المروحية تحلق في السماء. أما آخرون، فقاموا بقصفها ببنادق قناصة «دراغونوف» ومدافع كلاشنيكوف.

ولدى سؤاله عن كيفية تفكيره في قصف طائرة مروحية هجومية مسلحة تحلق على ارتفاع 2000 قدم باستخدام بندقية فقط، رد أحد الثوار المقاتلين وعلى وجهه ابتسامة قائلا: «ربما يصبح هذا ممكنا لو كانت تلك هي مشيئة الله».

يواجه آلاف المقاتلين الثوار الذين يخوضون معركة كل يوم مع قوات الجيش السوري مصاعب جسيمة، فكثيرون منهم يفتقرون إلى التدريب العسكري، وثمة قدر محدود من التخطيط الاستراتيجي، وحتى مع بدء الجهود الدولية الرامية لدعم قضية الثوار في إحداث تأثير من خلال سيل من البنادق المهربة، يظل هناك نقص في الأسلحة الثقيلة.

غير أن التأمل في عمليات الثوار في سوريا يكشف عن قوة لم تثبط عزيمتها التكتيكات القمعية التي انتهجها جيش بشار الأسد، والخسائر الفادحة في صفوف الثوار وبين المدنيين لم تفعل شيئا سوى أنها قوت عزائم الثوار في معركتهم للإطاحة بالأسد، ويقول شهم، الذي يقود وحدة الثوار في مدينة مضايا: «لم أكن أرغب مطلقا في القتال، لقد بدأت ثورتنا سلمية».

واستطرد قائلا: «طالبنا بشار فقط بحريتنا، لكنه رد علينا بالرصاص. في المرة الأولى التي يضربك فيها رجل قد لا ترد، وربما أيضا في المرة الثانية، لكن، ماذا عن المرة الثالثة؟».

هدأ صوته، واستكمل قائلا: «إنني إنسان لديه مشاعر وأحاسيس، لذلك أقاتل الآن».

يأتي قرار القتال مصحوبا بمخاطر، ففي أثناء المعركة في خان شيخون الشهر الماضي، كان أحد القناصة في مخبأ تحت الرمال يحدث مشكلات في صفوف الثوار، واصطحب شهم بوليد، أفضل جندي مسلح بقذائف صواريخ عالية الارتداد ترمى من على الكتف الأيمن «آر بي جي»، واتجهوا إلى المخبأ.

تسلل الرجلان، من دون أن يتم اكتشافهما، إلى مسافة 100 متر من القناص. وارتفعت أول طلقة لوليد عاليا. وأصابت قذيفته الصاروخية الثانية هدفا مباشرا. ورد الجيش السوري بوابل من الرصاص ليس له اتجاه محدد، وعلى بعد ثلاثين قدما، انفجرت قذيفة دبابة باتجاه جدار حجري. نظر شهم ووليد إلى بعضهما البعض وضحكا.

وأفلتت المروحية دون أي أذى، لكن شهم اعتبر قتال اليوم بمثابة نجاح للثوار، وفقا لروايته (التي كان من الصعب التحقق منها) قامت قوات الثوار بتدمير صهريج و3 ناقلات جنود مدرعة، وقتلوا أو أصابوا ما لا يقل عن 15 ضابطا، من دون وقوع أي إصابات في صفوفهم.

وقال شهم، مشيرا إلى الطفلين اللذين لقيا مصرعهما جراء قذيفة هاون: «القتلى من الأطفال هم المأساة الكبرى، لكننا سرعان ما أخذنا بثأرنا».

للوهلة الأولى، لا يعطي شهم، الذي هو في منتصف العشرينات من عمره، انطباعا بأنه مقاتل، فنظارته ومظهر المفكر الذي يظهر به يبدو معبرا بصورة أكبر عن شخصيته ما قبل الثورة حين كان طالب هندسة مدنية بجامعة روسية. وهو يتحدث لغة إنجليزية جيدة مصحوبة بمقاطع عربية شعرية لا تحمل سوى إشارات قليلة جدا إلى اللهجة الروسية.

لم الدراسة بالخارج؟ جاءت إجابته بسيطة: «الخدمة العسكرية إلزامية في سوريا، وكان من المستحيل أن أعمل لحساب بشار».

ويعتبر شهم، الذي لم يرغب في ذكر اسمه الأخير خوفا من فقدان فرصة الحصول على تأشيرة يوما ما للسفر إلى الولايات المتحدة، قائد مجموعة تضم نحو 50 ثائرا تابعين للجيش السوري الحر. وتخضع مدينة مضايا بالكامل لسيطرة قوة الثوار، ويحمل المقاتلون الأسلحة على الملأ ويعتبرهم المدنيون أبطالا.

ورغم أن شهم لم يحظ بأي تدريب عسكري رسمي، قال: إن والده الذي يقود وحدة ثوار خاصة به والذي خدم لفترة قصيرة في جيش الأسد قبل عدة أعوام، قد علمه أساسيات القيادة العسكرية. وقال شهم: إنهما يتشاوران عبر برنامج «سكايب»، حيث يخططان الهجمات وعمليات الإخلاء الطبي وشحن الأسلحة.

وقبل اندلاع الانتفاضة، كان الأب يدير محجر رخام، وكان يحقق نجاحا في عمله، وكانت أسرته تحظى بمكانة مرموقة في إدلب، الإقليم الشمالي الغربي الذي كان مسرحا لبعض أحمى المعارك وطيسا خلال العام.

وتجري روح الثورة في عروق الأسرة، فقد توفي أخو جد شهم أثناء قتاله الاحتلال الفرنسي، وقتل والدا أمه أثناء مقاومتهما نظام حافظ الأسد، والد بشار.

وأثناء انتقاله بالسيارة من الحدود التركية عبر ريف إدلب على طول طريق فرعي لتفادي نقاط التفتيش التابعة للنظام، نظر شهم باتجاه خط سكة حديد وروى قصة انضمامه للمقاتلين.

قال شهم: «قلت لوالدي إنني سأقوم بعمل مهم». وعندما سأله والده عن ماهية هذا العمل، أجابه: «عندما أقوم به، ستعرفه».

وقال شهم إنه بعد ساعات، أتى قطار منطلقا بسرعة فائقة على شريط السكة الحديد حاملا وقودا للمروحيات والصهاريج في حلب، انفجرت قنبلة وطنية الصنع أسفل القطار، يقول شهم: «اعتدت استخدام نفس نوع الديناميت الذي كنا نستخدمه في محجر أبي في تفجير القطارات».

نظر لأسفل بأسف، وقال: «لقد نفد كل ذلك الآن». قاد السيارة على طول الطريق بسرعة انتحارية.

وقال شهم إنه يخطط لهجوم ضخم، ويشمل المخطط استخدام قطعة مدفعية لا يعلم أحد كيفية استخدامها، قال شهم: «هناك ضابط مدفعية منشق يعرف كيفية استخدامها، وهو ملازم أول، وأنا أحاول أن آتي به إلى هنا»، وأضاف: «إنه يقول أيضا إنه بحاجة لبعض الخرائط، ونحن نحاول أن نأتي بها».

في الوقت نفسه، أخذ المقاتلون التابعون لشهم شخصا يشتبه في أنه جاسوس لحساب النظام كرهينة، وتشير عينه اليمنى المتورمة إلى الضرب المبرح الذي قد تحمله، وأجاب شهم بصعوبة عن أسئلة عن معاملة السجين، قال شهم: «نحن لسنا قتلة، نحن لسنا مثل الأسد، لكن هذا الرجل كان واحدا منا، ويتحمل المسؤولية عن مقتل أكثر من 10 أشخاص، من بين أصدقائنا، في الحرب، أحيانا ما يتعين عليك أن تنحي مبادئك وتعليمك جانبا».

بدا مثل رجل يحاول إقناع نفسه بموقفه.

وفي وقت متأخر من تلك الليلة، بعد فترة طويلة من خلود معظم الآخرين إلى النوم، ظل ساهرا بجوار الهاتف، وأخيرا، تلقى خبرا كان قد طال انتظاره له وهو أن شحنة أسلحة قد وصلت، وبعد إلحاح من أحد رجاله، ذهب للنوم لبضع ساعات، كانت آخر كلمات تفوه بها في تلك الليلة بمثابة اعتراض: «كلما نمت ساعات أطول، قلت فترات قتالك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»